Sky Newsأخبار العالم

كيف يؤثر صعود اليمين على الاقتصاد الفرنسي؟

وترزح عديد من القطاعات الاقتصادية تحت ضغط مخاوف واسعة المدى من متغيرات سياسية بالبلاد، لا سيما البنوك الفرنسية، التي لديها ديون حكومية كبيرة ويمكن أن تكون مستهدفة بضرائب غير متوقعة، وسط مخاوف السوق بشأن فورة الاقتراض من قبل اليمين المتطرف.

الرئيس ماكرون اعتبر أن إجراء انتخابات تشريعية فرنسية مبكرة “ضرورية لكسر الحمى السياسية التي تعاني منها البلاد وتوضيح اتجاهها المستقبلي”. وزير المالية برونو لو مير، قال لراديو آر تي إل: “ستكون هذه الانتخابات البرلمانية الأكثر أهمية بالنسبة لفرنسا وللفرنسيين في تاريخ الجمهورية الخامسة”.

وحصلت الأحزاب اليمينية المتشددة على نحو ربع مقاعد البرلمان الأوروبي، ارتفاعا من نحو الخمس. فيما تكشف النتائج المفاجئة في فرنسا عن مواجهة محتملة مع اليمين المتطرف كانت تلوح في الأفق، حيث من المقرر أن يتنحى ماكرون في العام 2027 وأن تكون لوبان في طريقها لخلافته.

وإذا كان لحزب التجمع الوطني أن يشكل حكومة، فإن أجندة الإنفاق الضخم المبنية على الحماية يمكن أن تضع باريس في صراع مع بروكسل وتثير قلق المستثمرين، بحسب تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، اطلعت عليه سكاي نيوز عربية. 

كارثة اقتصادية!

نقل التقرير عن رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في بيكتيت لإدارة الثروات، فريدريك دوكروزيت، قوله:

إن الأداء القوي لحزب الجبهة الوطنية في الانتخابات التشريعية قد يؤدي إلى “كارثة اقتصادية” لفرنسا. “الكثير من سياسات لوبان ستكون تضخمية”! احتمال دخول حزب الجبهة الوطنية إلى الحكومة “خطر كبير على الشركات وعلى التصنيف الائتماني لفرنسا “.

ويعد حل البرلمان مقامرة غير عادية من قبل ماكرون، الذي فقد بالفعل أغلبيته البرلمانية بعد فوزه بفترة ولاية ثانية كرئيس قبل عامين.

ومن الممكن أن يتم سحق تحالفه، الأمر الذي قد يجبره على تعيين رئيس وزراء من حزب آخر، مما يتركه دون سلطة تذكر على الشؤون الداخلية مع بقاء ثلاث سنوات له كرئيس للدولة.

وحصل حزب الجبهة الوطنية على 31.4 بالمئة من الأصوات في انتخابات الاتحاد الأوروبي التي أجريت يوم الأحد، مقارنة بـ 14.6 بالمئة لتحالف الرئيس الفرنسي الوسطي.

ولم يتجنب ماكرون إلا بفارق ضئيل الحصول على المركز الثالث المهين خلف يسار الوسط، الذي حصل على 13.9 بالمئة من الأصوات.

ورفض تيار يمين الوسط ويسار الوسط السائد في البلاد يوم الاثنين عرضه بتشكيل تحالف قبل الانتخابات.

وفي ألمانيا، تعرض الائتلاف الحاكم أيضًا لهزيمة في انتخابات الاتحاد الأوروبي التي جرت يوم الأحد، حيث رفض المستشار أولاف شولتز الدعوات لإجراء انتخابات مبكرة في بلاده أيضًا.

وقد تفوق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف على جميع الشركاء الثلاثة في ائتلاف برلين، والذي جاء في المرتبة الثانية خلف المعارضة المحافظة من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي. كما فازت الأحزاب المحافظة المتشددة والقومية أو حققت مكاسب كبيرة في النمسا وقبرص واليونان وهولندا.

مشاكل هيكلية

من باريس، قال استاذ الاقتصاد الدولي، دانيال ملحم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:

الاقتصاد في عهد الرئيس ماكرون لم يتغير كثيراً عما كان عليه في الحكومات السابقة؛ على اعتبار أن المشكلة الأساسية هي مشكلة هيكلية موجودة منذ أكثر من أربعين عاماً. تتعلق تلك المشكلة بأنه نظام “سخي اجتماعياً” ويعاني من ضعف النمو في عوائد الدولة، وهي مشكلة موجودة منذ أكثر من عدة عقود. الفارق الذي حدث في عهد ماكرون تمثل في الأزمات التي مرت بها فرنسا والعالم ككل، وهي أزمات متلاحقة وغير تقليدية مثل أزمة كوفيد؛ الأمر الذي دفع إلى استخدام موارد الدولة بشكل كبير وسريع، بما أدى إلى الخلل الواضح في موازنة الدولة وحتى في عوائدها.

وأضاف: تطورت المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الفرنسي في ضوء هذه الأزمات وسوء إدارة موارد الدولة، علاوة على ضعف الإصلاحات التي كان يمكن أن تتم ببعض القطاعات، وبما يمكن أن يؤدي إلى أزمات قادمة في حال استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه.

وأوضح استاذ الاقتصاد الدولي، أن الأزمة الحالية علاجها ذا تكاليف سياسية كبيرة جداً، ولذلك ماكرون لم يلجأ إلى هذه الإصلاحات بشكل كبير والتي من بينها تغيرات في الأنظمة الاجتماعية، مشدداً على أن تلك الإصلاحات (المرتبطة بالتقاعد وساعات العمل والمساعدات الاجتماعية وخلافه) كان من شأنها أن تؤدي إلى رفع الإنتاجية”.

وتابع: “في الثلاث عقود الماضية شهدنا سياسة نقدية ممثلة في أسعار منخفضة جداً للفائدة؛ لتحفيز الاستثمار والقوى الشرائية للأفراد، وانتهت عبر دخولنا الآن في مرحلة قوامها أسعار فائدة مرتفعة للتغلب على التضخم المرتفع، وبالتالي ضعف القدرة الشرائية للأفراد، وهذا سيؤدي إلى إنتاجية ضعيفة ونمو ضعيف”، موضحاً أن جزءاً من الحل يتمثل في إصلاح الأنظمة الاجتماعية الفرنسية.

محصلة إيجابية

المستشار السابق بالبرلمان الأوروبي، عبدالغني العيادي، أوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه إذا كانت نسبة البطالة تراجعت بشكل كبير في عهد ماكرون ونمت القدرة الشرائية نسبياً، فمازال ماكرون لم يف بواحدة من أهم تعهداته الانتخابية، والتي تتعلق الأمر بتخفيض وعقلنة الميزانية العامة، ولا يمكن تفسير ذلك فقط بمخلفات وتوابع جائحة كورونا.

وأشار إلى أن نسبة البطالة تراجعت، حيث سبق وأن وضع الرؤساء قبل ماكرون مثل هولاند و ساركوزي استراتيجيات لقلب معادلة البطالة مع كثير من العناء، وهنا يسجل ماكرون الفرق مع سابقيه بتقليص نسبة البطالة من 9.5 بالمئة (عند تولي ماكرون) إلى 7.4 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري، وهي النسبة الأقل منذ أكثر من 15 سنة رغم تأثيرات جائحة كورونا، لذلك يحسب له مخطط “حل لكل شاب” الموجه الشباب من 15-24 سنة والذي بفضله تقلصت نسبة بطالة الشباب.

وأضاف:

تحسين القدرة الشرائية هي أهم مطالب الشعب الفرنسي في عهد ماكرون. بفضل إصلاح منظومة التأمين ورفع ضريبة العمل ونسبة التعويض عن العمل وإصلاحات تقنية أخرى كان لذلك ثمار إيجابية، رغم أن هذه الثمار تبقى نسبية مقارنة مع نسبة التضخم ما بعد الحرب في أوكرانيا. بالنسبة للقدرة الشرائية و مقارنة مع سابقيه ، يُحسب لماكرون نتائج إيجابية وحصيلته الاقتصادية أفضل من حصيلة ساركوزي وهولاند، حيث تحسنت نسبة نمو القدرة الشرائية بنقطة مع ماكرون بنسبة تتجاوز 5 بالمئة عند الطبقات العمالية و الوسطى وبنسبة 3 بالمئة عند الطبقات الغنية.

واستطرد المستشار السابق بالبرلمان الأوروبي: يجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار انخفاض الضريبة على الدخل في عهد ماكرون، إذ تمت مراجعة الضريبة على الثروة، مع سحب ضريبة السكن، وتخفيض نسبة الضريبة على الإتاحة و الاستهلاك بالنسبة للشركات،  وفي خمس سنوات انخفضت الضرائب بما قدره 50 مليار يورو خدمة للقدرة الشرائية.

وأكد أن الحصيلة عموماً إيجابية لكن تبقى الملفات المفصلية غير محسومة بشكل نهائي، و لا تزال فرنسا تعاني من أزمات مركبة فيها الاقتصادي والبيئي و الاثنين مرتبطين ببعضهما البعض.

مشكلة الدين

من جانبه، أفاد أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الفرنسية في القاهرة، توفيق أكليمندوس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بأن الرئيس ماكرون نجح في معالجة بعض المشاكل التي تعرض لها الاقتصاد الفرنسي خلال الأعوام الأخيرة، بما أسهم في زيادة تنافسية الاقتصاد سواء عبر تغيير بعض التشريعات والسياسات؛ لدعم تحول الاقتصاد الفرنسي ليكون أكثر تنافسية.

وأضاف:

سياسة ماكرون اعتمدت على دعم تحويل توجهات الاستثمار التقليدية في قطاع التشييد والبناء إلى بدائل استثمارية أخرى مثل الاستثمار في المشاريع الناشئة والتكنولوجيا الجديدة لدعم تنافسية الاقتصاد. المشكلة الأكبر مع الرئيس ماكرون هي تفاقم مشكلة الدين بسبب عدد من الأمور الممثلة في ارتفاع محور الإنفاق الاجتماعي. فضلاً عن تأثير أزمة كوفيد والتوسع في الإنفاق واحتياطات الأمن، بالإضافة إلى عدم القدرة على مقاومة المطالب الفئوية. المشاكل المالية الناجمة عن تلك الأمور وعدم القدرة على مواجهتها تسببت في تلك التداعيات الخاصة بمشاكل الدين.

للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى