Skip to main content

عبر "مرآة قابلة للتشوه".. إنجاز ياباني يمهد لمستقبل التصوير فائق الدقة

19 تموز 2025
علوم

عبر "مرآة قابلة للتشوه".. إنجاز ياباني يمهد لمستقبل التصوير فائق الدقة

أثناء تجريب المرآة (تاكاتو إينووي-جامعة ناغويا)
عبد الله طه19/7/2025-|آخر تحديث: 15:03 (توقيت مكة)

نجح فريق بحثي من جامعة ناغويا اليابانية في تطوير مرآة قابلة للتشوه فائقة الرقة، وقادرة على تكبير الأشعة السينية بأكثر من 3400 مرة دون الحاجة إلى لصق مكونات متعددة، مما يفتح آفاقا جديدة في مجالات تحليل الأشعة السينية والتصوير فائق الدقة.

هذا الإنجاز -الذي نشر مؤخرا في دراسة بدورية "ساينتفيك ريبورتس"- يسلط الضوء على مادة نادرة تعرف بـ"نيوبات الليثيوم"، والتي استخدمها الباحثون بشكل ذكي لصنع مرآة أحادية البنية يمكنها تغيير شكلها بدقة نانومترية وبدرجة انحناء غير مسبوقة.

ويشرح تاكاتو إينووي الباحث في قسم فيزياء المواد في كلية الدراسات العليا للهندسة في جامعة ناغويا اليابانية والمؤلف الرئيسي في الدراسة هذا الإنجاز في تصريحات حصرية للجزيرة نت "هذه التقنية تمثل خطوة أساسية نحو توسيع قدرات التحليل والتصوير بالأشعة السينية، وتعد مكونا حيويا لأنظمة بصرية مستقبلية أكثر تطورا في مجالات متعددة".

تجهيزات الباحثين حول المرآة (تاكاتو إينووي-جامعة ناغويا)

نيوبات الليثيوم مفتاح الحل

يشرح إينووي "المشكلة في المرايا القابلة للتشوه التقليدية أنها كانت محدودة من حيث مدى التشوه الذي يمكن تحقيقه، ويرجع ذلك إلى ضرورة لصق مواد متعددة معا، مما يجعل من المستحيل تقليل سمك المرآة ككل".

المرايا القابلة للتشوه هي مرايا مرنة يمكن تغيير شكل سطحها (انحناءه أو تموجه) بشكل نشط باستخدام مشغلات ميكانيكية صغيرة جدا، مثل محركات كهربائية دقيقة أو مواد ذات خصائص كهروضغطية، وغالبا ما تُستخدم في الأنظمة البصرية حيث تحتاج إلى تعويض التشوهات أو الانحرافات التي يتعرض لها الضوء.

تُستخدم المرايا القابلة للتشوه في مجالات مثل الفلك والطب لتصوير شبكية العين، ولكن كان دمجها في أنظمة الأشعة السينية محدودا، لأن قدرتها على الانحناء ضعيفة في هذا السياق، وعند صنعها يتم لصق طبقات متعددة معا لزيادة قوتها، لكن هذا يجعلها أكثر سُمكا وأضعف ضعيفة أمام البيئات القاسية مثل درجات الحرارة المرتفعة والضغط المنخفض.

ويقول إينووي إن سبب لجوء الباحثين إلى البنية الأحادية شديدة النحافة والرقة للمرآة هو أن "كمية التشوه تتناسب عكسيا مع مربع سُمك المرآة، لذا سعينا لتصنيع مرآة أحادية البنية".

إعلان

ويوضح إينووي أنه كلما نقص سُمك المرآة نجح الباحثون في التحكم في الخصائص البصرية لتحديد كيفية مرور أو انعكاس الضوء وكيفية تركيزه، والتحكم في عرض الشعاع وموضع عرض الصورة اعتمادا على تلك العلاقة.

هنا يأتي دور الابتكار الأساسي في الدراسة، والذي يرتكز على استخدام مادة نيوبات الليثيوم، وهي مادة كهروضغطية، أي مادة يتغير شكلها عند تمرير الكهرباء فيها أو تنتج كهرباء عند الضغط عليها.

كما أنها ذات خصائص قطبية فريدة، أي أن المادة تحتوي داخلها على شحنات كهربائية موجبة وسالبة مصطفة بشكل خاص، ويمكن عكس اتجاه ترتيب هذه الشحنات بتسخينها أو تعريضها لجهد كهربائي.

ويقول إينووي "نيوبات الليثيوم مادة فريدة بخواصها في عكس الاستقطاب، عند تسخينها إلى نحو ألف درجة مئوية ينقلب اتجاه الاستقطاب بمقدار نصف سمك الركيزة، وباستخدام هذه الخاصية تمكنا من صنع مرآة قابلة للتشوه دون استخدام اللصق".

يفتح هذا الانجاز آفاقا جديدة في مجالات تحليل الأشعة السينية والتصوير فائق الدقة (رويترز)

إبداع تقني مذهل

لفهم ما يحدث تخيل أن لدينا قطعة من بلورة (أو الركيزة) من نيوبات الليثيوم سُمكها مثلا سنتيمتر واحد، داخل تلك البلورة هناك ترتيب معين للشحنات الكهربائية، جزء منها موجب والآخر سالب، وهذه الشحنات مرتبة باتجاه معين، مثل عدد من السهام كلها تشير إلى الأعلى أو للأسفل.

الآن، إذا قمنا بتسخينها لدرجة حرارة نحو ألف درجة مئوية يحدث شيء غريب، حيث يحافظ النصف العلوي من البلورة على اتجاه شحناته كما هو، في حين تنقلب شحنات النصف السفلي وكأن السهام صارت تشير إلى الاتجاه المعاكس.

هذه البنية الناشئة تعرف باسم بنية "بيمورف"، أي بنية ثنائية الانحناء داخل نفس البلورة، وفي الأجهزة التقليدية كانوا يلصقون قطعتين من مواد كهروضغطية مختلفة معا لتكوين هذه البنية، واحدة تتقلص والأخرى تتمدد فينحني الشكل.

لكن في هذا الاكتشاف استخدموا بلورة واحدة كاملة من نيوبات الليثيوم، ونجحوا في عكس استقطاب نصفها السفلي، فأصبحت البلورة الواحدة تتصرف كما لو أنها مكونة من جزأين متعاكسين ودون أي لاصق.

ولا تقتصر أهمية الابتكار على التصميم، بل تمت برهنة أدائه بشكل عملي في منشأة تعرف باسم "سبرينغ-8″، وهي واحدة من أكبر مصادر الأشعة السينية في العالم.

استطاع الفريق أن يغير حجم حزمة الأشعة السينية باستخدام المرآة الجديدة من 200 نانومتر فقط إلى 683 ميكرومترا، أي 3400 ضعف، وهو نطاق لم يكن ممكنا في السابق باستخدام المرايا التقليدية.

ويقول إينووي "لا يمكن تعديل مجال الرؤية والدقة المكانية لتحليل الأشعة السينية فحسب، بل يمكن أيضا تبديل طريقة التحليل".

تخيل أن لديك ميكروسكوبا يمكنه في وضعية معينة تصوير جزء صغير جدا من خلية بدقة عالية جدا، وفي وضعية أخرى يمكنه مسح مساحة واسعة لرؤية التوزيع العام لمواد معينة.

كل وضعية تُستخدم لطريقة تحليل مختلفة، واحدة لتحليل البنية الدقيقة (200 نانومتر) وأخرى لتحليل التوزيع العام للعنصر (683 ميكرومترا)، بوجود هذه المرآة المتغيرة يمكن للعلماء التبديل بين هذين النوعين من التحليل بسهولة دون تغيير الميكروسكوب.

إعلان

نحو عصر جديد من البصريات التكيفية

باستخدام مقياس تداخل الأشعة السينية تحقق الباحثون من دقة شكل المرآة المشوهة، حيث بلغ الخطأ في الشكل النهائي نحو 3 نانومترات فقط، وهي دقة تقترب من الحدود النظرية لأفضل أنظمة البصريات في العالم.

ورغم النجاح المبدئي فإنه لا تزال هناك تحديات تقنية بحاجة إلى حلول، أحدها يتمثل في صعوبة تصنيع وتركيب المرايا فائقة الرقة، والتي يصل سُمكها إلى أجزاء من المليمتر.

ويعترف إينووي بذلك قائلا "نعتقد أن هذا يمكن حله باستخدام تكنولوجيا تصنيع فائقة الدقة"، مضيفا أن "الخطوة التالية تتمثل في ترقيق المرآة إلى سُمك عشرات الميكرومترات، وتطوير أداة تحكم دقيقة لتحريكها".

ومن خلال التخلص من الحاجة إلى اللصق وتبني التصميم الأحادي النواة فتح فريق جامعة ناغويا آفاقا جديدة نحو تصميم أنظمة بصرية متكيفة أكثر مرونة ودقة، مع القدرة على العمل في ظروف لم تكن ممكنة من قبل.

وفي الوقت الذي تسعى فيه البشرية إلى فهم أدق البُنى في المادة والبيولوجيا والتكنولوجيا فإن مرآة ناغويا القابلة للتشوه قد تكون عين العلم الجديدة نحو العالم النانوي.

المصدر: الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا