Raya FMأخبار العالم

العامل الفلسطيني بين سياسة العقاب الجماعي وتشوه بنية الاقتصاد الفلسطيني

الكاتب: د. سناء تيسير الشرافي

فرض الاحتلال الاسرائيلي منذ بداية العدوان الاسرائيلي في شهر أكتوبر 2023 على أهلنا في قطاع غزة، سياسة العقاب الجماعي على العامل الفلسطيني بصرف النظر عن مكانه أو انتمائه أو عمله، واستقصد إصابة الاقتصاد الفلسطيني بالشلل من خلال تدمير كل مناحي الحياة في قطاع غزة الأمر الذى أدى بأكثر من ٢٠٠ ألف عامل للتوقف التام عن وظائفهم، وحجز السلطات الاسرائيلية أموال المُقاصة الفلسطينية والتي تقدر بقيمة 255 مليون دولار شهرياً وهو ما يمثل 60% من دخل السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي أصبحت بدورها عاجزةً عن الوفاء بالتزاماتها من رواتب العاملين في القطاع الحكومي، أو سداد الفواتير المترتبة على تعاملاتها مع الشركات، كما ألغت السلطات الاسرائيلية تصاريح العمال الفلسطينيين العاملين داخل الخط الأخضر والذين وصل عددهم 194 ألف عامل حسب ما نشره الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني حتى العام 2022.

تبنى الاحتلال الاسرائيلي استراتيجية ممهنجة في اخضاع الضفة الغربية وقطاع غزة للضم القسري والفعلي للاقتصاد الاسرائيلي، وعزلهما عن واقعهما وعن الدول المجاورة والمحيط العربي، ووضع آليات أدت لاستغلال الأيدي العاملة الفلسطينية باتباع سياسة الإفقار والسلب والتبعية الإقتصادية وتقسيم الجغرافيا، فقد سلب الاحتلال منذ العام 1948 أكثر من نصف الأراضي الزراعية الفلسطينينة فأصبح أهلها معدومي الدخل، وأضعف الزراعة باعتبارها العمود الفقري للاقتصاد الفلسطيني وهو ما زاد أعداد العاملين بأجر بعد أن كان المزارعون يعملون في أراضيهم الخاصة، كما سلب الموارد الطبيعية والمائية، وجعل من السوق الفلسطيني ساحة له لبيع بضائعه فيها، وأحدث تشوهات هيكلية في بنية الاقتصاد الفلسطيني ووجه صدمات شديدة له تمثلت في سلب الأراضي، ورفع الضرائب وتكاليف المواد الأولية، والحجز على كثير من المواد اللازمة للصناعة  مما أدى للعزوف عن الصناعات الانتاجية والتي تشمل الزراعة، والصناعة، والإنشاءات، فأصبح سوق العمل الفلسطيني المحلي عاجز عن توليد فرص عمل مجزية للعاملين تكافئ مثيلتها داخل الخط الأخضر نظراً للفروقات في المؤشرات الإقتصادية وحجم الاستثمار والدخل القومي، وأصبح هنالك  جذب لأصحاب المهارات وندرة الاختصاص للعمل داخل الخط الأخضر رغم مواجهتهم لخطر الموت والحبس والتنكيل على الحواجز، وفقدانهم لنظام حماية اجتماعية عادل.

وحسب دراسات معهد ماس للعام 2024، وفي محاولات بعض أصحاب الشركات الخاصة في فلسطين لرفع الأجور لحاجتهم الماسة لبعض المهارات، إلا أن هذه الخطوة أدت لارتفاع تكلفة المنتج الفلسطيني دون تحسن انتاجية العامل أو جودة المنتج، وهو ما اضعف من القوة التنافسية للمنتج المحلي مقارنة بالمنتجات الأخرى من نفس الفئة.

وضمن معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حتى منتصف العام 2023، يعمل 60% من القوى العاملة في القطاع الخاص، وما يقارب 20% في القطاع الحكومي، و17% داخل الخط الأخضر ، وكانت آخر احصائية لمعدل البطالة وصلت 24.6% قبل العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة والإجراءات التعسفية بالضفة الغربية والقدس، فيما ترجح احصاءات حديثة لمنظمة العمل الدولية أن تكون نسبة البطالة ارتفعت لحدود 40% بعد العدوان.

وضمن قراءة لواقع حال العامل الفلسطيني، وهذا التشوه البنيوي في هيكل الاقتصاد الفلسطيني والذي عمل عليه الاحتلال الاسرائيلي على مدار نصف قرن من الزمن، يبدو المستقبل أكثر قتامة إذا لم تكن هنالك خطوات جوهرية وعميقة تفكك العوائق إلى جزئيات يمكن حلها تشمل وضع خطة للدخل الأساسي الطارئ للعاملين في قطاع غزة والذي يحدد حسب قيمة المواد الأساسية ويسمح بدفع عجلة الاقتصاد للبدء بالتعافي البطيء، ومراجعة القوانين وإعطاء التسهيلات لأصحاب المشاريع الإنتاجية، واعادة النظر في في آليات دعم المنتج الوطني، والإلحاح في المطالبة بمعرفة ظروف وحقوق العاملين داخل الخط الأخضر وضرورة استيعابهم في سوق العمل المحلي على مراحل، والبدء ببناء نظام حماية اجتماعية يتسم بالتدرج في المنافع والتغطيات والتدرج في الشمول للعاملين في القطاع الخاص، ودعم المرأة الفلسطينية سواء من خلال فرض سياسات تكافؤ فرص العمل في الوظائف، أو تمكين من لديهن مشاريع صغيرة وفتح آفاق لهم في السوق المحلي والأسواق الخارجية، والاستفادة من بنية المجتمع الفلسطيني الفتي ودمج الشباب وتشجيعهم على التعليم المهني وريادة الأعمال باعتبارهم عنصر القوة و البناء والتقدم، والمتابعة الحثيثة لسد الفجوة بين التعليم الأكاديمي وما تطرحه الجامعات من تخصصات واحتياجات سوق العمل الفلسطيني.

وعلى الرغم من أن  الاحتلال الاسرائيلي استباح لقمة عيش العامل الفلسطيني واستخدمها كسلاح يحاربه لفرض غطرسته على كل ما هو فلسطيني، يبقى لدى كل فلسطيني الأمل في بناء وطنه بحرية وعدالة لأنه صاحب الأرض والحق.

للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى