أخبار لبنان

سقوط “عزيز” و”ملغوصة” زكي و”بطل كاريش”

ماذا لو كانت تصفية مسؤول “الحزب” الكبير الأربعاء الفائت في جنوب لبنان… كما “ملغوصة” حسام زكي في بيروت، بشأن “الحزب” وتصنيفه العربي، خطوتين أخريين ضمن مسار طويل من سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية؟!

فمنذ أسابيع عدّة وهذه الانتخابات تحشد لمعركتها أصوات الأميركيين… كما أموات الغزّيّين.

الآن يبدو أنّ التكتيك الانتخابي الأميركي نفسه، بفعله وبردود الفعل عليه، قد وصل إلى بيروت.

حسام زكي و”معمعته”، استهداف مسؤول “الحزب” في القطاع الغربي، هوكستين في باريس… وكلّ ما يجري عندنا تقريباً مجرّد “تكتكات” انتخابية بين بايدن وترامب.

“تكتكات” مرشّحة للتصاعد والتصعيد لأنّ الوقت ضيّق والاستحقاق ضاغط. وهذه روزنامته وأجندة تطوّراته.

كما كان متوقّعاً، انطلق السباق الانتخابي فعليّاً، ذاك المساء الكارثي من 27 حزيران، من استديو شبكة CNN في أتلانتا الأميركية.

“90 دقيقة” لم تكن مناظرة رئاسية أولى، بل تولّدَ منها انطباعٌ بأنّها كانت انتخابات رئاسية مبكرة، وأنّ نتائجها المبرمة قد أعلنت: بايدن رئيس سابق مؤجّل الصرف، وترامب رئيس منتخب معلّق التنفيذ.

على الأقلّ ثمّة طرفان سارعا إلى تبنّي هذا الانطباع: أهل السباق الرئاسي في واشنطن، ورجل الجنون التوحّشي في غزة.

في العاصمة الأميركية أُعلن استنفار الإدارة الديمقراطية على أعلى درجاته: مطلوبٌ بأيّ ثمن اختراقٌ في السياسة الخارجية، وتحديداً في ملفّ إسرائيل، وبشكل أخصّ في حرب غزة، قبل المحطة التالية من السباق.

في الكيان الصهيوني، أُعلن ارتياح معسكر نتنياهو بأعلى انشراحه: سقط نظام الضغط الأميركي علينا. منذ الآن حتى كانون الثاني 2025 على الأقلّ، لن نكون عرضة لأيّ عامل خارجي حاسم. الباقي متروك لعمليات موضعية محدودة، نردّ عليها بالقطعة وعند الحاجة أو الضرورة.

تاريخان أمام بايدن.. وروزنامة

أميركياً، لم يتأخّر المعسكر الديمقراطي في حشد قواه لتحقيق الهدف. فمواعيده ثابتة ومحدّدة. أمامه تاريخان اثنان: 19 آب و10 أيلول.

إذ عليه إنجاز شيء ما قبل مؤتمر الحزب الديمقراطي في 19 آب المقبل. صحيح أنّ الآليّة التقنيّة لاستبدال المرشّح في المؤتمر، صعبة ومعقّدة. وتقتضي خطوات قد يستحيل على أيّ منافس لبايدن تلبيتها.

لكنّ المسألة تتخطّى الفعل إلى الشكل. فالمطلوب خروج المؤتمر بصورة مرشّح قويّ منجِزٍ قادر على المنافسة والفوز وتوحيد الجميع. وهذه الصورة تحتاج أوّلاً وأخيراً إلى “فوز” لبايدن في غزة. للردّ على خطاب ترامب القاتل لصورة الرئيس العجوز: أنت تمنع إسرائيل من إنجاز مهمّتها. أنت فلسطيني. لكنّك فلسطيني ضعيف. لذلك رفضك الإسرائيليون ولم يحبّك الفلسطينيون!

فما قاله ترامب لخصمه تلك الليلة هو نوع من سلاح سياسي انتخابي قاتل. تتلقّفه وتترجمه أمزجة الحراك الشعبي الأميركي على ضفّتيها المتقابلتين. مؤيّدو إسرائيل سيهزّون رؤوسهم أن صحيح أنّ بايدن هو من منع “دولتهم” من استكمال مهمّتها.

ومؤيّدو “فلسطين حرّة” سيصرخون مع ترامب ضدّ بايدن: خذها في وجهك يا جو! تستحقّ أكثر من ذلك!

لذلك الردّ ضروري بإنجاز تسوية في غزة قبل المؤتمر. ثمّ مطلوب إنجازٌ إضافي، قبل موعد المناظرة الثانية مع هذا القرش الإعلامي ترامب، في 10 أيلول المقبل.

نتانياهو يخطّط… مع ترامب

في المقابل، إسرائيلياً، تبدو استراتيجية نتنياهو الانتخابية مغايرة تماماً. بل مناقضة. عنوانها الواضح: في انتظار رحيل بايدن وعودة ترامب. وبالتالي فمصلحته تكمن في خسارة الأوّل، وعدم إهدائه ما يسمح له بمراكمة أيّ نقاط، بل العكس تماماً.

حتى إنّه يُحكى أنّه نسّق الأمر مباشرة مع اثنين من أبرز أركان حملة ترامب الانتخابية: كيث كيلوغ، العتيق المنتقل إليه من فريق نائبه السابق بنس، وروبرت أوبراين مستشاره الأمنيّ السابق والشابّ الديناميكي في فريقه.

قيل أنّهما زارا نتنياهو واتّفقا معه على خارطة طريق تشبه تفكيراً مكتوماً من هذا النوع:

1- لا تهتمّ بمسألة الضغط السعوديّ عليك، عبر مبادرة فلسطين مقابل التطبيع. لقد تولّينا نحن تأجيلها حتى نهاية ولاية بايدن، على الأقلّ.

2- عليك عرقلة خطّة بايدن للحلّ في غزة، المعلنة في 31 أيار، بكلّ تعديلاتها وصيغها الحالية واللاحقة.

3- مطلوب منك كسب الوقت حتى 24 تموز. في خطابك ذاك اليوم في الكونغرس، توجّهُ رصاصة الرحمة إلى حظوظ بايدن الانتخابية. بعدها تعود لتكمل عملك بشكل عاديّ يومي. كلّ الظروف عندنا مهيّأة لذلك وجاهزة لك.

4- حتى ذاك الوقت علينا التيقّظ للردّ على أيّ محاولة، وسدّ أيّ خرقٍ في “الانسداد” الذي يخدم مصلحتنا المشتركة.

التزم نتنياهو بالقسم المتعلّق به من الاتّفاق.

حتى جاءت كارثة المناظرة. صار فريق بايدن ضاغطاً أكثر. وصار على فريق نتنياهو – ترامب التعنّت أكثر.

استنفار فريق بايدن بعد المناظرة

تكفي معاينة تطوّرات الأيام التالية للمجزرة التلفزيونية، ليظهر أنّ البيت الأبيض لجأ إلى “بروتوكول الضغط الأقصى”، عبر الخطّة التالية:

1- بات ملحّاً وبأيّ ثمن تحقيق خرق عبر ورقة بايدن، الآن. خصوصاً أنّ مهلها الدنيا هي 6 أسابيع، أي أنّها الفترة الفاصلة تقريباً عن استحقاق 19 آب. لذلك مطلوبٌ التنفيذ فوراً. وأمس قبل اليوم. وهو ما يقتضي سلسلة إجراءات متقابلة باتجاه نتنياهو، كما باتجاه “الحركة” في غزة، لجعل الطرفين يسيران بها.

2- لذلك لا بدّ من مروحة خطوات أوّلاً داخل إسرائيل. هكذا حصل “استدعاء” وزير الدفاع غالانت إلى واشنطن، لإقناعه بأيّ ثمن بالعدول عن فكرة الحرب على لبنان. نجحت الخطوة. شُطبت خانتها على لوح كبير معلّق على مكتب غرفة العمليات الانتخابية لا العسكرية! فلننتقل إلى الخانة التالية.

3- قد لا يكفي إقناع غالانت. فلتبدأ فوراً حملة اتّصالات بين مسؤولين أميركيين من كلّ المستويات، ومسؤولين في المؤسّسة العسكرية الإسرائيلية من كلّ الرتب. موضوعها التحريض على نتنياهو للضغط عليه لقبول ورقة بايدن.

حتى إنّ البعض لا يستبعد أن تكون فضيحة إطلاق سراح بعض المعتقلين الفلسطينيين، من دون علم نتنياهو وفريقه السياسي الحكومي، كانت نتيجة جهد مخابراتي أميركي –إسرائيلي مشترك بهذا الاتجاه.

4- لمزيد من الضغط السلبي على جنون نتنياهو، والإيجابي على جيش الكيان، فليخرج رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة عن صمته التاريخي، وليعلن رسمياً أنّ “من غير المرجّح أن تكون الولايات المتحدة قادرة على مساعدة إسرائيل في الدفاع عن نفسها في حرب أوسع نطاقاً يخوضها “الحزب” ضدها”. هي بطاقة حمراء من واشنطن ضدّ مغامرات نتنياهو المحتملة في بيروت. حصل. نُفّذ الأمر. إلى الخطوة التالية.

5- على مقلب “حماس”، استنفار كلّ قنوات الضغط على زعاماتها في القطاع والشتات:

مسؤول المخابرات التركية، يتّصل بجميع القادرين على التواصل معهم. من هنية، نزولاً فصعوداً، لإفهامهم بأنّ القبول بورقة بايدن ضروري. وهو شرط فوري. الآن. وليس بعد أسابيع.

الآن الآن وليس غداً! ربّما أدّاها المسؤول التركي لمحادثيه الحمساويّين بنبرة “إخوانية عثمانية”! ليُفهمهم معنى الأمر، وأنّها الفرصة الأخيرة. إذ بعد أسابيع لا ورقة ولا من يفاوضون. حصل الأمر!

6- قطر ومصر مدعوّتان إلى المشاركة القصوى في المهمّة: الضغط على “حماس”. حصل الأمر.

حسام زكي: “بيعة مسا” للحزب؟

حتى إنّ بعض المعلومات لا يستبعد أن تكون “ملغصة” حسام زكي بموضوع “الحزب” وتصنيف جامعة الدول العربية له، نوعاً من محاولة مصريّة، أكثر منها “عربية”. شيء من “بيعة مسا” لـ”الحزب”، لطلب مساعدته في الجبهتين: تهدئة في الجنوب، وإقناع حلفاء “المحور” في غزة، بحيث يكون زكي قد جاء بطلب مصري، وهو ما قد يفسّر الالتباس الذي وقع فيه وأوقع الجامعة فيه وتزامن مع تعديل حكومي في القاهرة أخرج وزير الخارجية المصرية الحصيف الدقيق سامح شكري!

7- لمزيد من التحوّط، فليقفز آموس إلى باريس. وليلتقِ لودريان هناك. وليحاول معه تحقيق ولو حرفاً من خرق على الجبهة اللبنانية. صحيح أنّ رأس الموفد الفرنسي الآن، بين سقوط حكومة بلاده الممكن هذا الأحد، وبين كيفية نجاته بنفسه إلى وظيفته السعودية، لكن ما الضير من المحاولة. أرسلوا بطل كاريش إلى باريس!

هكذا نُفّذت بنود الورقة الانتخابية الديمقراطية كلّها. شُطبت خاناتها واحدةً تلو الأخرى على اللوح.

باتت النتيجة شبه مكتملة: وافقت “الحركة” على مقترح بايدن. وصل ردُّها إلى الدوحة والقاهرة، وبالتالي إلى واشنطن.

فسارع نتنياهو إلى تصفية مسؤول كبير في “الحزب”، علّه يستدرج الأخير إلى مساعدته في نسف التسوية.

حتى قيل أنّ “مجنون غزّة وتشرينها” كان يطمع بهدف أكبر. وكان فعلاً يضغط لذلك.

الآن باتت الكرة عند “الحزب”. هل يسكت؟ أم يتقاطع مع عدوّه بنسف التسوية؟ أم يجد حلّاً وسطيّاً، على طريقة مرجعيّته يوم قصفت إيران إسرائيل في 13 نيسان الماضي، وكان أساس الرسالة أنّنا قادرون على إطلاق الصواريخ، بمعزل عن نتائجها!

الجواب قد يكون قيد الإعداد، أو حتى التنفيذ، خلال كتابة هذه السطور!

​للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى