ميتا فاتتها فرصة الهواتف الذكية.. هل يمكن للنظارات الذكية تعويض ذلك؟

هيمنت شركة ميتا على منصات التواصل الاجتماعي على مدار العشرين عامًا الماضية، لكنها فشلت في تصنيع الهواتف الذكية التي كانت الأساس في تحقيق هذا التواصل. والآن، تخطو ميتا خطوة جريئة نحو مستقبل الأجهزة القابلة للارتداء، وذلك بإعلانها نظارة (Orion) الجديدة للواقع المعزز، خلال حدثها السنوي للمطورين (Connect 2024).

وتأتي هذه الخطوة بعد سنوات من الاستثمار المكثف في مجالي الواقع الافتراضي والواقع المعزز، إذ تسعى ميتا إلى أن تكون الرائدة في هذه المجالات الثورية.

ولكن ما مواصفات نظارة (Orion) الجديدة ومزاياها، وكيف تعزز سيطرة شركة ميتا على سوق تقنيات الواقع المختلط، وكيف يرى المحللون مستقبل هذه النظارة؟

كشفت ميتا خلال مؤتمر (Connect) للمطورين، النقاب عن مجموعة من الأجهزة الجديدة، التي شملت: نظارة الواقع الافتراضي (Quest 3S) الجديدة، ونظارتها الذكية (Ray-Ban Meta) المحسنة والمدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ولكن كان الحدث الرئيسي في المؤتمر هو إعلان النموذج التجريبي الأول لنظارة (Orion)، التي تعمل بتقنية الواقع المعزز، لتكون أول نظارة تكشف عنها الشركة تعمل بتلك التقنية، وتقدم تجربة واقع مختلط (Mixed Reality)، بتصميم أقرب إلى حجم النظارات التقليدية. وقد وصفها الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرج، بأنها ثمرة عشر سنوات من البحث والتطوير.

وأكد زوكربيرج أن نظارة (Orion)، تُعدّ هي المنتج الأكثر تطورًا على الإطلاق في تاريخ الشركة وسوق النظارات الذكية، لأنها تعمل على تحقيق المعادلة الصعبة، عبر تقديم تجربة واقع معزز كاملة في تصميم صغير وخفيف الوزن.

أولًا؛ مواصفات ومزايا نظارة (Orion):

تتميز نظارة (Orion) بتصميم مبتكر يوفر تجربة غامرة عالية الجودة، إذ يمكن للمستخدمين التفاعل مع المحتوى بطرق طبيعية وبديهية.

وتأتي هذه النظارة بشاشة عرض عالية الدقة مدعومة بعدسات متقدمة قادرة على معالجة الألوان وضبط السطوع بدقة عالية. كما تستخدم ميتا في النظارة أجهزة عرض من نوع (ميكرو ليد) μLED، وهي أصغر حجمًا وأكثر كفاءة في استهلاك الطاقة من أجهزة (LCoS) المستخدمة في (Snap Spectacles) الجديدة، مما يتيح تصميمًا أنحف وألوانًا زاهية وواضحة.

بينما العدسات صُنعت من مادة السيليكون الكربيد، وهي مادة قوية وخفيفة الوزن تسمح برؤية واسعة تصل إلى 70 درجة، ويُعدّ مجال الرؤية هذا، هو الأكبر في سوق تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز حتى الآن، مما يجعلها أكثر جاذبية وفائدة لمعظم التطبيقات.

ولتوفير أقصى قدر من الراحة للمستخدم، اعتمدت ميتا في تصنيع هيكل النظارة على مادة المغنيسيوم، وهي مادة خفيفة وقوية للغاية، مما يجعل النظارة مثالية للاستخدام اليومي لساعات طويلة.

وتحتوي نظارة (Orion) على أجهزة استشعار صغيرة مدمجة في إطار النظارة، ما يتيح دقة فائقة في رصد حركة الأيدي وإدراك العالم حول المستخدم، وتساعد في فهم إيماءات يد المستخدم عند التفاعل معها. بالإضافة إلى ذلك، عززت ميتا هذه النظارة بالذكاء الاصطناعي، مما يتيح للمستخدم الحصول على جميع المعلومات التي يحتاج إليها لحظيًا.

وأكدت ميتا أن النظارة ستكون مزودة بمعالج عالي الأداء يوفر تجربة مستخدم سلسة وسريعة، مما يجعلها قادرة على منافسة نظارات الواقع المختلط التقليدية والهواتف الذكية، ولكنها لم تكشف عن تفاصيل هذا المعالج بعد، ولكنه سيكون مدمجًا داخل وحدة معالجة خارجية متصلة لاسلكيًا بالنظارة، ويمكن للمستخدم حملها في جيبه، وذلك ما يمنح النظارة نفسها تصميمًا أنيقًا وخفيف الوزن.

ثانيًا، ما تقنيات التحكم المتقدمة التي تقدمها ميتا في النظارة؟

تتميز نظارة أوريون بتقنيات متقدمة للتحكم، فهي لا تعتمد فقط على تتبع حركة العين واليد والأوامر الصوتية، بل تستخدم أيضًا سوارًا ذكيًا يعتمد على تقنية التخطيط الكهربائي للعضلات (EMG).

وتعمل هذه التقنية المبتكرة على قياس النشاط الكهربائي الناتج عن انقباض عضلات المعصم، مما يتيح للنظارة قراءة الإشارات العصبية لحركات بسيطة يؤديها المستخدم بأصابعه ويده، دون الحاجة إلى رفع اليد لترصدها كاميرات النظارة. فعلى سبيل المثال، يمكن للمستخدم التمرير والنقر والتدوير على الشاشات الافتراضية ببساطة عن طريق تحريك أصابعه بشكل طبيعي، حتى لو كانت خارج مجال رؤية كاميرات النظارة.

وتجدر الإشارة إلى أن ميتا تعمل على تطوير هذا السوار منذ عام 2019 على الأقل، عندما استحوذت على شركة ناشئة تُسمى (CTRL Labs).

ثالثًا؛ ما استخدامات نظارة (Orion) الجديدة؟

تُعدّ هذه النظارة أكثر من مجرد شاشة عرض، فهي تمثل نقلة نوعية في مجال التفاعل مع التكنولوجيا. فبدلًا من الاعتماد على الهواتف الذكية والشاشات التقليدية، تهدف ميتا إلى جعل النظارات الذكية هي المركز الرئيسي للحياة الرقمية للمستخدم.

وكجزء من العرض التوضيحي على المسرح، أظهر زوكربيرج كيف يمكن استخدام  نظارة (Orion) لعرض شاشات افتراضية متعددة أمام شخص ما، والرد بسرعة على الرسائل، والدردشة المرئية مع شخص ما، واللعب بالألعاب. وفي مثال الرسائل، أظهر زوكربيرج أن المستخدمين لن يضطروا حتى إلى إخراج هواتفهم من جيوبهم، بل يتنقلون عبر هذه الواجهات من خلال التحدث، أو النقر بأصابعهم، أو ببساطة عن طريق النظر إلى الأشياء الافتراضية.

إذ تعتمد النظارة على تقنية عرض مبتكرة تمامًا تختلف عن التقنيات التقليدية المستخدمة في نظارات الواقع المعزز، فبدلًا من عرض العالم الحقيقي مع طبقات رقمية فوقه، أو عرض عالم افتراضي بالكامل، فإن النظارة تعرض صورًا ثلاثية الأبعاد واقعية تطفو أمام العين مباشرة، ويحدث ذلك من خلال أجهزة عرض صغيرة مدمجة في إطار النظارة، تطلق أشعة ضوئية خاصة تمر عبر عدسات خاصة لتشكل الصور، وهذه الصور ليست مسطحة بل لها عمق وحجم، مما يوفر تجربة غامرة أكثر واقعية.

وقال أنشيل ساج، المحلل الرئيسي في شركة (Moor Insights & Strategy)، الذي حضر مؤتمر ميتا: “يكمن الابتكار في نظارة (Orion) التي عرضتها ميتا في مجال رؤيتها الواسع الذي يصل إلى 72 درجة، وهو مجال الرؤية الأكبر حتى الآن في سوق نظارات الواقع الافتراضي والمعزز، إذ تقتصر الأجهزة المنافسة على مجال رؤية يتراوح بين 30 و 50 درجة فقط. وبفضل هذه المزية تصبح النظارة أكثر ملاءمة لمجموعة واسعة من التطبيقات، بدءًا من الألعاب وحتى التفاعلات الاجتماعية اليومية”.

رابعًا؛ كيف تعزز هذه النظارة سيطرة ميتا على سوق تقنيات الواقع المختلط؟

تدخل شركة ميتا سباقًا محمومًا في عالم الواقع المختلط بنظاراتها الجديدة (Orion)، إذ تتنافس مع عمالقة التكنولوجيا مثل: آبل وسامسونج وسناب شات، وتتبع كل شركة إستراتيجية مختلفة لتحقيق حلم الواقع المختلط، ولكن ميتا تأخذ زمام المبادرة بمحاولة إدماج هذه التقنية في حياتنا اليومية بطريقة سلسة وطبيعية.

وقد اتبعت آبل في هذا السوق نهجها المعتاد في تقديم المنتجات، وهو تقديم نظارة (Vision Pro) للواقع المختلط العالية الجودة بسعر يبدأ من 3499 دولارًا، وهو أعلى سعر في هذا السوق، في حين ركزت شركة سناب في تقديم نظارات هولوجرامية للمطورين.

بينما تمكنت ميتا من ترسيخ مكانتها بقوة في هذا السوق من خلال سعيها الدائم إلى تحقيق التوازن بين التقنية المتقدمة والسعر المعقول، وذلك من خلال تقديم أجهزة مثل: نظارة (Meta Quest 3S) بسعر يبلغ 300 دولار فقط، ونظارات (Ray-Ban Meta).

وقد ساهمت هذه الأجهزة وخاصة نظارة (كويست 3) بسعرها الجذاب، في حصول ميتا على حصة سوقية ضخمة تبلغ 80% من إجمالي سوق الواقع الافتراضي، وذلك وفقًا لبيانات (Counterpoint Research). ولم تشارك شركة ميتا أرقام مبيعات الوحدات الإجمالية لنظاراتها من نوع راي بان، لكن شريكتها في المنتج (EssilorLuxottica)، أكدت آخرًا أنها باعت عددًا أكبر من النظارات في الأشهر القليلة الماضية مقارنة بالعامين السابقين.

ومع ذلك تبدو مبيعات نظارات الواقع الافتراضي والمعزز ضئيلة مقارنة بمبيعات الهواتف الذكية العالمية، كما أن بعض مزايا الذكاء الاصطناعي في نظارات ميتا الذكية محظورة أيضًا في بعض أجزاء العالم، مثل أوروبا، مما يضعف الإيرادات.

علاوة على ذلك، لا تزال هناك تحديات تواجه ميتا في تطوير نظار(Orion) كمنتج متكامل للمستخدمين، وأبرزها القدرة على إدماج التقنيات المتقدمة التي أشارت إليها في عرضها في نظارات يومية خفيفة الوزن، وتطوير الواجهة لتقنية (EMG) لقراءة الإشارات العصبية لحركات ليد دون الحاجة إلى رفعها لترصدها كاميرات النظارة، وكل ذلك بسعر تنافسي.

ومع ذلك تستثمر ميتا مليارات الدولارات في تطوير هذه التقنية، إذ ترى فيها مستقبل الحوسبة الشخصية، وتطمح الشركة إلى أن تصبح نظارات الواقع المختلط جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تمامًا كما أصبح الهاتف الذكي. وقد لا نرى نظارة (Orion) بالشكل الذي قُدم في النموذج الأولي في المؤتمر، ولكن من المؤكد أن التقنيات التي طُورت ستجد طريقها إلى منتجات ميتا المستقبلية.

خامسًا؛ كيف يرى المحللون مستقبل هذه النظارة؟

لقد أثارت نظارة (Orion) من ميتا إعجابًا واسعًا في عالم التكنولوجيا، إذ ترى الشركات والمستثمرون فيها مستقبل الواقع المعزز، وعلى الرغم من عدم وجود موعد إطلاق رسمي لهذه النظارة حتى الآن، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من المحللين والخبراء.

وما يميز هذه النظارة حتى الآن هو تصميمها الأنيق والقريب من النظارات العادية، الذي يجعلها أكثر راحة وسهولة في الاستخدام مقارنة بنظارات الواقع المختلط الضخمة مثل Quest، ويفتح هذا التصميم الباب أمام تجربة واقع معزز أكثر طبيعية واندماجًا في الحياة اليومية.

ويرى المحللون أن نظارة (Orion) تحل العديد من المشكلات التي تواجه نظارات الواقع الافتراضي الحالية بفضل تصميمها الأنيق الذي يشبه النظارات التقليدية وتقنياتها المتقدمة.

ويقول (جين مونستر) الشريك الإداري في شركة (Deepwater) لإدارة الأصول: “تحل نظارة (Orion) أكبر مشكلتين في نظارة (Quest)، وهما: تقديم تجربة اجتماعية غنية وواقعية، وتصمم أكثر أناقة وملاءمة للاستخدام اليومي، مما يجعلها خيارًا جذابًا للمستخدمين الذين يرغبون في إدماج تقنيات الواقع المعزز في حياتهم اليومية”.

وقد اتفق مع هذا الرأي (جاستن بوست)، المحلل في بنك أوف أمريكا، وأعرب عن اعتقاده أن نظارة (Orion) ستحظى باهتمام أكبر من مستثمري التكنولوجيا مقارنة بنظارات (Quest).

وفي مقابلة مع بن تومبسون، أكد أندرو بوسورث، كبير مسؤولي التكنولوجيا في ميتا، أن الشركة تخطط لإطلاق النظارة في السوق خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، مما يعزز ثقة المستثمرين في هذا المنتج الجديد.

ويعتقد المحللون أن نظارة (Orion) تمثل قفزة نوعية في مجال الواقع المعزز، وأنها ستفتح آفاقًا جديدة للتطبيقات والتفاعلات الرقمية، ومع استمرار التطور التكنولوجي وتناقص التكاليف، من المتوقع أن تصبح نظارات الواقع المعزز مثل (Orion) جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.

باختصار، تؤكد التوقعات الإيجابية للمحللين أن نظارة (Orion) ستكون المحرك الرئيسي لنمو ميتا في المستقبل القريب، وتشير تصريحات بعض القادة في الشركة إلى أن إطلاق النظارة في السوق سيكون خلال السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، مما يفتح آفاقًا جديدة أمام الشركة.

تم نسخ الرابط
تابعنا