الذكرى الـ10 للاتفاق.. الغموض النووي ورقة إيران الجديدة لمواجهة الغرب

طهران ـ بعد عقد من التفاوض والاتفاقات والاغتيالات والعقوبات، أصبح برنامج إيران النووي محاطا بجدار كثيف من الغموض غير المسبوق، فمع توقف الحرب الإسرائيلية الأميركية ضد إيران، قررت طهران أن تخرج من دائرة الرقابة الدولية، وتسحب مفتشي الوكالة الذرية، وتنقل مخزونها النووي إلى "أماكن آمنة"، تاركة خصومها في حيرة مما تمتلكه، وما قد تخطط له.
في مشهد يبدو وفقا لمراقبين، أنه انتقال محسوب من الشفافية إلى "مرحلة العتبة الغامضة"، تعيد إيران تشكيل معادلات الردع، تزامنا مع الذكرى العاشرة لتوقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، بينما يبقى السؤال الأبرز: هل الغموض النووي هو ورقة تفاوضية، أم إستراتيجية ردع جديدة قد تغير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟
وبعد الحرب المباشرة وغير المسبوقة مع إسرائيل، والتي شاركت فيها واشنطن، تدخل إيران في مرحلة جديدة من إدارة الملف النووي، وهي مرحلة قد تعقد الحسابات الأمنية الإقليمية، وتضع مفاوضات الاتفاق النووي -إن أعيد إحياؤها- على مسار مختلف كليا عن الجولات السابقة.
وبين احتمالات التصعيد وسوء التقدير الإستراتيجي وسباق التسلح المحتمل، تبدو المنطقة مقبلة على سيناريوهات مفتوحة، بحسب ما يرى خبراء ومحللون تابعوا التحول من كثب.
العتبة النووية الغامضة
في هذا السياق، يوضح أستاذ دراسات الشرق الأوسط علم صالح، أن سياسة "الغموض النووي" تشير إلى حالة تتعمد فيها دولة ما، عدم الإفصاح الكامل عن قدراتها ونياتها النووية.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت، أن هذا التحول يعني الانتقال من برنامج شفاف خاضع للرقابة الدولية إلى إبهام يصعب فيه تحديد حجم التقدم التقني أو كمية المواد الانشطارية أو نوايا الاستخدام المدني أو العسكري، وهو ما يعرف في الأدبيات الإستراتيجية بـ"مرحلة العتبة النووية الغامضة".
ويشرح صالح أن هذا "الغموض المتعمد" يستخدم أداة لتعزيز القوة التفاوضية، وخلق حالة من الشك لدى الخصوم، حيث يؤدي غياب المعلومات الدقيقة إلى عجزهم عن اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستوى التهديد، مما يزيد من تكلفة أي هجوم وقائي محتمل، ويجعل الغموض أداة ردع وضغط دبلوماسي فعالة.
إعلانإن انتهاج إيران هذه السياسة يعزز موقعها التفاوضي، إذ يمكن لطهران، أن توظف المخاوف من نواياها في الضغط على الأطراف المقابلة لتقديم تنازلات، خشية تحول البرنامج إلى مسار عسكري.
ويضيف أن الغموض النووي يربك الحسابات الأمنية، حيث تؤدي ندرة البيانات الدقيقة عن القدرات الإيرانية إلى ارتفاع منسوب التوتر والقلق، ما يدفع بعض دول المنطقة إلى تطوير قدرات ردع مستقلة، كأنظمة الدفاع الصاروخي، أو تعزيز الاعتماد على المظلة الأميركية.
ويحذر صالح من أن هذا الوضع الجديد قد يؤجج سباق التسلح في الشرق الأوسط، لا سيما بعد دخول إيران في هذه المرحلة دون رقابة دولية، ما يجعل المعادلة الأمنية أكثر هشاشة، ويزيد من تكلفة أي خيار عسكري ضدها.
ويختتم: "إن طهران تدخل بهذه السياسة إلى أي مفاوضات مقبلة بيد أقوى، لكنها أيضا تراكم المخاطر، إذ يفاقم الغموض احتمالات سوء التقدير ويدفع المنطقة إلى مواجهات أكثر خطورة.
نقطة التحول
من جهته، يرى الباحث السياسي محمد بيات، أن الهجوم الإسرائيلي الذي سبق الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار بيومين شكل نقطة تحول نوعية في المواجهة، إذ استهدفت المقاتلات الإسرائيلية الحزامين الجنوبي والغربي لمنظومة الدفاع الجوي الإيراني، تمهيدا لدخول قاذفات "بي 2" الإستراتيجية إلى الأجواء الإيرانية، أعقبها إطلاق 30 صاروخا من طراز "توماهوك" نحو منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.
ويصف بيات في حديثه للجزيرة نت، هذا القصف بأنه "اعتداء صارخ على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية"، مشيرا إلى أن طهران ردت بإعلان مراجعة علاقاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتبني ما وصفته بـ"سياسة الغموض النووي".
ويشرح أن هذه السياسة تهدف إلى إبقاء الأنشطة النووية، في كل مراحلها، خارج نطاق التفتيش والمراقبة، ما يخلق -حسب قوله- حالة من "الغموض والارتياب الأمني" في المجتمع الدولي ودول الجوار، ويضيف "إسرائيل تمثل النموذج الأوضح لهذه السياسة في الشرق الأوسط، رغم أنها لم توقع على معاهدة عدم الانتشار، ويعتقد أنها تملك ما بين 80 إلى 200 رأس نووي".
ويؤكد بيات، أن اعتماد إيران هذا النهج سيمكّنها من امتلاك ورقة ضغط تفاوضية جديدة للدفاع عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية، معتبرا أن تجربة الاتفاق النووي السابقة أثبتت أن "الواقعية وتعددية الأطراف، إلى جانب إفساح المجال للدبلوماسية، يمكن أن تتيح للدول تحقيق أهدافها المشروعة دون اللجوء إلى القوة".
ويختتم بالإشارة إلى أن "اعتماد إيران سياسة الغموض النووي سيترك أثرا ملموسا على مسار المحادثات المقبلة، خاصة في الجولة السادسة من المفاوضات غير المباشرة بين وزير الخارجية عباس عراقجي والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف".
ويرى أن الهجوم الإسرائيلي "لا يمس فقط مبدأ الردع الإيراني، بل يحمل رسالة تحذير إلى قوى إقليمية أخرى مفادها، أن أي مسعى لتعزيز القدرات الدفاعية قد يُقابل برد عسكري من تل أبيب".