الشرع وبوتين يفتحان صفحة جديدة في علاقتهما.. لماذا الآن؟

باحث في العلاقات الدولية.
Published On 18/9/202518/9/2025|آخر تحديث: 15:24 (توقيت مكة)آخر تحديث: 15:24 (توقيت مكة)حفظ

خطَت العلاقة الجديدة بين روسيا والحكم الجديد في سوريا، خطوات متقدمة مؤخرا بالزيارة رفيعة المستوى التي أجراها وفد روسي لدمشق في سبتمبر/أيلول الجاري، والدعوة التي وجهها الرئيس فلاديمير بوتين لنظيره السوري أحمد الشرع للمشاركة في القمة العربية الروسية في موسكو الشهر المقبل.
في السياسة لا خصومَ دائمين ولا أصدقاء دائمين. وهذا التفاعل بين أعداء الأمس يعكس كيف أن لغة المصالح تتفوق في نهاية المطاف على أي شيء آخر.
لقد ساهمت براغماتية الشرع في التعامل مع روسيا منذ توليه السلطة في تأسيس أرضية للدبلوماسية مع موسكو. وبالمثل، فإن الأخيرة لم تتردد في الانفتاح على دمشق منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد. وقد أرسلت بالفعل إشارات متعددة تفيد برغبتها في الحفاظ على حضور لها في سوريا.
مع أن العلاقات الإستراتيجية العميقة التي ترجع لعقود طويلة تفسر جانبا من حرص دمشق وموسكو في الحفاظ عليها، إلا أن هناك الكثير من الدوافع والمحركات المختلفة لهذه العلاقة.
فسوريا، بالنسبة لبوتين، لا تزال مهمة للحفاظ على حضور روسيا في معادلات توازن القوى في الشرق الأوسط حتى لو كان حاكمها الجديد عدوا بالأمس. كما أنها لا تزال تحتفظ بقاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية على الساحل السوري، وهي منطقة تقطنها غالبية العلويين، وينشط فيها فلول النظام السابق.
ويبدو أن الشرع يتعامل مع الوجود الروسي في هذه المنطقة بحساسية عالية، ولا يريد أن يتحول هذا الوجود إلى مصدر تهديد آخر لاستقرار الحكم الجديد، لا سيما أن أحداث مارس/آذار الماضي أظهرت أن نشاط فلول النظام السابق في المنطقة، يمكن أن يسبب صدعا أمنيا وسياسيا كبيرا للشرع.
مع ذلك، لدى الشرع أسباب أخرى تدفعه إلى تبني خطاب ودي تجاه روسيا. فالعلاقة معها، من وجهة نظر الشرع، تساعد دمشق في موازنة المخاطر الكبيرة الناجمة عن التحدي الذي تشكله إسرائيل لسوريا، وعن حالة عدم اليقين بشأن مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة والغرب.
إعلانويبدو أن دور روسيا في إدارة التدخل الإسرائيلي في سوريا أثناء فترة الحرب، يعمل كمحفز للشرع للتفكير في مزايا العلاقة الجيدة معها في هذه الفترة.
ومن المفارقة أن هذا الاهتمام السوري بروسيا يتقاطع مع الضغوط التي تمارسها إسرائيل على الولايات المتحدة للسماح لموسكو بالاحتفاظ بوجودها العسكري في سوريا؛ بهدف تحقيق مصالحها الأمنية، وتقويض الطموحات التركية التي تراها تل أبيب تهديدا إستراتيجيا لها.
مع ذلك، فإن هذا التقاطع في المصالح المتبادلة بين موسكو ودمشق لا يعني أن العلاقة الجديدة ستكون شبيهة بالتحالف الوثيق بينهما خلال حكم آل الأسد. كما أن العقبات التي تعترض العلاقة الجديدة كثيرة.
سيتوقف بناء علاقة منفعة متبادلة بين الطرفين على مجموعة من العوامل، على رأسها أن تحقق هذه العلاقة المصالح الإستراتيجية المتبادلة، وتعالج العقبات الجوهرية التي تعترض سبيلها، مثل مستقبل الوجود العسكري الروسي، ومصير بشار الأسد وكبار قادة نظامه المتواجدين في روسيا، والضغوط الخارجية التي تواجه دمشق في تشكيل علاقاتها الخارجية عموما.
تشكل قاعدتا حميميم وطرطوس أولوية إستراتيجية لروسيا، إذ توفران منفذا حيويا إلى البحر الأبيض المتوسط، وتدعمان العمليات اللوجيستية الروسية في أفريقيا والشرق الأوسط.
لكن دمشق ستسعى إلى إبرام اتفاقيات جديدة بخصوص استمرار هذه القواعد عبر عقود زمنية محددة بدلا من الاتفاقيات طويلة الأمد التي أبرمت في السابق، فضلا عن تحقيق أكبر قدر من المنافع السياسية والاقتصادية من موسكو مقابل ذلك.
مع أن ملف بشار الأسد وقادة نظامه المتواجدين في روسيا لا يظهر في الوقت الحالي كعقبة كبيرة أمام الدبلوماسية الجديدة بين موسكو ودمشق، إلا أن هذا الملف سيبقى ضاغطا على هذه العلاقة.
مع ذلك، يمكن لموسكو أن تظهر قدرا أكبر من النوايا الحسنة تجاه دمشق من خلال إظهار استعدادها للتعاون معها، بما في ذلك دراسة إمكانية ترحيل هذه الشخصيات إلى سوريا لمحاكمتهم على جرائم الحرب التي ارتكبوها سابقا.
علاوة على ذلك، يشكل الموقف الغربي، وخاصة الأوروبي، عقبة إضافية أمام العلاقات الروسية- السورية، إذ تبدي دول أوروبية رغبة في دفع الإدارة السورية لإنهاء الوجود العسكري الروسي، معتبرة أن القواعد الروسية تعيق اندماج سوريا في النظام الدولي الجديد.
في المقابل، لم تظهر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب موقفا صلبا ضد استمرار هذه القواعد، مما يمنح دمشق هامشا من المرونة في التعامل مع موسكو. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن تركز حاليا على منع إيران من إعادة بناء نفوذها في سوريا، مما يقلل من الضغط المباشر على الشرع بشأن العلاقات مع روسيا.
تظهر المصالح الدولية المتناقضة في سوريا كعنصر ضغط آخر على العلاقات الروسية- السورية. يتبنى الشرع سياسة خارجية متوازنة تسعى للتوفيق بين علاقاتها مع روسيا، والغرب، وتركيا، والدول العربية.
وهذه السياسة تجعل العلاقات مع روسيا مشروطة بالبدائل الاقتصادية والسياسية التي يقدمها الشركاء الآخرون. على الرغم من هذه التحديات، تظل هناك دوافع قوية تدفع موسكو ودمشق نحو التفاهم.
إعلانبالنسبة لأحمد الشرع، تشكل العلاقة مع روسيا ضرورة إستراتيجية لتجنب أي دور محتمل لموسكو في تقويض استقرار الحكم الجديد، وللاستفادة من الإرث الطويل للعلاقات الثنائية في مواجهة تحديات خارجية.
ومن جانبها، تحتاج روسيا إلى الحفاظ على حضورها في سوريا للحفاظ على نفوذها الإقليمي وتأمين مصالحها الجيوسياسية.
وتشكل هذه المصالح المتبادلة أساسا لإعادة صياغة العلاقات على أسس جديدة، تراعي طموحات دمشق في بناء سياسة خارجية متعددة الاتجاهات، وتضمن لروسيا الحفاظ على موطئ قدم في الشرق الأوسط.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.