هكذا إذاً تتصاعد المواجهة بشكل جديد استثنائي عما تعرفه الحروب التقليدية، ولذلك كان لزاما في حسابات "إسرائيل" مهاجمة إيران كما هي الحسابات الأمريكية في ذات السياق بتفعيل المبادرات، فلماذا وماذا يجري؟!
- ترميم الردع مهمة إسرائيلية باتت في غاية التعقيد، وتنامت معها مخاطر بتشعبات تخرج عن السيطرة على الأقل في منظومة استراتيجية المنطقة التي رسمتها أمريكا، ولذلك لم يعد الردع الإسرائيلي ولا الأمريكي حاجزا مهيبا عظيما، حيث كانت افتتاحية الضربة له في السابع من أكتوبر ثم تلت ذلك ساحات وجبهات وقصف وتطور اعتمد على الاستنزاف وطول أمد الحرب ووحدة الجبهات، تلك المعادلة تعتبر مقتلة الردع ومقبرته.
- الأمريكي يسعى أن يفعّل عاجلا مبادرات وهمية لمقترحات هدنة في غزة وتشغيل الوسيط العربي في ذلك، لتنعكس فورا على لبنان في الإطار المؤقت الذي يتيح للإسرائيلي تقديم ملفات على أخرى في المشهد، ومن ثم العودة لأي ملف حسب رؤيته دون أن يكون اختراقا لاتفاق تشرف عليه أمريكا، ولذلك الإصرار على كلمة "مؤقت" يعتبر مفتاح السر في الردع التائه وآلية البحث عنه، حيث كانت جولة بلينكن تزامنا مع الهجوم على إيران وطرح مبادرات لقطع الطريق على رد إيراني على انتهاك سيادة البلاد واعتبار أي تحرك أنه معيق وتشويش متعمد على الحل في غزة -الحل الوهمي أصلا-، وهذا تم تجريبه سابقا واعتبار أن الردع نجح ترميمه بآخر ضربة تسجل للاحتلال.
- فصل الساحات هي أولوية أمريكية الآن، وهذا ما يفسر كثافة التصريحات الإسرائيلية بأن العمليات في لبنان في نهايتها وأن وقف إطلاق النار اقترب، ويساعد في ذلك إعلام التحالف الإبراهيمي ليتسنى من جهة الضغط على المقاومة في غزة بأن تستسلم لأي مبادرة بمقاس أمريكي، ومن جهة أخرى منع المقاومة في لبنان من التدخل أثناء تطور عملية "إسرائيل" المستمرة ضد إيران، وهذا يضع حزب الله في زاوية الحرج الداخلي واللوم الدولي إذا كانت هناك هدنة وانتهكها حيث سيتهمونه أنه يعمل لمصالح إيران، وهنا يحاول الأمريكي أن يحقق الهدف الذهبي بأن يخمد الجغرافيا القريبة المشتعلة مع "إسرائيل" لصالح ترتيب أمني عابر للحدود دون تشكيل خطر القرب الجغرافي لأي تدخل على مسار الخطة.
- ما جرى من هجوم إسرائيلي على إيران لا يعتبر كما جولات سابقة، ولا يمكن تقدير موقف الإيراني بالاعتماد على السابق فاليوم اختلفت المعايير، وافتتاح الإسرائيلي للمواجهة دون مبرر يجعل إيران أمام معادلات العودة للصبر الاستراتيجي، وهذا سيغري الإسرائيلي والأمريكي ليحولوا الخبر العاجل بقصف على إيران إلى روتين يومي في إطار التقويض والاستنزاف ما يعتبر خسارة استراتيجية تخطّتها إيران بتثبيتها الردع في الردين السابقين، وهذا سينعكس على قوتها وأيضا شركاء لها في الساحة الدولية كما روسيا، وأيضا سيكون سببا مباشرا لتكثيف النار ضد جبهات المقاومة من قبل الإسرائيلي الذي سيتشجع عدة أطراف على مشاركته هذا الإنجاز، ويبدو أن هذا الخيار ضعيف في ظل معطيات الميدان الذي هو مرهق للإسرائيلي.
يبقى خيار الرد الفوري وبالمثل، وهذا يحافظ على الردع وآخر ضربة تُسجّل، ولكنه يدخل العالم وليس المنطقة فقط في حالة استعداد لتطورات سيخلقها المسرح المشتعل وفي جوانبها خارج القياس الطبيعي، خاصة أن "إسرائيل" في ورطة ميدان ومخرج سياسي ستدفع فيه ثمنا باهظا غير مستعدة له، ما يقودنا لأن نرى مزيدا من التصعيد.
ما زالت الساعة بتوقيت المقاومة، وما زال الاستنزاف يتصاعد، و"إسرائيل" هي الخاسر الاستراتيجي فيه.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا