جاء في المدن
من المؤكد أن السؤال الملح اليوم يتمحور حول تداعيات اتفاق غزة على لبنان. لا يختلف المراقب لسياسة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في أنه بات يعتاش على الحروب لحماية وضعه السياسي، وأيضاً لتحقيق مسعاه في أن يتحول إلى ملك ملوك إسرائيل من خلال عمليات غير مسبوقة، ومن خلال نتائج هذه الحروب. حتى الآن استطاع نتنياهو إحياء مشروع إسرائيل الكبرى، مع اعتراف رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب بحاجة إسرائيل إلى التوسع.
فهل لهذا الاتفاق تداعيات مباشرة على لبنان؟ وهل يمكن شن حرب جديدة ليحقق نتنياهو ما يريد؟
استناداً إلى المعطيات المتعلقة بالواقع اللبناني يمكن التحقق من احتمالات أن تذهب إسرائيل إلى الحرب على لبنان من عدمه:
-
وفق موازين القوى التي تشكلت بعد حرب أولي البأس في لبنان وسقوط سوريا، تحوّل الطرف الأميركي إلى لاعب أساسي والوصي المباشر على الوضع اللبناني. وهذا يعني أن الحرب الإسرائيلية على لبنان مرتبطة بالضوء الأخضر الأميركي أو بالرؤية الأميركية للواقع في لبنان. ولا يبدو أن أميركا ترى أن المصلحة تقتضي في هذه المرحلة عودة الحرب المفتوحة إلى لبنان، لا سيما أن من المواقع الأساسية لتحقيق اتفاق وقف النار في غزة وإنهاء الحرب هو سعي ترامب إلى نيل جائزة نوبل للسلام، وهذا يعني أن لا مصلحة له في إشعال حرب في لبنان قد تُتهم أميركا بخوضها.
-
لقد نجح الأميركي من خلال ورقة توم باراك في نقل الاشتباك بين لبنان وإسرائيل إلى صراع داخلي بين اللبنانيين حول موضوع حصرية السلاح. وهذا الأمر استثمرته إسرائيل بما يجعلها لا تحتاج إلى حرب تعيد تظهير صورتها البشعة في العالم، مقابل إيجاد مؤشر داخلي لبناني تستفيد منه من دون أي عناء أو جهد.
-
إن التزام المقاومة ولبنان بالاتفاق، في مقابل خرق إسرائيل له، يُسقط عن إسرائيل أي مشروعية لممارسة حرب واسعة، تلك المشروعية التي وفرتها لحربها السابقة من خلال ادعائها أن المقاومة في لبنان هي التي اعتدت على إسرائيل.
-
من يراقب الداخل الإسرائيلي ومواقف مسؤوليه يجد أن اهتمام إسرائيل الكبير هو التصعيد مجدداً في مواجهة إيران، مستفيدة من قرار مجلس الأمن إعادة العقوبات عليها تحت عنوان عدم تعاونها في الملف النووي. وربما من زاوية أخرى، إذا استطاعت إسرائيل توجيه ضربة لإيران فستكون لنتائجها آثار إيجابية بالنسبة لها في إضعاف وضع المقاومة في لبنان.
ولكن بناءً على ما تقدم، ما هي الاحتمالات الأخرى للوضع في لبنان في المراحل المقبلة؟
-
يمكن أن يستمر الإسرائيلي في إبقاء العدوان مفتوحاً ليحقق من خلاله أهدافه دون تحمّل الكلفة السياسية والعسكرية وربما الاقتصادية لتداعيات حرب واسعة على لبنان. وهذه الوتيرة من الاعتداءات يمكن أن تكون منخفضة أو مرتفعة بناءً على الظروف والمعطيات التي يقدّرها الإسرائيلي، مع الإشارة إلى أنه في الآونة الأخيرة أسقط الإسرائيلي بعض المحاذير لاستهداف المدنيين، في عمليات ضد أشخاص يدّعي أنهم ينتمون إلى المقاومة، مثل عائلة بزي في بنت جبيل وجريح البيجر وزوجته، ووجود سيارته وسط المواطنين.
ولتجنّب انعكاسات هذا الستاتيكو السيئ على الوضع الداخلي، ومن خلال مؤشرات معينة، يمكن تلمّس منحى لدى المسؤولين في السلطة أو لدى حزب الله لتهدئة الأمور وخفض التوتر ودفعها باتجاه الابتعاد عن التشنج. وهو ما سيتبلور في لقاءات واجتماعات قريبة تصب في هذا الاتجاه.
أما في ما يتعلق بالمقاربة التي تتناول موقف حزب الله من موضوع تسليم السلاح بعد أن حاول البعض ربط هذا الموضوع بنتائج اتفاق غزة، والتسويق لفكرة أن حماس وافقت على تسليم سلاحها – وهو الأمر الذي لم تُظهره بنود الاتفاق حتى الآن بشكل واضح – فهل ينعكس ذلك على حزب الله لناحية تسليم سلاحه؟
المقرّبون من حزب الله يؤكدون أن سلاح المقاومة في غزة هو الذي أنتج هذا الاتفاق الذي أسقط كل أهداف المشروع الإسرائيلي وما ادعاه نتنياهو من إنجازات، كالتي تبدأ بتسليم الأسرى من دون قيد أو شرط، وهذا لم يتحقق إلا ضمن صفقة تبادل، والتي سبقها عدة صفقات.
لقد أفضى الاتفاق إلى انسحاب إسرائيل، ومنع تهجير الفلسطينيين، وبقائهم في أراضيهم، وإدخال المساعدات للتخفيف من معاناتهم وإعادة الإعمار، وهذا كله لم يتحقق إلا من خلال المقاومة وقدرتها على الصمود والاستمرار في إيلام العدو. كما أن هذا السلاح هو الذي وفّر وجود ضامنين للاتفاق بدءاً من أميركا بشخص رئيسها دونالد ترامب، إلى قطر ومصر والسعودية وتركيا.
أجواء المقربين تشير إلى وجوب أن نقرأ موضوع التعاطي مع السلاح من هذه الزاوية، ومن خلال ما حققته المقاومة، وأن يُقيَّم بشكل علمي وموضوعي ما أنتجته سياسة الدبلوماسية في وقف العدوان واستعادة الحق، لا من زاوية تسجيل النقاط، بل من زاوية المطالبة بضرورة تفعيل الدبلوماسية ووضع برنامج فاعل لتحقيق مطالب لبنان من خلال هذا المسار الذي تُسجَّل المقاومة تقصيراً فيه على الدولة.