أخبار العالمالجزيرة

العدالة في توفير الأمونيا.. كيمياء جديدة لإنتاجٍ أرخص وأنظف

العدالة في توفير الأمونيا.. كيمياء جديدة لإنتاجٍ أرخص وأنظف

الأمونيا هي نقطة الانطلاق في إنتاج الأسمدة النيتروجينية التي أمنت الإمدادات الغذائية للعالم خلال القرن الماضي (شترستوك)حازم بدر2/6/2024

الأمونيا هي نقطة الانطلاق في إنتاج الأسمدة النيتروجينية التي أمّنت الإمدادات الغذائية للعالم خلال القرن الماضي، كما أنها مكون رئيسي في منتجات التنظيف، وتعتبر أيضا بديلا خاليا من الكربون في المستقبل للوقود الأحفوري في المركبات.

لكن تصنيعها من النيتروجين الجزيئي يعد عملية صناعية كثيفة الاستخدام للطاقة، وذلك بسبب درجات الحرارة والضغوط المرتفعة التي يحدث عندها التفاعل اللازم لذلك، وهي المشكلة التي أعلن فريق من علماء مختبر لورانس بيركلي الوطني التابع لوزارة الطاقة الأميركية عن حلها عبر التوصل لطريقة جديدة لإنتاج الأمونيا تعمل في درجة حرارة الغرفة، وفي ظروف ضغط أقل.

تفاوتات جغرافية في الإنتاج

والطريقة التقليدية لتصنيع الأمونيا تُعرف باسم “هابر بوش”، وفيها يُحول النيتروجين الجزيئي إلى الأمونيا باستخدام غاز الهيدروجين، وذلك بوجود محفز ذي أساس معدني (عادة الحديد أو الروثينيوم)، ويتطلب ذلك درجات حرارة عالية (400-500 درجة مئوية)، وضغوط عالية (150-250 للضغط الجوي)، واستهلاك عال جدا للطاقة (2% من استخدام الطاقة في العالم).

وهذا بطبيعة الحال، يخلق تفاوتات جغرافية في توافر الأمونيا بسبب افتقاد بعض الدول لمرافق الإنتاج الكبيرة واسعة النطاق القادرة على الإنتاج.

وفي دراسة نُشرت بدورية “كيم كاتاليست”، أعلن باحثون تطوير طريقة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة لتصنيع الأمونيا باستخدام محفزات بديلة من المعادن الأرضية النادرة لعملية تحويل النيتروجين إلى الأمونيا، وقالوا إن هذه العملية يمكن تنفيذها في درجات حرارة الغرفة والضغوط المحيطة، مما يجعلها مناسبة للبيئات اللامركزية (مرافق الإنتاج المحلية الأصغر حجما)، مما يزيل الفوارق الجغرافية في توافر الأمونيا.

أعضاء الفريق البحثي يستخدمون صندوق القفازات في المختبر حيث يُجرون أبحاث الأمونيا (مختبر لورانس بيركلي)

محفزات بديلة.. طاقة أقل

وتعتمد الطريقة الجديدة لتصنيع الأمونيا على عده خطوات فصّلها الباحثون في الدراسة، وهي:

أولا- تصميم المحفز: صمم الباحثون مركبات تربط بين اثنين من المعادن الأرضية النادرة مثل  الزركونيوم والتيتانيوم، وذلك باستخدام “الفينولات” التي تُشتق من أحد مضادات الأكسدة البسيطة الموجودة عادة في الطعام، ويخلق الهيكل الذي يتكون من هذه المعادن المرتبطة تجويفا مستطيلا.

ثانيا- ربط النيتروجين الجزيئي: يرتبط جزيء النيتروجين بالمعادن الموجودة على طرفي التجويف، مما يعمل على الاحتفاظ بالنيتروجين وتنشيطه.

ثالثا- كسر الروابط الثلاثية القوية للنيتروجين الجزيئي: يُعرف جزيء النيتروجين برابطته الثلاثية القوية، مما يجعله مستقرا للغاية ويصعب كسره، وعندما يدخل التجويف المستطيل الذي تشكله المعادن الأرضية النادرة في المحفز، فإنه يرتبط بهذه المعادن، ويساعد هذا الارتباط على “تنشيط” جزيء النيتروجين، مما يجعله أكثر عرضة لمزيد من التفاعلات الكيميائية. وهنا يأتي دور “البوتاسيوم” الذي يُدخَل على التفاعل، حيث يعتبر عامل اختزال قوي، مما يعني أنه يمكن أن يتخلى عن الإلكترونات بسهولة، وبالتالي عندما تُدخَل الإلكترونات إلى التفاعل يوفر ذلك الطاقة اللازمة لكسر روابط النيتروجين، مما يؤدي إلى “تقسيم” النيتروجين بشكل فعال إلى ذرات نيتروجين تفاعلية.

رابعا- تشكل الأمونيا: تُشكل ذرات النيتروجين التفاعلية بعد ذلك روابط تساهمية مع ذرات الهيدروجين (أو المواد المتفاعلة الأخرى)، مما يؤدي إلى تكوين الأمونيا.

رسم كاريكاتيري للدور الذي يقوم به التجويف المصنوع من معادن أرضية نادرة في تفكيك النيتروجين الجزيئي إلى مركبات نيتروجين مفيدة بما في ذلك الأمونيا (مختبر لورانس بيركلي)

قطع الحبل.. مثال للتوضيح

والفارق بين الطريقة التقليدية والطريقة الجديدة، كمن يحاول قطع حبل قوي جدا (الرابطة الثلاثية للنيتروجين)، فتقليديا قد يحتاج أداء هذه المهمة إلى آلة قوية تستهلك الكثير من الطاقة (عملية هابر بوش) لاختراق هذا الحبل، لكن في الطريقة الجديدة صُمم مقص خاص (محفز) مصنوع من معادن أرضية نادرة يمكنها تثبيت الحبل بقوة، حتى يتم إدخال تيار كهربائي صغير ولكن دقيق (إلكترونات البوتاسيوم) في المقص ليُضعف هذا التيار بنية الحبل، مما يسهل قطعه بالمقص إلى قطع أصغر يمكن التحكم فيها لإنتاج الأمونيا.

ويهدف الباحثون لاحقا إلى استبدال البوتاسيوم كمصدر للإكترونات بأقطاب كهربائية تقوم بهذه المهمة، وهذا من شأنه أن يسمح بالاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة بهذه العملية، مثل الطاقة الشمسية، مما يجعل العملية أكثر استدامة.

ويقول الباحثون في بيان أصدره الموقع الإلكتروني: إن هذه الطريقة الجديدة لن تكون بديلا نهائيا عن عملية “هابر بوش” الصناعية واسعة الانتشار، لكنها يمكن أن تجلب الأسمدة ومنتجات النيتروجين إلى البيئات اللامركزية، وبكلفة أقل بكثير، بما يحقق العدالة الغذائية.

وبلغ إنتاج الأمونيا العالمي حوالي 200 مليون طن متري سنويا (الطن المتري يعادل ألف كيلوغرام) منذ عام 2020، وتستهلك عملية (هابر-بوش) الصناعية حوالي 2% من استخدام الطاقة في العالم، وتخلق تفاوتات جغرافية في توافر الأمونيا. ويطمح الباحثون أن تساعد طريقتهم على إنتاج الأمونيا الأقل استهلاكا للطاقة، والتي يمكن إنتاجها في درجات الحرارة والضغوط العادية، للمساعدة في تحقيق الأمن الغذائي والطاقة.

الطريقة الجديدة تتيح للدول قليلة الموارد إمكانية إنتاج الأمونيا بما يحقق العدالة في توفيرها (رويترز)

6 أسئلة بشأن التطبيق الصناعي

وتثير هذه الدراسة بتفاصيلها والتعليقات الواردة في البيان الذي أصدرته، أسئلة تتعلق بالتطبيق على نطاق صناعي، وهي:

أولا: ما  هي الخصائص المحددة للمعادن الأرضية النادرة التي تمنحها الكفاءة والفعالية التحفيزية؟
ثانيا: ما هي التحديات العملية في توسيع نطاق هذه العملية من النطاق المختبري إلى النطاق الصناعي؟
ثالثا: كيف يمكن مقارنة كفاءة استخدام الطاقة وكلفة هذه الطريقة الجديدة عند توسيع نطاقها، مقارنة بعملية هابر بوش؟
رابعا: كيف تؤثر الطريقة الجديدة على التفاوتات الجغرافية والاقتصادية في إنتاج الأمونيا وتوافرها؟
خامسا: ما مدى الاستقرار طويل المدى وقابلية إعادة الاستخدام للمحفزات المعدنية الأرضية النادرة في ظل التشغيل المستمر؟
سادسا: هل هناك أي مخاوف تتعلق بالسلامة مرتبطة باستخدام المعادن الأرضية النادرة في تصنيع الأمونيا؟

وعرضت “الجزيرة نت” هذه الأسئلة على أنتوني وونغ باحث ما بعد الدكتوراه في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، والعضو المنتسب إلى قسم العلوم الكيميائية في مختبر بيركلي، وأحد الباحثين المشاركين بالدراسة، فأكد في إجابته على السؤال الأول أن المعادن الأرضية النادرة تظهر خصائص مختلفة تجعلها مفيدة للتطبيقات التحفيزية، حيث إن لها أنصاف أقطار أيونية كبيرة وروابط معدنية أيونية عالية تتيح هندستها بشكل فعال ومرن أثناء التفاعل، كما حدث في التجويف المستطيل بدراستنا.

وعن سؤال “التحديات العملية لنقل طريقتهم من النطاق المختبري إلى الصناعي”، قال وونغ إنه “بينما تعمل عمليتنا التحفيزية عند درجة الحرارة والضغط المحيطين، فإنها لا تزال تتطلب مصدرا كيميائيا للإلكترونات (معدن البوتاسيوم)، ونحن نتصور أن استبداله بمصدر كهربائي يكون مفيدا للتطبيق العملي، وسيكون التوسع أيضا أكثر إنتاجية بمجرد ابتكار طريقة لحصاد المنتجات بأقل قدر من تحلل المحفز”.

وعول وونغ أيضا في إجابة السؤال الثالث المتعلق بالمقارنة بين كفاءة استخدام الطاقة في الطريقة التقليدية والطريقة الجديدة، على نجاحهم لاحقا في استبدال البوتاسيوم بأقطاب كهربائية، وقال: “نستخدم حاليا معادن قلوية لتسهيل اختزال النيتروجين ولتشغيل المحفز، ومن وجهة النظر الحيوية والهندسية فإنه من غير المرجح أن يكون هذا مفضلاً على عملية هابر بوش، ومع ذلك نحن مهتمون بدراسة استبدال مادة الاختزال المعدنية بأقطاب كهربائية بحيث يمكن جعل هذه العملية تحفيزيا كهربائيا”.

وأشار في إجابة السؤال الرابع إلى أن “متطلبات درجة الحرارة والضغط المرتفعة لعملية هابر بوش تجعلها قابلة للحياة اقتصاديا على نطاق واسع، غير أن البنية التحتية الصناعية اللازمة لهذه العملية تؤدي إلى تفاوتات جغرافية واقتصادية في إنتاج الأمونيا وتوافرها، بينما تعمل محفزات العناصر الأرضية النادرة -مثل العديد من المحفزات المتجانسة التي طُورت بالدراسة لتثبيت النيتروجين- في درجات الحرارة والضغوط المحيطة، وتتمتع هذ الظروف للتفاعل بالقدرة على السماح بإنتاج الأمونيا في المناطق النائية أو المناطق التي لا تمتلك البنية التحتية الصناعية اللازمة لطريقة هابر بوش”.

وبعث وونغ في إجابته على السؤال الخامس والسادس برسائل طمأنة بشأن اقتصاديات الإنتاج بالطريقة الجديدة والأثر البيئي لها، فقال عن الاقتصاديات: إن “المحفز المستخدم في الطريقة الجديدة يتمتع بالثبات في التفاعل، ويمكن إعادة استخدامه لأكثر من مرة”. أما عن الأثر البيئي فأشار إلى أن أملاح المعادن الأرضية النادرة المستخدمة في الحفز الكيميائي بالطريقة الجديدة، عادة ما تكون أقل سمية من المعادن الأخرى المستخدمة بالفعل في الطريقة الجديدة.

المصدر : الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى