Skip to main content

فتيات لبنان..."خُطفنَ" أم "هَشَلنَ"؟

28 آب 2025

في الأسابيع الأخيرة، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بأخبار صادمة عن اختطاف أكثر من خمسين فتاة على أيدي عصابة سورية منظَّمة، وسط تداول أخبار عن صور وفيديوات ورسائل نسبت إلى ذوي بعض الفتيات، أبرزها قضية الشابة ناتالي سكرية التي قيل إنّها اختُطفت من أمام الجامعة اللبنانية ونُقلت إلى الداخل السوري. هذه الأخبار أثارت الهلع، ودفعت كثيرين إلى التساؤل عن مصير الأمن الاجتماعي في البلد.

لكن سرعان ما أصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بيانًا نفت فيه بشكل قاطع صحة هذه الروايات، مؤكدة أنّها مجرّد شائعات مفبركة.

مصدر أمني متابع أكّد لـ "نداء الوطن أنّ الغالبية الساحقة من الفتيات اللواتي يتمّ التبليغ عن اختفائهن لم يتعرضن لعملية خطف فعلية، بل غادرن منازلهنّ لأسباب متعددة، أبرزها الزواج من دون موافقة الأهل أو خلافات عائلية حادة، أو خروجهن للعمل في مجالات غير مشروعة ولا تحظى برضى العائلة.

ويضيف المصدر أنّ قسماً من الأهالي يلجأ عمدًا إلى ترويج رواية "الخطف" حفاظًا على سمعته أمام محيطه الاجتماعي، خصوصًا في البيئات المتشدّدة، حيث أي "فضيحة" تستوجب تغليفها بحكاية الاختطاف.

وفي حديث لـ "نداء الوطن" أشارت الدكتورة في علم النفس ريتا هيكل حسون عطالله إلى أنه بعد كل الأزمات التي مرّ بها لبنان، والتي لم تبدأ عام 2019 فقط بل منذ عام 2016، بدأنا نلحظ تزايدًا في الاضطرابات والسلوكيات غير السويّة. اليوم، ومع تكرار الأزمات المتنوعة التي انعكست على مختلف الصعد، نلاحظ أنّ هناك حالات فقدان لفتيات، بعضهنّ يعدن، وبعضهنّ لا يعدن. والسؤال الأساسي: ما السبب وراء غياب هؤلاء الفتيات؟

تقول: "إذا أردنا أن نكون علميين ودقيقين، يجب أن ندرس كل حالة على حدة، وأن نحلّل الظروف الفردية، العائلية، والبيئية المحيطة بها، إضافةً إلى الوضع النفسي والعقلي للفتاة، لكي نستطيع أن نكون موضوعيين مئة في المئة. لكن، في الوقت نفسه، يمكننا إجراء دراسة عامة وقد بدأنا بالفعل هذا العمل لفهم ما الذي يجعل هذه الظاهرة تتفاقم. ما نشهده اليوم أنّ فتيات، مراهقات وشابات، من مختلف الأعمار، يختفين لأسباب متعدّدة: منها ما هو شخصي، ومنها ما هو مرتبط بقرارات عائلية، ومنها ما قد يكون بدافع خارجي أو حتى مرتبط بخطط محددة".

وأشارت إلى أنّ المشكلة اليوم تكمن في أنّ بعض الفتيات، سواء عبر المحادثات الإلكترونية أو في الواقع، ينجرفن إلى ممارسة الدعارة. وهنا لا نتحدث فقط عن "علاقات فردية" أو "منافع شخصية"، بل عن دخول مباشر في جرائم الاتجار بالبشر، وهي جرائم كبرى. وهذه الجريمة، بحسب عطالله، تؤدي إلى نتائج مدمّرة على أكثر من صعيد: أولًا تدمير الشخص نفسه نفسيًا وجسديًا، ثانيًا الإضرار بالمجتمع والبيئة المحيطة، من خلال انتشار الأمراض والانحرافات الاجتماعية وثالثًا تكريس أنماط استغلالية يصعب التخلّص منها بسهولة.

ولفتت إلى أنّ "ما يحصل اليوم ليس جديدًا بالكامل، لكنّه بات أكثر وضوحًا وانكشافًا بفعل مواقع التواصل من جهة، وبسبب الأزمات الاجتماعية والاقتصادية من جهة ثانية".

وأوضحت: "لا يمكن أن نقول إنّ الدعارة هي السبب الوحيد الذي يفسّر اختفاء بعض الفتيات. فهناك حالات تكون فيها الفتاة هاربة للزواج ممّن تحب أو لتجاوز رفض الأهل، لكن عندما نستخدم مصطلح (Prostitution) أو الدعارة، فإنّنا نصف ممارسة علاقات جنسية مقابل منفعة مادية، سواء أموال أو هدايا أو مكاسب أخرى، مع أشخاص قد يعرفنهم أو لا يعرفنهم. وهنا نحن أمام ظاهرة متكاملة لا يمكن اختزالها بظرف شخصي عابر".

وختمت د. عطالله بالقول: "قد تدخل بعض الفتيات في هذا الطريق تحت الضغط أو الغصب أو نتيجة التعرّض لغسل دماغ من قبل أطراف معيّنة، أو حتى بسبب ظروف قاهرة. وفي بعض الأحيان، تخرج الفتاة مرة أو مرتين فقط بهدف كسب المال، ومع ذلك فهذا يُعدّ شكلًا من أشكال الدعارة".

يرى متابعون أنّ مفهوم الدعارة في لبنان تغيّر مع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. فبعد أن كانت تُوصَف تقليديًا بأنّها "مهنة" تمتهنها بعض النساء بشكل ثابت ومنظّم، باتت الأزمة الخانقة تدفع عددًا من الفتيات إلى اللجوء إليها بصورة ظرفية وموقتة. بعضهنّ قد يخرجن من منازلهنّ ليلة أو ليلتين فقط بهدف تأمين مبلغ مالي إضافي لتغطية مصاريف ملحّة، ثم يعدن إلى حياتهنّ اليومية كأن شيئاً لم يكن. هذا التحوّل يعكس خطورة الأزمة الاقتصادية التي لم تكتفِ بدفع الشباب إلى الهجرة أو البطالة، بل مسّت أيضاً بالخيارات الفردية للفتيات اللواتي وجدن أنفسهنّ أمام أبواب مغلقة سوى باب الاستغلال الجسدي مقابل المال.

يبقى المؤكّد أنّ لبنان لا يشهد اليوم موجة "خطف منظّم للفتيات" كما يروَّج، بل يواجه ظاهرة اجتماعية معقّدة مرتبطة بالصراعات العائلية والخيارات الفردية للفتيات. أمّا الأخطر فهو استسهال إطلاق التهم ونسج الروايات، ما يحوّل قضايا شخصية إلى ملفّات أمنية وهمية.

ماريانا الخوري - نداء الوطن

The post فتيات لبنان..."خُطفنَ" أم "هَشَلنَ"؟ appeared first on LebanonFiles.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا