خاص - شبكة قدس الإخبارية: منذ 12 شهراً ينفذ كيان الاحتلال حرب إبادة واسعة النطاق شملت الأراضي الفلسطينية وامتدت على ساحات أخرى، فيما تتسلط الأضواء على لبنان هذه الأيام، ومنذ أكثر من أسبوع كثف الاحتلال من مجازره هناك على غرار ما يفعله في قطاع غزة، في انتهاكٍ إنساني وقانوني واسع يكاد يكون الأكثر دموية خلال العقود الأخيرة.
وتخوض حكومة الاحتلال حربها بقيادة رئيسها بنيامين نتنياهو، الذي أُجمع عليه كالشخصية الأبرز في حكومة الاحتلال التي تتحدى النظام العالمي والقانون الدولي بكل عنجهية، فيما أسقط كافة الاعتبارات السياسية والإنسانية في حربه هذه.
كانت الغارات العنيفة التي شنها سلاح جو الاحتلال مساء أمس الجمعة على الضاحية الجنوبية لبيروت، تزامناً مع خطاب نتنياهو بالدورة الـ79 للجمعية العامة في الأمم المتحدة والذي قال فيه إن "إسرائيل ستقاتل في غزة إلى أن تحقق النصر الكامل، وستواصل ضرب لبنان إلى أن تحقق هدفها، بإعادة مواطنيها بأمان إلى منازلهم في الشمال"، إشارةً على تصميمه باستمرار حرب الإبادة في قطاع غزة وتوسيع نطاقها لتشمل لبنان.
وبينما كان سلاح الجو في جيش الاحتلال يلقي قنابله التي تصل إلى طن من المتفجرات على ساكني عدة بنايات في العاصمة اللبنانية بيروت، ألقى نتنياهو خطاباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة وجه فيه تهديدات لغزة ولبنان وإيران ومختلف دولة المنطقة بإكمال حرب الإبادة الجماعية، ومن على المنصة الأممية كان يمزق القانون الدولي.
ليست هذه المرة الأولى التي يجد بها كيان الاحتلال نفسه في مواجهة القانون الدولي والعالمي، لكنه على مدار سنين مارس بشكل ممنهج ومتعمّد التجاه والاستخفاف بكل مبادئ القانون الدولي وأحكام الهيئات القضائية الدولية التي صدرت ضده، بل وصلت إلى حد مهاجمة هذه القوانين من قبل رؤساء ووزراء الكيان، فيما وصف نتنياهو الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن تجريم احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة بأنه "خاطئ" و"كاذب".
وبعد الغارات العنيفة على الضاحية الجنوبية، ذكرت بعض المصادر الصحفية أن حكومة الاحتلال أبلغت الإدارة الأمريكية قبل شن الغارات، الأمر الذي يؤكد بشكلٍ أو بآخر حجم الغطاء الأمريكي للاحتلال وممارساته الإجرامية، فيما يُعتبر الطرف الأمريكي أداة قوة مكنت وتُمكن نتنياهو باستمرار تحديه للقانون الدولي.
وبينما تؤكد التقارير الدولية على أن جيش الاحتلال ارتكب جرائم إبادة جماعية تضع الولايات المتحدة نفسها كوكيل تنظيف لـ"إسرائيل" من جرائم ارتكبت أمام العالم، كما في تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي الذي أراد تكذيب كل العالم بالقول إن "الدلائل لا تشير إلى ارتكاب الجيش الإسرائيلي خرقات للقانون الدولي"، بينما كان عدد الشهداء ومعظمهم من النساء والأطفال يتجاوز 40 ألفاً.
وفي الحقيقة مارس نتنياهو بغطاء أمريكي لعبة تطويع للقانون الدولي وأدواته، بشكلٍ تنافى معها كلياً لا سيما في موضوع المجازر واستهداف المدنيين والإعدامات الميدانية الموثقة ومهاجمة المراكز الصحية وحتى طواقم المنظمات الدولية وقتلهم، أما ما قام به سلاح جو الاحتلال يوم أمس بارتكاب مجزرة مروعة في الضاحية الجنوبية فهي واحدة من مئات المجازر المشابهة التي وقعت في قطاع غزة على مدار عام استخدم الاحتلال الدعاية للتغطية على الجريمة كحجة وجود مقاومين بين المدنيين، فيما تداوله نتنياهو عالمياً بشكلٍ أكثر وقاحة.
ما هي القوانين الدولية التي كسرها نتنياهو على مدار سنة ويوم أمس؟
في البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف 1949م يذكر العديد من المواد التي تحمي المدنيين من أضرار النزاعات المسلحة، ففي المادة 51 الفقرة 2 لذلك البروتوكول يتم النص على ” لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا وكذا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم، وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا لبث الذعر بين السكان المدنيين” كما ذكرت المادة 52 في الفقرة 1 أن ” لا تكون الأعيان المدنية محلا للهجوم أو لهجمات الردع، والأعيان المدنية هي كافة الأعيان التي ليست أهدافا عسكرية”.
ومنذ بداية العداون الإسرائيلي على لبنان، استهدف الاحتلال مئات المنازل المدنية في قرى وبلدات جنوب لبنان وباقي المنطاق اللبنانية كالضاحية الجنوبية لبيروت ومدن صيدا وبعلبك، فيما ارتكب الاحتلال مجزرةً يوم 20 أيلول/سبتمبر الماضي في الضاحية الجنوبية راح ضحيتها العشرات من الشهداء منهم أطفال ونساء، وعلى مدار أيام الأسبوع وقعت مجازر مشابهة، فيما لم يصدر عن وزارة الصحة اللبنانية عدداً نهائياً لضحايا مجزرة أمس في الضاحية، والتي نفذتها مقاتلات الاحتلال الجوية من خلال إلقاء قنابل ضخمة أدت لتدمير 6 بنايات سكنية وتسويتها بالأرض.
وبالعودة للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جينيف1949 نجد أن المادة 12 الفقرة 1 من البروتوكول تنص على ” يجب في كل وقت عدم انتهاك الوحدات الطبية، وحمايتها، وألا تكون هدفا لأي هجوم”وهو ما يعني أن الوحدات الطبية من مستشفيات ووحدات صحية مشمولة بحماية اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، وأن تلك الوحدات لا يجب أن تتعرض بأي شكل من الأشكال لأي هجوم، وهو أمر إنساني بالأساس فلا يجب وضع المرضى كأهداف للحروب، كما أنه لا يجب المساس بتلك الأماكن لشدة ضرورة ما تقدمه من خدمات من شأنها تخفيف الآلام وحماية الأرواح.
وخلال أسبوع من العدوان هاجم الاحتلال العديد من الكوادر الطبية وسيارات الإسعاف العاملة على نقل الجرحى في لبنان، فيما سبق لجيش الاحتلال أن ارتكب هذا الانتهاك بشكلٍ واسع في حربه على غزة وصلت إلى حد اقتحام المستشفيات وارتكاب المجازر في ساحاتها كمجمع الشفاء الطبي والمشفى المعمداني وغيرها.
أما التحدي الأبرز فكانت صورة نتنياهو التي أظهرته وهو يُعطي أمر قصف الضاحية الجنوبية أثناء وجوده في مقر الأمم المتحدة، فيما طرحت هذه المرحلة الممتدة منذ عام، أسئلةً صعبة حول واقعية القانون الدولي واستمرار النظام العالمي بشكله الحالي ومدى مصداقية شعاراته أمام انكشافه بشكلٍ مباشر أمام الدم المسفوك في المنطقة العربية.
لم يكن خطاب نتنياهو يوم أمس والغارات على بيروت يوم أمس سلوكاً فارقاً كسر به نتنياهو القانون الدولي في قلب الأمم المتحدة، بل هو حلقة من حلقات واسعة مارس بها نتنياهو ذات الأمر ضد القضية الفلسطينية بشكلٍ عام وفي الحرب على قطاع غزة بشكلٍ خاص، فيما ينقل نتنياهو غطرسته وإجرامه إلى لبنان هذه المرة ضمن مخططٍ واسع يقوده ويروج له وهو "الشرق الأوسط الجديد" كما أعلن عنه يوم أمس.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا