أخبار لبنان

أكبر من معركة وأقلّ من حرب

تتوالى المواقف المحذّرة من حرب إسرائيلية قريبة على لبنان. هذه المواقف الدولية مدعّمة بموقف إسرائيلي واضح يتدحرج باتجاه التصعيد. غير أنّ الصورة من بعيد ليست كما هي من قريب. بعيداً عن خطّ النار، مفاوضات إيرانية أميركية لم تتّفق على ملفّ الصواريخ الباليستية والملفّ النووي، ومسألة إيجاد حلّ لـ”الميليشيات” التابعة لإيران في المنطقة، كما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” في تقرير لها. لكنّهما، في المفاوضات التي جمعتهما في سلطنة عمان قبل حوالي أسبوعين، أنجزا الاتّفاق الأمنيّ العميق على عدم انجرار الحرب الحالية في القطاع أو في لبنان إلى حرب شاملة. عليه، لماذا غسل يديه الموفدُ الأميركي آموس هوكستين من أيّ حرب مقبلة؟ ولماذا ردّ عليه الأمين العامّ للحزب حسن نصرالله بالتصعيد؟ وما بين خطوط النار، هل يتحضّر تفاوض على اتّفاق مقبل؟

ماذا قال هوكستين؟ ولمن رسائل نصرالله؟

كثرت التسريبات المتناقضة عمّا حمل معه آموس هوكستين إلى بيروت. تحدّثت بعض المصادر عن تهديد، وبعضها الآخر تحدّث عن اتّفاق. غير أنّ معلومات “أساس” تشير إلى أنّ كلام الموفد الأميركي من عين التينة بعد لقائه الرئيس نبيه بري كان خير معبّر عن موقف بلاده. لكنّه لم يختصر مهمّته في لبنان. قال هوكستين إنّ “الوضع أصبح خطيراً جداً”. وهو بذلك تحدّث عن “جهوزية إسرائيلية للتصعيد”.

كشفت مصادر “أساس” أنّ هوكستين قال: “في الزيارات السابقة كنت أحمل معي ضمانات بعدم حصول أيّ حرب إسرائيلية، وأمّا اليوم في زيارتي هذه فلا أحمل هذه الضمانات”. لكنّه في الوقت نفسه اقترح على المسؤولين اللبنانيين أن يبادروا إلى قطع الربط بين لبنان ويحيى السنوار لأنّ هذا لن يكون لمصلحة لبنان. وفي حال الإصرار على الربط، فليُقنع الحزب قياديّي حماس بالقبول بالمقترح الأميركي.

بين التحذير من التهديد الإسرائيلي الجدّي، واستمرار مسعى الأميركيين إلى إنجاح مقترحهم، غسل هوكستين يديه من أيّ حرب مقبلة. وعاد إلى تل أبيب مبلغاً نتنياهو باستمرار ربط الجبهات على الرغم من كلّ شيء.

بعد ساعات، ردّ الأمين العام للحزب بتصعيد شديد في اللهجة، لكنّه في المضمون بعث رسائل ثلاث غاية في الأهمية والدلالة تُظهر رغبة الحزب بانحسار المواجهة لا باتّساعها:

أوّلاً: رسالة إلى إسرائيل بأنّ أيّ حرب تشنّها على لبنان ستدمّره حتماً، لكنّها في المقابل ستشهد هي أيضاً دماراً لم تشهده من قبل.

ثانياً: رسالة إلى واشنطن تطالبها بعدم غسل يديها ممّا قد ترتكبه إسرائيل، وطلب منها أن تبقي على خطوطها الحمر في المواجهة.

ثالثاً: رسالة إلى الاتّحاد الأوروبي من خلال تهديد قبرص بضرورة التحرّك لردع إسرائيل.

هذه الرسائل الثلاث قرأ كثيرون فيها المزيد من تأكيد توازن الردع بين لبنان وإسرائيل، ومؤشّراً إلى إرادة محور الحزب عدم اندلاع حرب كبرى، بل ورغبته في إبقائها وفق قواعد الاشتباك على الرغم من اتّساعها في الشهر الأخير.

نتنياهو في 27 تمّوز: الأمر لي

بعدما صادقت قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي على خطّة الحرب على لبنان، رفعتها إلى هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي لكي تقوم بدراستها وتحويلها إلى المستوى السياسي للمصادقة عليها، على أن تُردّ للجيش ويحوّلها إلى قيادة المنطقة للتنفيذ.

هذا هو المسار المفترض أن تسلكه خطّة الحرب على لبنان التي حضّرتها قيادة المنطقة الشمالية ويبدو أنّ بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت ورئيس الأركان وقيادة المنطقة الشمالية على دراية كاملة بها.

عليه، يجري الحديث عن خمسة أسابيع تفصلنا عن قرار نتنياهو بالتصعيد، وذلك بناء على اعتبار أنّ دورة الكنيست الحالية تنتهي في 27 تموز. بعدها يدخل الكنيست في عطلة لشهرين في فصل الصيف، وهذا يعطي نتنياهو حرّية التحرّك واتّخاذ القرارات وإقرار القوانين عبر الحكومة. عندها يستطيع نتنياهو أن يقول: “الأمر لي”، حاملاً معه ورقة الحرب كورقة تفاوضية سيستخدمها متى أراد.

لبنان.. بعد غزّة

في المقابل، علّقت مصادر دبلوماسية غربية على كلام نتنياهو الأخير عن حاجته إلى سلاح من الولايات المتحدة الأميركية للانتهاء من غزة والإعلان عن انتهاء العمليات العسكرية فيها، ولردع الحزب عن قصف إسرائيل، بالقول إنّ “ردع” الحزب يعني به نتنياهو ضربة “حاسمة سريعة وفي أرض العدوّ”.

انطلاقاً من هنا، يكثر الحديث في الأروقة الدبلوماسية عن تصعيد إسرائيلي مقبل على لبنان في ضربات محدّدة على مناطق وبنى تحتية للحزب لم تُقصف بعد، وفي أهداف لم تُحقّق بعد. وذلك في ساعات قليلة يشهد فيها لبنان تصعيداً كبيراً وخاطفاً على قاعدة “حرب أكبر من معركة وأقلّ من حرب شاملة”، على أن تتداعى الدول بعدها إلى تهدئة الجبهة على قاعدة “خطورة توسّعها إلى حرب شاملة” في المنطقة. ثمّ تتدحرج الأمور إلى الحلّ بدءاً من الحدود ووصولاً إلى إعادة تكوين السلطة.

قبل 7 أكتوبر، كانت قد وصلت رسائل إلى الحزب بأنّ الاتفاق الحدودي شبه جاهز ولا نقاط خلافية عليه. أمّا بعد انتهاء كلّ شيء، فيبدو اليوم أيضاً أنّ الاتفاق الحدودي سيراعي المصالح اللبنانية إلى حدّ كبير وسيقدّم للحزب انتصاراً على مستوى تحرير الأراضي المحتلّة. لكنّه انتصار لن يُترجم في الداخل، وتحديداً في رئاسة الجمهورية. بل سيُترجم في انفتاح الحزب على الداخل في حوار حقيقي يتعلّق بـ”الهواجس والضمانات”… وللبحث تتمّة.

المصدر: اساس ميديا – جوزفين ديب

​للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى