أخبار لبنان

بين قمة شيراك-بوش 2004 وقمة ماكرون-بايدن 2024 لبنان والرئاسة إلى أين؟

يترقّب كثيرون في لبنان قمة الرئيسين الفرنسي والأمريكي إيمانويل ماكرون وجو بايدن خلال الاحتفالات بالذكرى الثمانين لإنزال الحفاء خلال الحرب العالمية الثانية اعتباراً من 6 حزيران/يونيو الحالي، ويستحضر بعض اللبنانيين القمة التي جمعت الرئيسين الفرنسي والأمريكي جاك شيراك وجورج بوش في نفس التاريخ عام 2004 والتي أدت إلى مصالحة بين فرنسا والولايات المتحدة بعد الخلاف بسبب الاجتياح الأمريكي للعراق وإلى تقارب حول الملف اللبناني أنتج القرار 1559 وأدى في ما أدى إليه إلى انسحاب القوت السورية من لبنان.

ففي السادس من حزيران/يونيو 2004 انعقدت القمة الفرنسية الأمريكية قبل ثلاثة أشهر على تمديد ولاية الرئيس إميل لحود بضغط سوري على رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك رفيق الحريري وعلى بعض القيادات والنواب اللبنانيين. وعلى الرغم من التحذيرات الدولية أقرّ مجلس الوزراء ثم مجلس النواب التمديد لثلاث سنوات في 3 أيلول/سبتمبر ما تسبب بشرخ سياسي كبير في لبنان وصدور مواقف معترضة ومستهجنة أبرزها من بكركي والمختارة.

يومها، شن مجلس المطارنة الموارنة الذي عقد اجتماعه برئاسة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير أعنف هجوم على سوريا بسبب «فرضها التعديل من خارج البلاد بخفة وتسخير المؤسسات الدستورية لإقراره، وإكراه الوزراء والنواب على اتخاذ مواقف لا يريدونها بقطع النظر عن الشخص». وتحدث البيان عن «الحالة المزرية وإفساد النظام الديمقراطي الذي يتميّز به بلدنا. فالشعب لا يقوى على المجيء بمن يريده لتمثيله في المجلس النيابي، ولا يستطيع محاسبته أو مساءلته إذا أساء الأمانة، ومن جاهر برأي يخالف الرأي الرسمي لوحق، وألقي القبض عليه وناله ما يكره» مضيفاً «أصبح معلوماً أن الكلمة الأخيرة في لبنان ليست للبنانيين، بل للسوريين» رافضاً «الادعاء الباطل بأن لبنان ما هو إلا إقليم سوري».

أما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي آنذاك وليد جنبلاط الذي صوّت مع كتلته ضد التمديد للرئيس لحود، فانتقد «الضرب بعرض الحائط القوانين والدساتير» وطلب من وزير الثقافة غازي العريضي استعادة موجودات كمال جنبلاط في قصر بيت الدين إلى داره في المختارة «دار الحرية والكرامة». فيما تطرح حركة الزعيم الدرزي حالياً وانفتاحه المستجد على حزب الله علامات استفهام حول مستقبل توجهاته الرئاسية بعد تصويت كتلته بداية للمرشح ميشال معوض ثم تقاطعها مع قوى المعارضة على التصويت للوزير السابق جهاد أزعور.

واليوم، وبعد 20 عاماً على تلك المرحلة، فإن الشرخ السياسي مستمر أيضاً بسبب الخلاف على الاستحقاق الرئاسي مع فارق أن الوصاية السورية انتقلت من دمشق إلى الضاحية الجنوبية التي تفرض رأيها على هذا الاستحقاق، ويتمسك الثنائي الشيعي حزب الله و«حركة أمل» بمعادلة «الحوار قبل الرئاسة ومرشحنا سليمان فرنجية أو لا أحد».

وإذا كانت التحذيرات الدولية لم تنجح منذ حزيران/يونيو 2004 في منع التمديد لإميل لحود وفي تخفيف القبضة السورية عن لبنان، فإن جهود اللجنة الخماسية الممثلة للولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر وضمناً جولات الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لم تنجح بدورها حتى الآن في تحرير الانتخابات الرئاسية من قبضة حزب الله والذهاب نحو خيار ثالث.

أكثر من ذلك، فإن الأزمة لا تقتصر فقط على مأزق الرئاسة بل تتعداها إلى الجبهة المشتعلة جنوباً بين حزب الله وإسرائيل والتي تترافق مع تهديدات إسرائيلية بتوسيع دائرتها في حال عدم انسحاب قوة الرضوان التابعة للحزب مسافة 8 كيلومترات عن الحدود ليتسنى لمستوطني الشمال العودة إلى بلداتهم. وكان الثنائي الشيعي أبدى تحفظات على الورقة الفرنسية وخصوصاً على موضوع انسحاب حزب الله وفك الارتباط بين الجنوب وحرب غزة.

كل هذه الوقائع ستكون على طاولة ماكرون وبايدن في ظل علامات استفهام حول ما يمكن أن تؤدي إليه هذه القمة من تفاهمات حول الملف اللبناني في ظل حرص فرنسي على تحقيق اختراق وعلى حفظ دورها التاريخي في بلد الأرز، مع مفارقة أن الثنائي الشيعي يفضّل عقد تفاهم مع الولايات المتحدة كما حصل في موضوع ترسيم الحدود البحرية وليس مع فرنسا. وكم تشبه لقاءات لودريان كموفد رئاسي فرنسي مع الثنائي الشيعي اللقاءات التي كان يجريها المستشار الدبلوماسي للرئيس شيراك آنذاك موريس غوردو مونتان مع النظام السوري محاولاً إقناع الرئيس بشار الأسد بتخفيف قبضته على لبنان وأخذ المعادلة الإقليمية الجديدة القائمة منذ سقوط بغداد بعين الاعتبار. فالثنائي لا يأخذ التهديدات الإسرائيلية على محمل الجد وهو يدير ظهره للورقة الفرنسية ويعوّل على مقايضة مع المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين تشمل الترسيم البري ورئاسة الجمهورية معاً.

فهل نتجه إلى مرحلة تشبه مرحلة 2004 بكل توتراتها وما أسفرت عنه من دوامة عنف وصولاً إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانقلاب الوضع لمصلحة المعارضة آنذاك ممثلة بفريق 14 آذار، أم يستمر خطف الرئاسة والقرار في البلد، وتصدر مذكرات جلب سياسية لبعض الأفرقاء مثلما حدث مع الحريري الأب ويتحوّل «لبنان إلى كرة قدم تتقاذفها المصالح الإقليمية والدولية» كما كان يقول البطريرك صفير.

سعد الياس – القدس العربي

​للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى