
جاء ذلك في حلقة من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان"، حيث تناول الدكتور عبد الكافي مفهوم "الأنا" في ضوء النصوص القرآنية والتجربة الإنسانية، موضحا أن أول من نطق بها كبرا وغرورا كان إبليس حين رفض السجود لآدم عليه السلام، معتبرا نفسه أرفع منزلة بسبب خلقه من نار.
وأشار إلى أن مدرسة "الأنا المتضخمة" التي أسسها إبليس عبر التاريخ تجلت في شخصيات مثل فرعون وقارون وغيرهما ممن طغوا وتجبروا فكان عقابهم عبرة للآخرين، ولفت إلى أن كل من تمسك بغروره وسعى للتعالي على الآخرين مصيره الهلاك، في حين أن التواضع هو السبيل إلى النجاة.
وأكد عبد الكافي أن الإسلام جاء ليذيب هذه الأنا في روح الجماعة، مستشهدًا بأمثلة من التشريعات الإسلامية التي تعزز مفهوم الجماعة، مثل الصلاة التي تبدأ بالتكبير (الله أكبر) لتذكير الإنسان بصغر شأنه أمام عظمة الخالق، وكذلك الحج الذي يجمع المسلمين في زي موحد لا تمييز فيه بين غني وفقير.
وأضاف أن الإنسان كلما ازداد تمسكا بذاته وغرق في الاعتداد بنفسه، زادت عزلته النفسية عن مجتمعه، مما يجعل التواضع ضرورة للحفاظ على العلاقات الإنسانية السليمة.
وأوضح أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قدم أعظم نموذج في إذابة الأنا الفردية حين قال لأهل مكة بعد فتحها "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، رغم ما تعرض له من أذى واضطهاد.
إعلانوعند حديثه عن غزة، قال عبد الكافي إن الفلسطينيين قدموا نموذجا إيمانيا متفردا في مواجهة العدوان، حيث طغت روح التضحية على النزعة الفردية، وبات الجميع يؤثرون بعضهم بعضًا رغم شدة الظروف، مضيفا أن هذا الإيمان العميق هو الذي منحهم الصبر والثبات أمام المحن.
وأشار إلى أن ما يحدث في غزة هو انعكاس للفرق بين الإيمان النظري الذي يعيشه بعض المسلمين في بقاع مختلفة، والإيمان العملي الذي جسده الفلسطينيون في تعاملهم مع العدوان، موضحا أن هذا النموذج يجب أن يكون مصدر إلهام للأمة بأكملها.
وفي هذا السياق، استنكر عبد الكافي حالة اللامبالاة التي تنتشر بين بعض المسلمين، حيث يكتفي البعض بمشاهدة الأحداث دون تحرك، متذرعين بمقولات مثل "البيت أولى"، معتبرا أن هذه العقلية تعكس تضخم الأنا السلبية التي تجعل الإنسان منشغلا بذاته غير مبال بمصير أمته.
كما نبه إلى خطورة الأنا المتسلطة على المال العام، حيث يسعى البعض لجمع الثروات دون مراعاة حقوق الآخرين، مؤكدا أن هذه الممارسات تهدد استقرار المجتمعات وتخلق فجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية والتماسك الاجتماعي.
وشدد عبد الكافي على أن التاريخ الإسلامي مليء بالنماذج التي قدمت التواضع على الغرور، وفي هذا السياق أشار إلى موقف الخليفة عمر بن الخطاب عندما رفض تولي مهمة التفاوض في صلح الحديبية، ورشح عثمان بن عفان بدلا منه لإدراكه أن المصلحة العامة تقتضي ذلك.
وتحدث عن تأثير "الأنا" على المجتمع، مشيرا إلى أن "الأنا" المذمومة تؤدي إلى التفرقة والأنانية، في حين أن "الأنا" المحمودة تعزز التعاون والتواضع، لافتا إلى أنها عندما تكون في سياق التواضع والخدمة تصبح وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية وبناء مجتمع متكامل.
ودعا عبد الكافي إلى ترسيخ قيم التواضع والتضامن بين المسلمين، مؤكدا أن النصر لا يتحقق إلا لمن تخلص من الأنا المذمومة، كما قال الله تعالى "ولقدْ نَصرَكمُ الله ببدرٍ وأنتم أذلّة"، كما شدد على أن عز المؤمن لا يكون إلا في تواضعه لله وتقديم مصلحة الأمة على مصالحه الشخصية.
إعلانللمزيد من التفاصيل: إضغط هنا