Skip to main content

عقلك يخدعك.. كيف نتغلب على معتقداتنا الخاطئة؟

27 شباط 2025

عقلك يخدعك.. كيف نتغلب على معتقداتنا الخاطئة؟

الكاتب: قدرتنا على خداع أنفسنا باستمرار طبيعة بشرية، حيث إن هناك العديد من الحيل التي يلعبها العقل قد تجعلنا نُصدق حقائق لا تمت للواقع بصلة. (بيكسلز)
أروى نجيب27/2/2025

في كتابه "أنت لست ذكيا"، يُخبرنا الصحفي المتخصص في علم النفس، ديفيد ماكراني، أننا قد لا نعرف أنفسنا جيدا كما نعتقد، إذ إن هناك طرقا عديدة نخدع بها أنفسنا كل يوم، ونُشكل بناء عليها معتقدات قد لا تكون حقيقية تماما عن ذواتنا.

نحن نظن أننا كائنات عقلانية، وأن كل قرار نتخذه يعتمد على منطق هادئ وتحليلي عميق، لكن الحقيقة هي أننا قد لا نكون "أذكياء" على الإطلاق، بل مخدوعون تماما.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2
list 2 of 2
end of list

ومن هذا المنطلق فإن كل قرار نتخذه، وكل فكرة نتأملها، وكل عاطفة نشعر بها، تأتي مع قصة عميقة نرويها لأنفسنا لشرح أو تفسير هذه الفكرة أو الشعور، ولكن المفاجأة هنا هي أنه غالبا ما تكون هذه القصص غير حقيقية، أو غير دقيقة على أقل تقدير.

يقول ماكراني: "الفكرة الرئيسية هنا هي أنك الراوي غير الموثوق به في قصة حياتك. وهذا لأنك لا تدرك مدى جهلك. نحن نخوض التجارب ونجري الأبحاث العلمية التي نصل من خلالها إلى نتائج متعددة تشير إلى أن الجميع، بغض النظر عن مدى ذكائهم أو تعليمهم أو خبرتهم، يخدعون أنفسهم تماما، بطرق قابلة للقياس ويمكن التنبؤ بها".

لذلك سنناقش في هذا التقرير الأساس النفسي الذي يبني عليه الأفراد انطباعاتهم عن ذواتهم وما يؤمنون بصحته، حيث سيوضّح التقرير أهم الحيل النفسية التي يمارسها العقل وتُسهم في تزييف الواقع في بعض الأحيان، ويوضح الأثر السلبي الناتج عن تصديق تلك الانطباعات الكاذبة عن أنفسنا والتصرف بناء عليها. كما سنعرض في نهاية التقرير الأدوات التي تُمكِّننا من تمييز تلك الحيل والتغلب عليها بشكل سليم.

عندما نكرر على أنفسنا معلومات أو عبارات محددة فإنها تصبح جزءا من هويتنا. (بيكسلز)

كيف تنشأ انطباعاتنا عن أنفسنا؟

تتشكل الصورة التي نكوِّنها عن أنفسنا من خلال معتقداتنا الذاتية، التي تُعرف بأنها التفسيرات والافتراضات التي ننسجها حول ذواتنا وتحدد دوافعنا وسلوكياتنا. تركز المعتقدات الذاتية بشكل أساسي على كيفية تفكيرنا في أنفسنا وقدراتنا واحتمالات تحقيقنا للنجاح، وتحدد هذه الافتراضات العديد من الأشياء في حياتنا، مثل الأهداف التي نضعها، والتحديات التي نكون على استعداد لقبولها.

إعلان

قد يكون السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تنشأ انطباعاتنا عن أنفسنا أو معتقداتنا الذاتية في الأساس؟ تكشف الأبحاث جزءا من الإجابة عن هذا السؤال، حيث تُخبرنا أننا عندما نسمع أو نفكر في معلومات معينة بشكل متكرر، فهناك احتمال قوي أن نصدق هذه المعلومات ونتعامل معها على أنها حقيقية وصحيحة تماما بغض النظر عن مدى دقة أو واقعية أو صحة هذه المعلومات.

هذه الآلية في تصديق وتبني المعلومات وتحويلها إلى معتقدات شائعة وذات تأثير قوي، لدرجة أن علماء النفس أطلقوا عليها اسم "الحقيقة الوهمية"، وهو الاسم الذي يُستخدم لوصف الميل إلى تصديق العبارات المألوفة، حتى وإن اتضح للشخص بأن هذه المعلومة غير صحيحة.

عندما نكرر على أنفسنا معلومات أو عبارات محددة فإنها تصبح جزءا من هويتنا، الإشكالية هنا تتمثل في التقييمات السلبية للذات التي قد تؤدي إلى تحوُّل بعضنا إلى نقاد قُساة لسلوكياتنا وقيمنا، رغم أن هذا النقد قد لا يكون انعكاسا دقيقا للواقع، والأسوأ هو أن الجميع قد يرى هذا ما عدانا.

يوضح الدكتور سيث جيه جيليهان، وهو طبيب نفسي متخصص في العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive behavioural therapy)، أننا إذا انتبهنا إلى أفكارنا السلبية تجاه أنفسنا، فسنبدأ في ملاحظة نمط مُحدد وهو أن هذه الأفكار ليست عشوائية، ولكنها تتبع موضوعا أساسيا ونهجا مُحددا.

يقول جيليهان: "في العلاج السلوكي المعرفي نطلق على هذا الأمر اسم المعتقد الأساسي. المعتقدات الأساسية تعكس وجهة نظرنا العميقة حول العالم، والناس الآخرين، وأنفسنا. نحن نعتقد أن وجهة نظرنا هذه صحيحة على أعمق مستوى".

يشرح جيليهان أنه استنادا إلى معتقداتنا الأساسية، يمكننا التنبؤ بأنواع الأفكار التي سوف تخطر ببالنا في المواقف المختلفة. المعتقدات الأساسية هنا تشبه إلى حدٍّ ما ترددات الراديو. فاعتمادا على المحطة، يمكنك أن تتوقع سماع نوع موسيقى معين. إذا كان معتقدك الذاتي عن نفسك سلبيا، فإن مجموعة الأفكار التلقائية التي ستخطر على بالك خلال أي موقف ستتضمن: "أنا ضعيف جدا"، و"لا أستطيع أن أفعل أي شيء بشكل صحيح"، و"سيرى الناس أنني غير كفء"، و"لا أحد يحبني".

كانت عالمة النفس إليزابيث لوفتوس مهتمة خصوصا بكيفية تأثير المعلومات الخارجية على رواية شاهد عيان لحدث ما، حيث كان تركيزها مُنصبا على تأثير المعلومات المضللة وعلاقتها بالذكريات المرئية. (بيكساباي)

عقلك يخدعك!

إن قدرتنا على خداع أنفسنا باستمرار طبيعة بشرية، حيث إن هناك العديد من الحيل التي يلعبها العقل قد تجعلنا نُصدق حقائق لا تمت للواقع بصلة. من هذه الطرق المتعددة ما يُعرف باسم "مغالطة قناص تكساس"، التي تشرح كيف أننا نميل إلى تجاهل المصادفات العشوائية عندما يبدو لنا أن دلالاتها ذات مغزى أو حتى عندما نريد فقط لحدث عشوائي أن يكون له سبب أو دلالة أو مغزى معين.

إعلان

فلنفترض على سبيل المثال أن راعي بقر يطلق النار على حائط الحظيرة عدّة مرات بمسدس حتى يمتلئ الحائط بالثقوب. رغم أن الطلقات والثقوب الناتجة عشوائية تماما، فإنك إذا رسمت عين ثور حول مجموعات الثقوب، فسيبدو لك الأمر وكأن الطلقات لم تكن عشوائية، ولكن أُطلقت بطريقة منظمة ومحددة لرسم شكل معين أو للوصول إلى نتيجة محددة.

هذه بالضبط هي الطريقة التي يعمل بها العقل البشري تلقائيا عند محاولة فهم الفوضى. يقول ماكراني: "عندما ترغب في المعنى، وتريد أن تنسجم الأشياء معا وتتوافق، فإنك تنسى الضوضاء، وتنسى العشوائية وتتجاهلها، لكن المعنى بحد ذاته هو بناء بشري".

يبذل الدماغ جهدا كبيرا من أجل تحويل الفوضى إلى نظام، وينجذب التركيز البشري إلى الأشياء التي تصطف معا، وتكون متشابهة أو متزامنة، ويتجاهل أي شيء آخر غير ذلك، رغم أن المتشابهات قد لا تكون أكثر من مجرد عشوائيات.

من طرق خداع عقلك لك أيضا مغالطة التحيز التأكيدي، وهو ميل التفكير البشري إلى الاهتمام بالأدلة التي تؤكد المعتقدات والمفاهيم والاستنتاجات التي يؤمن بها الفرد مسبقا مع تجاهل المعلومات الأخرى تماما. يحدث هذا التحيز تلقائيا لدرجة أننا لا نلاحظه، إذ قد تعتقد أن آراءك هي نتيجة لسنوات من التحليل العقلاني الموضوعي، لكن الحقيقة قد تكون أنها نتيجة سنوات من الاهتمام بمعلومات محددة، مع التجاهل التام لمعلومات أخرى.

قد نبني الكثير من أحكامنا أو تصوراتنا عن أنفسنا بناء على ذكرياتنا الماضية، ونعتقد أن الذكريات التي نُخزِّنها تشبه أشرطة التسجيل من حيث حقيقتها وموثوقيتها، لكن ما توصل إليه العلم هو أن الدماغ يقوم بتحديث الذكريات المخزنة بناء على المعلومات المتاحة له في كل مرة تزورك ذكرى ما، وهو ما قد يجعل ذكرياتنا تتأثر بدرجة كبيرة بمعطيات الحاضر ومتغيراته.

إعلان

في هذا السياق، كانت عالمة النفس إليزابيث لوفتوس مهتمة خصوصا بكيفية تأثير المعلومات الخارجية على رواية شاهد عيان لحدث ما، حيث كان تركيزها مُنصبا على تأثير المعلومات المضللة وعلاقتها بالذكريات المرئية.

ففي عام 1974، طلبت لوفتوس من عدد من الأشخاص مشاهدة فيلم عن اصطدام سيارتين، ثم قسّمت المشاهدين إلى مجموعات، وسألت كل مجموعة السؤال نفسه حول ما شاهدوه، مع استخدام وصف مختلف في السؤال لكل مجموعة: ما مدى سرعة السيارات عندما "تلامست" أو "اصطدمت" أو "تحطمت"؟ ووجدت أنه كلما كانت حِدَّة المصطلحات المستخدمة في الصياغة أكثر عنفا، زاد تقدير الأشخاص للسرعة، أي إن طريقة صياغة السؤال غيّرت الذكريات.

لم يستدعِ الأشخاص ذكريات ثابتة للفيلم الذي شاهدوه، بل كانوا يبنون تجربة جديدة بناءً على المعلومات المتاحة لهم حاليا، وهو ما قد يجعل الذاكرة في الواقع قابلة للتغيير بشدة، ومن الخطير أحيانا أن نعتقد أن الذاكرة هي تسجيل مثالي لحدث ماضٍ.

من أهم المشكلات الناتجة عن تبنّي معتقدات ذاتية خاطئة أنها تجعل الدماغ يتبع أنماطا سلوكية تجنُّبية، مثل العزلة والهرب من مواجهة التحديات وتجنب أداء المهام. (بيكسابي)

خطورة المعتقدات الذاتية

تتأثر معتقداتنا الذاتية بآرائنا المتحيزة التي تستند إلى تفسيراتنا الخاصة، كما أنها تستند أيضا إلى عوامل مثل علاقة الشخص بوالديه، والفرص الاجتماعية والاقتصادية المتاحة له، بالإضافة إلى التأثيرات الثقافية والبيولوجية المتعددة. لكن بغض النظر عن كيفية نشوئها، فإن الثابت هنا هو أنها تتحول إلى دوافع وسلوكيات تؤثر على حياتنا بأكملها. لذلك نطرح هنا سؤالا مهما؛ ماذا لو تبنّينا وصدّقنا معتقدات ذاتية خاطئة؟ كيف سيكون تأثيرها على حياتنا ومستقبلنا؟

بحسب الدراسات، فإن من أهم المشكلات الناتجة عن تبنّي معتقدات ذاتية خاطئة أنها تجعل الدماغ يتبع أنماطا سلوكية تجنُّبية، مثل العزلة والهرب من مواجهة التحديات وتجنب أداء المهام. ومن ناحية بيولوجية، فإن اتباع هذه الأنماط يؤثر سلبا على إنتاج هرمونات مهمة ويعتبرها الدماغ مثل المكافآت، مثل الدوبامين والسيروتونين والأدرينالين، التي بدورها تحدد طريقة تفكيرنا ودوافعنا وسلوكنا.

إعلان

إن سلوكياتنا المكررة التي تقوم على معتقدات ذاتية مُحددة هي منطقة الراحة والأمان بالنسبة لنا، حتى وإن كانت قائمة على معتقدات ذاتية خاطئة أو سلبية. فعلى سبيل المثال، رُبما تظل تُخبر نفسك عددا لا حصر له من المرات أنك لا تستطيع التحدث أمام جمهور كبير، هذا المعتقد نشأ عنه سلوك محدد وهو أنك لم ولن تحاول التحدث أبدا أمام عدد كبير من الأشخاص، حيث أصبح سلوك التجنب هذا هو منطقة الأمان بالنسبة لك التي لن تخرج عنها.

إذن ماذا سيحدث لو أخبرك شخص ما تثق به أن لديك القدرة على التحدث أمام عدد كبير من الأشخاص، وأورد لك العديد من الأدلة التي تؤكد صحة كلامه؟ هل ستنظر في كلامه أو تفكر فيه؟ للأسف، هذا على الأرجح لن يحدث، بل على الأغلب ستتبنّى معتقدك الذاتي الخاطئ بقوة أكبر، وهو ما يُعرف بـ"تأثير النتيجة العكسية" (Backfire effect)، الذي يحصل عندما تُقدّم لنا أدلة تتناقض تماما مع ما نؤمن به، لكننا لا نستقبل هذه الأدلة أو نحاول فهمها، بل نميل إلى رفضها تماما ودعم اعتقادنا الأوّلي بشكل أقوى.

وبالعودة إلى تأثير ذلك على الدماغ، فنتيجةً لهذا التجنب لا يحصل دماغك على المكافآت التي يتوق لها، فينتهي بك الأمر إلى أن تكون في مزاج سيئ، وتشعر باللامبالاة، وفي أسوأ الحالات قد تصاب بالاكتئاب أو تلجأ إلى سلوكيات محفوفة بالمخاطر مثل الإفراط في تناول الطعام، أو تعاطي المخدرات للوصول إلى النشوة أو الإشباع المؤقت.

من علامات أن صورتك عن نفسك ليست حقيقية أيضا أن تتغير وجهة نظرك عن نفسك بشكل كبير اعتمادا على مؤثرات لحظية وخارجية. (بيكسلز)

علامات تُشير إلى أن معتقداتك الذاتية خاطئة

توضح الدكتورة أليس بويز، وهي باحثة وطبيبة نفسية، أن هناك بعض العلامات التي تشير إلى أن معلوماتنا الذاتية عن أنفسنا ومعتقداتنا حولها خاطئة تماما، وخاصة فيما يتعلق بنقاط قوتنا وضعفنا والطريقة التي نقارن بها أنفسنا بالآخرين. ومن أبرز علامات كون معتقداتنا الذاتية خاطئة عدم وجود دليل موضوعي يدعم صحة اعتقادنا.

إعلان

قد يعتقد المرء أنه شخص اعتمادي أو تواكلي، لكن ما يؤكده الواقع هو أنه شخص قادر على تلبية احتياجات نفسه واحتياجات مَن حوله، بل وقادر على تطوير نفسه وتعزيز مهاراته. فهنا لا يوجد دليل عملي يؤكد معتقد الشخص عن ذاته، بل رُبما يكون الواقع شاهدا على نقيض هذا المعتقد وليس مؤيدا له.

إن المعتقدات الذاتية الصحيحة والحقيقية يدعمها الواقع، ويدعمها عدد كبير من الأمثلة والمواقف المختلفة. لكن حين يجد الشخص نفسه يحكم على ذاته بناءً على مجموعة ضيقة للغاية من الأمثلة والمواقف، أو يسلط تركيزه بالكامل على المواقف السلبية التي تدعم معتقدا محددا ويهمل العديد من المواقف الإيجابية التي لا تدعمه، فقد يكون معتقده الذاتي هنا خاطئا، مثلا رُبما يحكم شخص ما على نفسه بأنه لا يتمكن أبدا من إنجاز الأهداف، رُبما يخبر نفسه أنه لم يحقق الأهداف التي وضعها لحياته أبدا.

قد يكون هذا صحيحا بالفعل بالنسبة لبعض الأهداف التي رُبما يكون الشخص قد أخفق في تحقيقها، لكنه غير صحيح فيما يتعلق بأهداف أخرى تمكَّن الشخص من إنجازها بفعالية. حينما ينظر الشخص إلى الأهداف التي لم يحققها فقط، ولا يأخذ بعين الاعتبار تلك التي حققها، فإن معتقده عن نفسه هنا يكون غير صحيح.

من العلامات أيضا أن يحكم الشخص على الآخرين الذين هم في وضعه نفسه بطريقة مختلفة عن حكمه على ذاته، مثلا قد يحكم شخص ما على نفسه بالفشل وأنه لا يستطيع إنجاز أي شيء، ولكن حينما يرى شخصا آخر حقق إنجازاته نفسها، فإنه سيحكم عليه بأنه ناجح وكفء. هنا يكون حكم الشخص الذاتي على نفسه أو معتقده غير حقيقي.

من علامات أن صورتك عن نفسك ليست حقيقية أيضا أن تتغير وجهة نظرك عن نفسك بشكل كبير اعتمادا على مؤثرات لحظية وخارجية، مثل ردود الفعل السلبية من محيطك، أو ردود الفعل الغامضة، أو الشك الناجم عن التعامل مع مهارة جديدة الذي قد يقود الشخص إلى تقليل قيمة ذكائه أو نقاط قوته بشكل كبير.

إعلان

وعلى المنوال نفسه، قد تمنح المجاملات والنجاحات دفعة كبيرة لثقة الشخص بذاته، ورُبما تصيبه بالغرور، لكن هذه الدفعة لا تدوم طويلا. هذا التقلب يجعل صورة الشخص عن ذاته تتأرجح بين الإيجابية والسلبية، لكنها في كلتا الحالتين لا تستند إلى حكم موضوعي أو أدلة عملية وواقعية مؤكدة.

حتى صورتك عن مظهرك الخارجي قد تكون خاطئة!

قد تظن أن المرآة لا تكذب، وأن صورتك عن مظهرك وشكلك الخارجي هي صورة حقيقية، لأن المرآة وعينيك لن يخدعاك. لكن كما ذكرنا سابقا فإن عقلك يستطيع أن يخدعك تماما، وينطبق ذلك أيضا على مظهرك الخارجي. قد ترى شكل الشخص الذي يقف أمامك في المرآة بطريقة مختلفة تماما عن الحقيقة والواقع، مثلا قد لا يعجبك شكل أنفك فتراه أكبر أو أصغر حجما من اللازم، بينما تكون الحقيقة أنه لا مشكلة في أنفك على الإطلاق.

في مجال علم النفس والطب النفسي، تُعرف هذه الحالة باضطراب تشوه الجسم، وهو بالأساس حالة صحية عقلية تؤثر على رؤية الشخص وشعوره تجاه جسمه ومظهره، فأولئك الذين يُشخَّصون به ينظرون إلى أجسادهم بشكل غير واقعي، ويُعانون عادةً من أفكار ومشاعر سلبية حولها، مما قد يتسبب في اضطرابات شديدة في حياتهم تقوض صحتهم العقلية والجسدية، وتؤثر سلبا على جودة حياتهم وشعورهم تجاه أنفسهم.

إن لكل فرد خصائص بدنية فريدة، لكن مَن يعانون من اضطراب تشوه الجسم تحديدا يعتقدون أن تلك الخصائص هي عيوب، وهذا الاعتقاد يُجبرهم على تسليط جانب كبير من تركيزهم على ما يعتقدون أنه خطأ أو عيب في شكلهم، مع بذل جهد كبير لمحاولة تغييره، حيث يذهب بعضهم إلى حد إجراء عمليات تجميلية جراحية لتحسين ما يظنونه سيئا في مظهرهم.

كما تنطوي هذه الحالة على مخاطر عالية لإيذاء النفس بسبب سيطرة الأفكار السلبية، وقد يصل الأمر إلى حد السلوكيات الانتحارية، لذلك قد يستدعي في كثير من الحالات الحصول على مساعدة نفسية متخصصة.

يقضي الأطفال اليوم أكثر من ست ساعات في استخدام الأجهزة التقنية والهواتف المحمولة وتترافق زيادة ساعات الاستخدام مع ارتفاع خطر الانتحار (الجزيرة)

كيفية التغلب على المعتقدات الذاتية الخاطئة

قد يكون من الصعب تغيير المعتقدات الذاتية الأساسية لأننا نحملها بداخلنا منذ فترة طويلة، ونحن نفترض، بل نصدِّق تماما، أنها صحيحة. وكما سبق الذكر، يدعم ثبوت هذه المعتقدات تكرارها. فعندما يكون لدينا وجهة نظر سلبية تجاه أنفسنا، فإننا نتحيز لتفسير كل ما نتعرض له تفسيرا سلبيا، ونستخدمه دليلا على قصورنا الذاتي.

إعلان

يدور الشخص هنا في دائرة مفرغة، حيث تقود المعتقدات الأساسية أفكاره التلقائية حول المواقف المختلفة، وتلك الأفكار، بدورها، تُستخدم لتبرير ودعم الاعتقاد الأساسي. وقد يبدو أن الخروج من هذه الدائرة سيستغرق قدرا كبيرا من الجهد والعمل.

الخطوة الأولى في التغلب على المعتقدات السلبية هي تحديد معتقداتك الأساسية، خاصةً إذا كنت تشك في أن هذا المعتقد هو الذي يدفعك إلى انتقاد نفسك. إن تحديد المعتقدات أمر في غاية الأهمية، وذلك لأن الأفكار يمكن أن تكون مكررة جدا وبديهية بالنسبة لنا، لدرجة أننا قد لا نفكر فيها أبدا، بل نفترض أنها حقيقية تماما ونسلم بهذا. عبارة "أنا غير كفء" قد تبدو حقيقية في أعيننا مثل عبارة "السماء زرقاء"، دون أن ندرك القصة التي تخلقها عقولنا عن أنفسنا، وتقودنا إلى التسليم بمثل هذه العبارة.

لتحديد معتقداتك الأساسية، يُمكنك بدايةً أن تكتب فكرة واحدة على الأقل من أفكار النقد الذاتي التي تخطر ببالك كل يوم، لمدة أسبوع. وبمجرد حصولك على بيانات أسبوع كامل، راجع الأفكار التي دونتها لتحديد الخيط المشترك الذي يمر عبرها جميعا. بمجرد أن تتمكن من تحديد معتقدك الأساسي السلبي، يمكنك العمل على تغييره.

ثم يأتي دور تغيير هذا المعتقد. سيكون عليك مقارنته بالحقائق المتاحة وتبنّي عقلية النمو، حيث إن تغيير معتقدك عن ذاتك يبدأ من التشكيك في سردك. اسأل نفسك: هل تطور معتقدك من أدلة دامغة وحقيقية أم مجرد شائعات وأفكار مغلوطة؟ هل تستند استنتاجاتك عن ذاتك إلى أدلة فعلية أم مُجرد افتراضات من الآخرين؟

عليك بعد ذلك أن تبدأ بالتفكير في التفسيرات البديلة، فبدلا من قبول تفسير أو نمط تفكير واحد وقبوله بوصفه أمرا مسلّما به، عليك أن تفكر في الأسباب والعوامل التي قد تجعل وجهة نظرك الحالية خاطئة.

إذا كان عقلك يُخبرك بأنك غير كفء، فكِّر في أهم إنجازاتك وحدِّد الظروف التي أسهمت في نجاحك أو المواقف التي أثبت فيها تفردك وتميزك، حيث سيمكّنك ذلك من موازنة الأفكار السلبية والنظر إلى نفسك بطريقة أكثر موضوعية. وأخيرا، سيكون من الجيد أن تتذكر دوما أن معتقداتك الحالية ليست حقائق ثابتة.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا