Skip to main content

شبير أحمد شاه "مانديلا كشمير"

14 تموز 2025

شبير أحمد شاه "مانديلا كشمير"

شبير شاه أسس حركات وأحزابا سياسية عدة، أبرزها "الحزب الديمقراطي الحر"، أحد المكونات الرئيسية لتحالف "تحرير كشمير" (الفرنسية)
14/7/2025-|آخر تحديث: 10:46 (توقيت مكة)

شبير أحمد شاه أحد أبرز الشخصيات السياسية والنضالية في كشمير، ولد عام 1953، ونال لقب "مانديلا كشمير" بسبب سنواته الطويلة خلف القضبان، دفاعا عن قضية اعتبرها مسألة وجود وهوية شعب.

المولد والنشأة

وُلد شبير شاه يوم 14 يونيو/حزيران 1953، في بلدة كاديبورا بمنطقة أنانتناغ في الشطر الهندي من إقليم جامو وكشمير، ونشأ في بيئة ذات خلفية إسلامية قومية.

كان لوالده غلام محمد شاه فارير، دور مهم في صقل وعيه المبكر، وقد تركت حادثة وفاة والده أثناء احتجازه الأمني عام 1989 أثرا عميقا في شخصيته وأسهمت في تعزيز قناعاته السياسية.

تأثر شبير شاه أيضا بموجات التحرر والاستقلال التي اجتاحت المنطقة في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20، وانجذب إلى قضايا الحرية والعدالة، فبدأ نشاطه السياسي وهو لا يزال في سن المراهقة.

الدراسة والتكوين

أكمل شبير شاه تعليمه الابتدائي في مدرسة سارنال، ثم واصل دراسته في المعهد النموذجي للتعليم بمدينة أنانتناغ، إلا أن انخراطه المبكر في النشاط السياسي حال دون إتمامه مسيرته التعليمية، إذ دفعه حماسه الوطني للمشاركة في أول تظاهرة وهو لم يتجاوز الـ14 من عمره، الأمر الذي أدى إلى اعتقاله للمرة الأولى عام 1968. وشكل هذا الحدث منعطفا حاسما في حياته، ووضعه على طريق طويل من المقاومة استمر أكثر من 50 عاما.

عقب الإفراج عنه، لم تتراجع عزيمته، بل عاد إلى الساحة السياسية بقوة أكبر. وفي أوائل سبعينيات القرن الـ20، بدأ بتكوين مجموعات شبابية سياسية، أبرزها "رابطة الشباب"، التي سرعان ما تطوّرت إلى "رابطة الشعب" عام 1974. وقد تركزت جهود هذه المنظمة على تثقيف الشباب الكشميري حول حقهم في تقرير المصير، وضرورة النضال السلمي لتحقيق هذا الهدف.

جذور القضية التي يناضل من أجلها شبير شاه

تعتبر قضية كشمير واحدة من أكثر النزاعات تعقيدا واستمرارا في العالم الحديث، إذ تتشابك فيها العوامل الدينية والسياسية والإستراتيجية، وهي بؤرة توتر دائم بين الهند وباكستان منذ تقسيم شبه القارة الهندية عام 1947، وهي قضية لم تبدأ بحرب أو صراع مسلّح، بل بقرار سياسي فرضته الظروف الاستعمارية، ورفضته شعوب المنطقة.

إعلان

تفجرت القضية حينما تُركت ولاية جامو وكشمير-ذات الأغلبية المسلمة- أمام خيار الانضمام إلى الهند أو باكستان. ومع غياب استفتاء شعبي، انضمت الولاية إلى الهند بموجب "وثيقة الانضمام"، مما أدى إلى اندلاع الصراع.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 1947 دخلت الهند وباكستان أول حرب بينهما بشأن كشمير، استمرت حتى عام 1948، وانتهت بتقسيم كشمير فعليا إلى قسمين:

  • القسم الأكبر بقي تحت سيطرة الهند (جامو وكشمير).
  • القسم الآخر أصبح تحت سيطرة باكستان (آزاد كشمير وجيليت-بلتستان).

بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأول عام 1948، أُحيل النزاع إلى مجلس الأمن الدولي، وصدر القرار رقم 47، الذي دعا إلى إجراء استفتاء حر ونزيه بإشراف دولي، يتيح للشعب الكشميري تحديد مصيره بين الانضمام إلى الهند أو باكستان، غير أن هذا الاستفتاء لم يُنفّذ، وأصرّت الهند على أن الانضمام أصبح نهائيا، بينما أكدت باكستان أن الاستفتاء هو الحل الوحيد العادل.

وفي أغسطس/آب 2019، ألغت الحكومة الهندية بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا المادة 370 من الدستور الهندي، والتي كانت تمنح الشطر الهندي من كشمير حكما ذاتيا محدودا، ورافق القرار فرض حظر تجوال طويل الأمد، وقطع للإنترنت واعتقالات جماعية، بينها اعتقال قادة الحراك السلمي.

وقد رفض شبير شاه -وغيره من أبناء كشمير- هذا الوضع، واعتبر أن انضمام الولاية إلى الهند تم بشكل غير شرعي ودون إرادة شعبها، مما جعله يكرّس حياته للدفاع عن حق تقرير المصير للكشميريين، استنادا إلى قرارات الأمم المتحدة التي تدعو إلى استفتاء حر وعادل.

المسيرة السياسية

تُعدّ سنة 1975 علامة فارقة في تاريخ شبير شاه السياسي، إذ شهدت تلك الفترة توقيع اتفاقية (إنديرا-عبدالله) بين رئيسة الوزراء الهندية إنديرا غاندي والزعيم الكشميري المؤيد للهند شيخ عبدالله، وهو الاتفاق الذي اعتبره كثير من الكشميريين خيانة للقضية الكشميرية.

وأعلن شبير شاه ورفاقه معارضتهم العلنية للاتفاق، مما دفع السلطات إلى شن حملة اعتقالات طالت قادة الحركات الشبابية، وكان شاه في مقدمتهم.

وفي عام 1980، أعلن شبير شاه تأسيس ما عُرف لاحقا بـ"الحركة الكشميرية من أجل الحرية"، التي نادت بحل سياسي لقضية كشمير، يرتكز على مبدأ حق تقرير المصير وفقا لقرارات الأمم المتحدة، وأثار هذا الموقف غضب السلطات الهندية، مما أدى إلى سلسلة من الاعتقالات والمضايقات.

أسّس شبير شاه حركات وأحزابًا سياسية عدة، أبرزها "الحزب الديمقراطي الحر" -أحد المكونات الرئيسية لتحالف "تحرير كشمير"- وهو ائتلاف يضم أطرافا متعددة تطالب باستقلال كشمير عن الهند. وعبر هذا الحزب، دعا شاه إلى النضال السلمي والسياسي، ورفض علنا كل أشكال العنف، مؤكدا أن الحل الوحيد هو في الحوار الدولي الشفاف.

وتحالف شاه في فترات مختلفة من مسيرته السياسية مع القيادات الكشميرية البارزة من بينهم سيد علي شاه جيلاني وياسين ملك ومير واعظ عمر فاروق، وشكلوا سويا ما يُعرف بـ"تحالف الحرية لعموم أحزاب كشمير"، وهو ائتلاف سياسي طالب بحق تقرير المصير، وحاز دعم قطاعات واسعة من الكشميريين، خاصة في الجنوب والوسط، كما حصل على تأييد بعض الحركات الباكستانية المؤيدة لـ"كشمير الحرة".

إعلان

وفي عام 1998، وبعد فترات قصيرة من الإفراج المتكرر، أسّس شبير شاه حزبا سياسيا جديدا باسم "الحزب الديمقراطي من أجل الحرية في جامو وكشمير"، وركز الحزب على المسار المدني والسلمي في النضال ورفض العنف، كما دعا إلى حوار ثلاثي يضم الهند وباكستان وممثلي الشعب الكشميري بوصفهم أطرافا متساوية في طاولة المفاوضات.

سعى الحزب إلى تثقيف المجتمع المدني في كشمير، وركز على مقاومة الاحتلال عبر وسائل ديمقراطية منها التظاهرات والمؤتمرات والبيانات السياسية. وانضم الحزب لاحقا إلى تحالف "مؤتمر الحرية لجميع الأحزاب"، الذي ضمّ طيفا واسعا من التنظيمات المؤيدة للاستقلال أو الانفصال عن الهند.

شبير شاه أثناء مظاهرة عام 2005، إحياءً للذكرى الـ21 لوفاة مؤسس جبهة تحرير جامو وكشمير مقبول بهات (الفرنسية)

الأحزاب والحركات المنافسة لشبير شاه

وعلى الرغم من دوره الريادي، لم يسلم شاه من المعارضة السياسية داخل كشمير، فالأحزاب الموالية للهند مثل "المؤتمر الوطني الكشميري" و"حزب الشعب الديمقراطي" اعتبرته شخصية متشددة تعيق التنمية والسلام.

وفي المقابل، كانت هناك جماعات مسلّحة رفضت دعوته للنضال السلمي، من ضمنها "جيش محمد" و"حزب المجاهدين"، التي رأت في مواقفه ضعفا وتراخيا، وهو ما خلق فجوة بين التيارات السلمية والتيارات المسلحة في الساحة الكشميرية.

علاوةً على ذلك، دخل شاه في خلافات مع بعض قيادات "تحالف الحرية"، خاصة بعد ظهور انقسامات أيديولوجية بين من يدعون لانضمام كشمير إلى باكستان ومن يدعون إلى استقلال كامل للإقليم. وفي أكثر من مناسبة، دعا شاه إلى حوار داخلي بين الكشميريين أنفسهم بهدف حسم التوجه الإستراتيجي للحراك.

تدهور حالته الصحية

تدهورت الحالة الصحية لشاه بشكل كبير في سنوات اعتقاله الطويلة، وعانى من أمراض مزمنة عدة، أبرزها السكري وارتفاع ضغط الدم  واضطرابات في القلب.

وقد ناشدت عائلته أكثر من مرة ومنظمات حقوق الإنسان السلطات الهندية لتوفير الرعاية الصحية اللازمة له، خاصة وأنه قضى فترات طويلة في الحبس الانفرادي في ظروف لا تليق بالمعايير الإنسانية.

شبير شاه أمضى أكثر من 33 عاما في السجون الهندية، معظمها دون محاكمة رسمية كان أولها عام 1968(غيتي)

وأشارت تقارير طبية إلى تدهور صحته الجسدية والنفسية، وهو ما أثار القلق حول مصيره داخل السجن، وخصوصا بعد تأكيد جهات طبية إصابتَه بسرطان البروستاتا.

وفي يوليو/تموز 2017، اعتُقل شبير شاه مجددا من الوكالة الوطنية للتحقيقات، بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب وغسيل الأموال. ونُقل إلى سجن تِهار في العاصمة نيودلهي، وتعرض في تلك الفترة لتدهور صحي كبير بسبب الأمراض المزمنة التي أصابته، وسط تقارير أفادت بعدم تلقيه الرعاية الطبية اللازمة.

ورغم هذه الظروف، لم يُفرج عنه حتى مع تفشي جائحة كورونا أو عند اكتشاف مؤشرات إصابته بأمراض مزمنة، مما دفع عددا من المنظمات الحقوقية وقادة كشميريين إلى المطالبة بالإفراج الفوري عنه لأسباب إنسانية، ومن أبرز من تبنّى هذه المطالبات القيادي فاروق عبد الله، والزعيمة الكشميرية السابقة محبوبة مفتي.

سنوات السجن.. النضال من وراء القضبان

أمضى شبير شاه أكثر من 33 عاما في السجون الهندية، معظمها دون محاكمة رسمية (أشارت بعض المصادر إلى أن مجموع فترات سجنه تصل إلى 38 عاما)، وهي مدة جعلته أحد أكثر السجناء السياسيين بقاء في السجن في القارة الآسيوية.

ومنذ ذلك الحين، لم تمر عليه فترة طويلة خارج السجن، إذ تعرض للاعتقال مرارا بموجب قوانين هندية صارمة منها "قانون الأمن العام" و"قانون مكافحة الإرهاب".

شبير شاه (أقصى اليسار) مع آغا سيد حسن ونعيم خان وأياز أكبات في سبتمبر/أيلول 2015 (الفرنسية)

ومنذ أول اعتقال له عام 1968، وحتى آخر اعتقال جرى في 2017، تنقل شبير شاه بين سجون متعددة من ضمنها سجن كوثبال، وسجن تِهار المركزي في دلهي، وسجن سريناغار المركزي.

إعلان

ووفق تقرير لمنظمة "العدل للجميع-كندا"، وُثّق أن شبير شاه قد تعرّض للاعتقال أكثر من 30 مرة، وأن السلطات كانت تلجأ إلى قوانين استثنائية من ضمنها قانون السلامة العامة، وقانون النشاطات غير القانونية، لإبقائه في السجن فترات مفتوحة دون محاكمة.

وأثناء فترات اعتقاله، تعرض شاه لانتهاكات متعددة، من بينها العزل الانفرادي والحرمان من الرعاية الصحية ورفض زيارات العائلة والمحامين. ومع ذلك، ظلّ ثابتا في مواقفه، رافضا أي تسوية سياسية لا تعترف بحق الكشميريين في اختيار مصيرهم.

مواقف الدول والهيئات والمنظمات الحقوقية من قضية شبير شاه

أثارت قضية شبير شاه اهتماما واسعا لدى منظمات حقوق الإنسان الدولية، وطالبت منظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن رايتس ووتش" مرارا بالإفراج عنه، معتبرة أن اعتقاله يأتي ضمن سياسة ممنهجة لقمع الصوت الكشميري الحر.

وفي تقاريرها، أشارت هذه المنظمات إلى الانتهاكات التي يتعرض لها شاه وغيره من النشطاء، ومنها الاعتقال التعسفي والحبس الانفرادي والحرمان من العلاج.

أما على الصعيد الدولي، فقد أعربت باكستان في أكثر من مناسبة عن دعمها الكامل لشبير شاه، وخصصت الحكومة الباكستانية بعض المؤتمرات لتسليط الضوء على معاناته، وأعربت بعض الدول الإسلامية من ضمنها تركيا وماليزيا عن تضامنها الإنساني، فيما التزمت الأمم المتحدة الصمت النسبي رغم إدراج قضية كشمير ضمن جدول أعمالها.

شبير شاه (الثاني يمين)، مع كبار القادة المطالبين بالاستقلال، بعد مؤتمر صحفي مشترك عُقد في سبتمبر/أيلول 2015 (غيتي)

والتزمت كثير من  الدول الغربية والولايات المتحدة الصمت تجاه قضية شاه، حفاظا على مصالحها مع الهند التي تعتبر شاه شخصية محرّضة على الانفصال، وتدّعي أن نشاطاته تهدد السلم الأهلي والنظام العام. وعلى هذا الأساس، بقي محتجزا دون محاكمة عادلة في كثير من الأحيان، وهو ما أدى إلى تزايد الانتقادات الدولية.

من جهتها، أطلقت عائلة شبير شاه حملات إعلامية عدة للتذكير بقضيته، وأشارت فيها إلى الظروف غير الإنسانية التي يتم اعتقال رب الأسرة فيها، وحرمانه من أبسط حقوقه في العلاج وتأمين ظروف سجن تليق برمزيّته القومية والوطنية، وتوفر له أبسط حاجاته الإنسانية من الغذاء والدواء والتواصل والزيارات.

المصدر: الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا