Skip to main content

ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة؟

12 تشرين الأول 2025

كثيرة هي التحديات التي ينتظرها الشعب الفلسطيني مع توقف حرب استمرت لعامين وأتت على أكثر من 67 ألف شهيد، فضلاً عن الآلاف من الجرحى والمصابين والمفقودين، ولعل التحدي الأبرز يتمثل في شكل الإدارة السياسيّة المقبلة وطبيعتها ودورها، وفي إعادة الإعمار بعد أن أصبح القطاع مهدماً بشكل كامل، ولم يبق فيه إلا القليل المتضرر، وهذه عملية ضخمة.

وإذا كانت العين مركزة على قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، خصوصاً على ضوء الغموض الذي يكتنف بعض بنود اتفاق وقف إطلاق النار والإشكاليات السياسيّة والتنفيذية التي سوف تعترض الطريق المتعرجة لتطبيقه؛ فإن لبنان أيضاً يترقب مسارات هذا الاتفاق ومآلاته المستقبلية وانعكاساته المحتملة عليه. وثمة فرضيّات تُستهلك بكثرة في وسائل الإعلام اللبنانية وغير اللبنانية حول آفاق المرحلة المقبلة، وبعضها يحتاج إلى تفنيد وتحليل لأنها تأخذ الرأي العام في اتجاهات خطيرة.

لعل من أبرز تلك المقولات أن إسرائيل سوف «تتفرغ» للبنان بعد وقف إطلاق النار في غزة، وأنها سوف تنقض عليه حرباً وقتلاً ودماراً. لا شك أنه ليس هناك من رادع سياسي أو أخلاقي يقف في وجه إسرائيل عن القيام بذلك، وليس هناك عملياً من قد يمنعها عن القيام بذلك؛ ولكن السؤال يتصل بمدى حاجتها إلى سلوك هذا الخيار.

ما يجري اليوم هو أن إسرائيل تنتهك بصورة يوميّة اتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ومسيّراتها تغير على القرى اللبنانية و«تصطاد» أي شخص تعدّه معادياً لها، وتفجّر مباني أو أماكن تقول إن فيها مستودعات من الأسلحة، حتى إنها أغارت على موقع للجرافات وآليات البناء في قرية يملك فيها رئيس مجلس النواب اللبناني مقراً صيفياً. وما دامت تقوم بذلك دون حسيب أو رقيب، وفي ظل التخلي التام للراعِيَين الدوليَّين - أي الولايات المتحدة وفرنسا - عن ممارسة الضغط اللازم لوقف ذلك، فإنها ستواصل انتهاكاتها للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً.

من غير المتوقع «تقليم أظافر» إسرائيل في الوقت الراهن، لا سيما على ضوء الاختلال الكبير في موازين القوى الذي حصل في المنطقة خلال العام الماضي، بحيث صارت هي اللاعب الأقوى وربما الأوحد القادر على ضرب ستة أو سبعة بلدان دون أي محاسبة. ولكن من غير الممكن أيضاً أن تتناغم الولايات المتحدة بشكل كامل مع المطالب الإسرائيليّة، ومن ثم تقدّم نفسها على أنها وسيط نزيه ومستقل.

لا شك أن إيقاف حرب الإبادة في غزة كان خطوة مهمة ومنتظرة، إذ شهد العالم حرباً غير مسبوقة من حيث ضراوتها واستهدافها للمدنيين، للأطفال والنساء والشيوخ، للأطباء والممرضين والمسعفين، للإعلاميين والصحافيين. كما أن سياسة التجويع المتعمدة التي طبقها الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر الماضية أيضاً كان يجب أن تتوقف.

لن يكون الترويج المتواصل لـ«السلام» الذي تتحدث عنه الإدارة الأميركيّة، بقيادة الرئيس دونالد ترمب، (وهو كان يطمح لنيل جائزة «نوبل» للسلام) ممكناً إذا تواصلت سياسة الفوقية الإسرائيليّة، والسياسة الأميركية المبنية على دعم التفوق الإقليمي الإسرائيلي. السلام لا يكون سلاماً بين منتصر ومنهزم، ولا يكون سلاماً دون مراعاة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي طليعة تلك الحقوق قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وحق العودة.

لقد تأخر الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ثمانية عقود، وهو ما شكّل انتقاصاً من الحقوق الفلسطينية وانتصاراً لإسرائيل، فصار المحتل يملك دولة، بينما صار صاحب الأرض الأصلي محروماً، لا، بل ممنوعاً من إقامة دولته المستقلة. وسياسة المعايير المزدوجة ظهرت بوضوح وجلاء مع اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022.

الشرق الأوسط على أعتاب مرحلة جديدة، هذا أمر أكيد، ولكن شكل هذه المرحلة وطبيعتها لا يزالان غير واضحَين تماماً، وهي تنذر بتداعيات وخيمة ما لم تؤخذ في الاعتبار العناصر أعلاه.

رامي الريس - الشرق الاوسط

The post ماذا بعد وقف إطلاق النار في غزة؟ appeared first on أخبار الساعة من لبنان والعالم بشكل مباشر | Lebanonfiles | ليبانون فايلز.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا