Skip to main content

ما "خطة ينون" التي تسعى إسرائيل إلى تنفيذها في سوريا؟

25 آب 2025

ما هي "خطة ينون" التي تسعى إسرائيل لتنفيذها في سوريا؟

25/8/2025-|آخر تحديث: 11:39 (توقيت مكة)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالات)

في سياق العمل على تنفيذ مشروعها، المعلن والصريح، والقاضي بتفكيك سوريا إلى دويلات، تسعى إسرائيل إلى تفجير جنوب سوريا عبر تفخيخه بحرب طائفية، تتيح لها فرصة الالتفاف على حالة الإجماع الإقليمي والدولي المتقاطعة عند نقطة استقرار سوريا ووحدة أراضيها وإعادة دمجها في النطاقين؛ الإقليمي، والدولي.

مثّل ذلك التوجه العالمي ضربة لحسابات إسرائيل الأمنية ونكسة لمشروعها الجيوسياسي المصمم على أساس تغيير البيئة الإستراتيجية المحيطة بإسرائيل إلى الأبد، في ظل وجود عوامل مساعدة، لا يمكن توفرها دائما، كما أن احتمال قدرة سوريا على تجاوزها، وإصلاح مواطن الخلل فيها، سيجعل إسرائيل تندم على ضياع الفرصة التاريخية لتفتيت سوريا.

الجدار الدرزي من النظرية إلى التنفيذ

لطالما كان تفكيك سوريا هدفا إستراتيجيا لإسرائيل، لأسباب يتعلق بعضها بالبنية الاجتماعية السورية متعددة الطوائف والأعراق، ويتعلق بعضها بالموقع الجيوستراتيجي لسوريا في قلب المنطقة العربية، حيث تتحكم بمسارات نقل حيوية، وممرات تجارية، وتحالفات إقليمية، بما يجعلها منصة مهمة للتأثير على الشرق الأوسط وإعادة تشكيله.

تعود إستراتيجية إسرائيل لتفكيك سوريا إلى خمسينيات القرن الماضي، حسبما كشفته وثائق داخلية مسربة، لكنها تجسدت برؤية واضحة فيما عرف بـ"خطة ينون"، التي وضعها الدبلوماسي الإسرائيلي عوديد ينون سنة 1982، والتي دعت إلى تفكيك سوريا لمناطق تسكنها أقليات دينية وعرقية، وتشكل فيها عدة دويلات على أساس تلك التركيبة الطائفية والعرقية، بهدف أن تتحول هذه الكيانات إلى حلفاء ووكلاء خاضعين لحماية إسرائيل.

والواضح أن هذا التفكير تحول إلى مكون أساسي في الإستراتيجية الإسرائيلية في سوريا، والواضح أيضا أن إسرائيل، التي أظهرت فوضى واضحة في تكتيكاتها الخاصة بتنفيذ إستراتيجية تفتيت سوريا، تتجه اليوم لإعادة تشكيل سياساتها لتتوافق مع مواردها؛ احتمالَ أن يؤدي احتلالها العسكري كامل الجنوب السوري إلى استنزافها، ولا سيما في ظل الواقع الإقليمي والدولي الرافض تلك السياسات.

إعلان

فقد سبق أن لمح إستراتيجيوها وساستها إلى إنشاء "ممر داود" الذي يربط الجنوب بالشرق لدعم الكيانين الدرزي والكردي وتثبيتهما في الجغرافيا السورية، ثم، بعد أن قامت بتدمير البنى العسكرية السورية وتصاعد الأزمات بين المركز والأطراف، طورت إسرائيل أهدافها إلى إقامة دولتين درزية وكردية، بعد أن رأت أن الأدوات باتت موجودة وناضجة.

ولكن مفاجأة الاحتضان الإقليمي والدولي لسوريا الجديدة، وبروز تحالف إقليمي تركي- عربي، ذهب إلى حد التصعيد في مواجهة الخطط الإسرائيلية، دفعا إسرائيل إلى التراجع تكتيكيا ومرحليا عن "ممر داود" ودولتي الكرد والدروز، إلى إنشاء حائط درزي في جنوب سوريا كمرحلة أولى، على أن يتم تطويره في مرحلة لاحقة ليحقق الأهداف المشار إليها.

تقوم فكرة "الجدار الدرزي" على تشكيل مجموعات مسلحة من دروز قرى جبل الشيخ، التابعة لمنطقة قطنا، وتسليحها بأحدث أنواع الأسلحة، وتسليم قيادتها وإدارتها لدروز من الأراضي المحتلة خدموا في الجيش الإسرائيلي، وإنشاء غرفة عمليات داخل الأراضي المحتلة تنسق عمل هذه المجموعات.

وفي مرحلة لاحقة، تنخرط هذه المجموعات، بعد أن يتم توسيعها وزيادة حجمها، عبر إضافة منتسبين لها من محافظة السويداء وحتى من دروز الجولان، ضمن هياكل الجيش الإسرائيلي، من خلال المشاركة في الألوية التي تحتل الشريط الحدودي في جنوب سوريا، من القنيطرة إلى وادي اليرموك، ويشكلون حائطا يمنع أي تهديد قد يشكله سكان تلك المناطق على الجيش الإسرائيلي.

بالطبع، هذه الترتيبات ستضع ضمن خططها إجراء عمليات تفريغ وتهجير ديمغرافي من مناطق الشريط الحدودي، وهي عملية بدأت بالفعل، وإن بشكل محدود حتى اللحظة، لكن من المرجح أن تزداد عندما يتدخل العامل الطائفي في الصراع، ليستكمل ما تم البدء به في السويداء، التي شهدت عمليات تهجير البدو من مناطقهم التي عاشوا بها منذ مئات السنين.

الجدار الدرزي ليس كلاما من وحي الخيال، فقد تحدث عنه الزعيم وليد جنبلاط، الذي كان أول من زار دمشق والتقى بقيادتها، وحذرها من مخططات إسرائيل التي تهدف إلى إقامة "حائط درزي"، في تصريحات لم يبدُ أنها جاءت من فراغ، بل جاءت في سياق تحذيرات ممن يمتلك معطيات تؤكد تحذيراته. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تقوم بإجراءات لا تخطئها العين للتجهيز لهذا التطور.

تجهيز البنية للجدار

تراهن إسرائيل على التفاعلات الجارية في سوريا، وتعتقد أن الديناميكيات الطائفية والعرقية ستصنع واقعا جديدا، يعفي إسرائيل من التدخل العنيف والمكلف في الوقت نفسه، والذي قد يؤدي إلى عكس المتوقع والمطلوب، لذلك، بات الأمر يحتاج لترتيبات تناسب هذه الوقائع، ومن أهمها تجهيز البنية التحتية، والتي تستلزم:

  • أولا: إنضاج المطالبة بالحكم الذاتي في أكثر من منطقة سورية، بالتزامن مع ذلك يجري وضع الفخاخ في وجه حكومة الشرع، التي تواجه تحديات في إدارة التنوع والأزمات؛ لتجعل من أي خطأ يحدث مبررا مشروعا للمطالبة بالحكم الذاتي.

وفي هذا السياق، يجري تكثيف عمل المؤتمرات الداعية إلى اللامركزية، والقيام بضغط إعلامي لإحراج الأطراف المؤيدة لنظام دمشق، أو الداعمة لوحدة سوريا.

إعلان
  • ثانيا: تجهيز مقاربة جديدة للتعاطي مع الأقلية الدرزية، تقوم على فتح فرص العمل لدروز سوريا في الجولان السوري، في المشاريع الزراعية الإسرائيلية، بهدف ربطهم عاطفيا بإسرائيل، وتقوية التيارات الداعية إلى نسج علاقة معها على حساب القوى الوطنية التي تؤكد على وحدة سوريا.

وفي هذا السياق، يتم تجنيس دروز الجولان، إذ يبدو أن قسما كبيرا منهم، بعد أحداث السويداء، لم تعد لديهم موانع في التخلي عن الجنسية السورية. بالإضافة إلى ذلك، تقديم المساعدات الغذائية والطبية للقرى الدرزية في جبل الشيخ ومحافظة السويداء، وحتى إقامة بنية مؤسسية بذريعة مساعدة السكان.

  • ثالثا: التضييق على سكان الشريط الحدودي في القنيطرة ودرعا، من خلال حرمانهم من زراعة أراضيهم والرعي بمواشيهم، وهي مصادر الرزق الأساسية لسكان هذه المناطق، واتباع سياسة عنيفة معهم تقوم على الاعتقالات الدائمة، والاقتحامات، وعمليات التفتيش والمداهمة التي لا تحترم خصوصية السكان، كما هو حاصل الآن، ودفعهم إلى ترك مناطقهم والتوجه نحو درعا أو دمشق، في إطار عملية قضم وتهجير بطيئة لكنها حثيثة.
  • رابعا: تعمل إسرائيل على بناء بنية عسكرية في جنوب سوريا، تشمل تثبيت نقاط ارتكاز، وفرض منطقة منزوعة السلاح، وفرض سيطرة استخباراتية ومراقبة إستراتيجية لمحيط دمشق والجنوب.

وكل ذلك يأتي في سياق عملية تموضع إستراتيجية بعيدة المدى، تهدف إلى إعادة تصميم وتنسيق الواقع الأمني لجزء كبير من سوريا، بما يناسب رؤيتها الإستراتيجية للمنطقة.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت قد نقلت عن شخصيات عسكرية إسرائيلية أن العقيدة الجديدة للجيش الإسرائيلي، والتي تطبق بشكل حازم في سوريا الآن، تقوم على ثلاث دوائر أمنية.

يهمنا فيها هنا دائرتها الأولى، التي تشتمل على "حشود عسكرية كبيرة من القواعد، وتعميق الفصل بين البلدين، بواسطة وادٍ اصطناعي"، ويبدو أن الترجمة العملية لذلك هي الجدار الاصطناعي الذي نتحدث عنه.

إستراتيجية مواجهة

الحائط الدرزي، و"ممر داود"، والتجهيز لإنشاء كيانات انفصالية، هذه أدوات إسرائيل المعلنة لتحقيق إستراتيجيتها لتفكيك سوريا، والواضح أن هذا المشروع، الذي انتظر عقودا طويلة في أدراج مكاتب الموساد الإسرائيلي، يجري وضعه على الطاولة الآن، ودعمه بأدوات تشغيلية تؤمّن تنفيذه على الأرض.

يستدعي ذلك من النظام الحاكم في دمشق بناء إستراتيجية مواجهة، ليس بالضرورة أن يكون محتواها عسكريا، بسبب اختلال موازين القوى بشكل كبير، لكن عبر إعادة صياغة السياسات الداخلية، من خلال التراجع عن الإجراءات التي اتخذتها السلطة- ولا سيما مؤتمر الحوار الوطني والإعلان الدستوري- التي لم تكن سوى مسرحيات سيئة الإخراج.

المطلوب اليوم توسيع دائرة الحوار، والتوصل إلى إعلان دستوري يراعي الواقع السوري الحالي، ويضمن مشاركة أوسع طيف من السوريين.

المطلوب اليوم مساعدة القوى الوطنية السورية من كل المكونات لتستطيع الدفاع عن سوريا الموحدة في مواجهة الأصوات الانفصالية قبل أن يخترق مسار التفكيك الإسرائيلي الجدران السورية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا