خاص - شبكة قدس الإخبارية: خلال الأيام الماضية، انتشرت الأخبار حول صعود عصابات تعمل عل سرقة المساعدات الإنسانية الداخلة على قطاع غزة، والإستيلاء عليها عنوةً بقوة السلاح، بلغ الأمر ذروته يوم أمس الأحد، عندما أقدمت هذه العصابات على سرقة 109 شاحانات محملة بالمساعدات، من أصل 150 شاحنة دخلت القطاع.
نشأت هذه الظاهرة منذ فترة تقارب الشهر والنصف، في حين تعالت أصوات المكلومين من حرب الإبادة، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، واحتكارها لدى بعض الجهات، في حين تأزمت الظاهرة لتطفو على السطح بشكل عصاباتٍ إجرامية منظمة، نسعى في هذا التقرير لكشف خيوط هذه الظاهرة منذ تأسيسها مروراً بمحاولة محاربتها وصولاً إلى الواقع، وللإجابة عن عدة أسئلةٍ عنها.
بذور الإجرام والنمو في الحرب
في حديثٍ خاص لـ"شبكة قدس" ، قال الكاتب والباحث السياسي أحمد الطناني، إن منذ الأيام الأولى لإعادة دخول شاحنات المساعدات الإنسانية في 21 تشرين أول/أكتوبر 2024، بعد أسابيعٍ من الحصار المشدد، بدأت الظاهرة على شكلٍ من أشكال التعبير عن حجم المعاناة والحاجة التي سببتها المجاعة، وسرعان ما كُشف الستار عن وجود نوايا تخريبية وإجرامية للعديد من اللصوص والمجرمين الذين تحصنوا في المناطق الحدودية، وعملوا على استثمار حالة غياب قوى الأمن نتيجة استهداف الاحتلال لها، في حين سبق ذلك هجوم على مخازن وكالة الغوث من قبل بعض الفلسطينيين، وتسلل "البلطجية".
وأضاف الطناني إن خلال الشهور الماضية، ظهرت حالات من سرقة منازل النازحين، واتسعت تدريجياً مع غياب الأمن الذي عمل الاحتلال على تحطيم قوته واغتيال عناصره.
وأكد الطناني أن القائمين بدرجة أساسية على قيادة العصابات الإجرامية بالغالب هم محكومين سابقين إما مؤبدات أو إعدام، جزء منهم متهم بقتل، وجزء آخر تجار مخدرات، وبغالبهم أبناء حمولات عائلية، ومع بداية الحرب خرج كل هؤلاء من السجون، وبدأ النشاط في عمليات البلطجة والسرقة، أولًا باعتبار أن جميع هؤلاء حسابات الربح والخسارة محسومة لديهم، الربح الصافي توسع الفوضى وسقوط نظام الحكم، والخسارة الكبرى في عودة النظام وصمود الجهات الحكومية والأجهزة الأمنية.
واعتبر الطناني وفق للمعطيات على أرض الواقع، إن جيش الاحتلال استثمر في توفير مساحات آمنة لهذه العصابات بالسماح لهم بالعمل بحرية قرب الأماكن الحدودية وفي محيط المعابر، بينما يستهدف كل الطواقم الأمنية والشرطية وأي مجموعات أمن فصائلية ولجان شعبية تقترب من هذه الأماكن، أو تحاول تنظيم عملية توزيع المساعدات.
إضافة إلى ذلك، وضح الطناني إن هناك حالة تواطؤ بين سائقي الشاحنات والسارقين، بحيث يتم الاتفاق بين بعض السائقين ومجموعات البلطجة على مسار الحركة، والادعاء أن الشاحنة تم سرقتها، ويحصل السائق على تكاليف النقل من الجهة الممولة، وعلى حصته من سرقة الشاحنات وحمولتها، لذلك نجد السرقات أغلبها لشاحنات المؤسسات، بينما لا تجري حالات سرقة كبيرة لشاحنات التجار.
المؤسسات الدولية واشتراكها بالجريمة
ويقول الطناني إن جزء من المؤسسات الدولية دفعت أموالاً مباشرة لهذه العصابات تحت عنوان "تأمين الشاحنات" وهذه الأموال سمحت لهذه المجموعات بالتوسع وشراء المزيد من السلاح والأتباع. في ذات الوقت رفضت هذه المؤسسات أي شكل من أشكال التعاون مع الجهات الحكومية الأمنية، والأمر سيان في التعاون مع لجان الحماية الشعبية.
أين اختفى الأمن الفلسطيني والفصائيلي من غزة؟
منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، عمل جيش الاحتلال على استهداف مراكز الشرطة الفلسطينية والمراكز الأمنية في قطاع غزة، شمل الاستهداف عمليات اغتيالٍ مباشرة طالت عناصر وضباط الأمن الذين حاولوا فرض الأمان وتنظيم توزيع المساعدات على الفلسطينيين.
أبرز هذه الحالات اغتيال الشهيد المقدم فايق المبحوح، الذي ارتقى بعد اشتباكٍ مسلح تمكن به من قتل ضابط في جيش الاحتلال، جاء اغتيال المبحوح بعد إشرافه على توزيع الطحين بساعات قليلة، تبعه الشهيد المقدم رائد البنا، الذي اغتيل برفقة وزوجته وأبنائه جراء قصف إإسرائيلي على منزلهم.
وأكد الطناني أن الأمن يدفع بتضحيات يومية من شهداء وجرحى بسبب محاولتهم تأمين سير شاحانات المساعادات، وتطور وتوسع الاستهداف ليطال لجان الحماية الشعبية التي شكلتها فصائل المقاومة بالتعاون مع وزارة الداخلية بهدف تثبت فرض الأمن والتصدي لعصابات البلطجة والسرقة، وهي لجان تعرضت لاستهداف متكرر أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء من بين اعضاءها، هذا أثبت سلوك تكاملي، ما بين الاستهداف الإسرائيلي، وبين تنامي فعل مجموعات الفوضى والبلطجة.
وقد تعزز هذا الأمر بعد اجتياح رفح وخروج معبر رفح عن الخدمة وتحول مدينة رفح إلى منطقة عسكرية، حيث لا يمكن أن يصل الأمن إلى مناطق عمليات جيش الاحتلال بسبب الاستهداف المتكرر من جيش الاحتلال، الذي يسمح بحركة سلسلة لعصابات الإجرام لتعترض طريق الشاحنات الخارجة من معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الاسرائيلية.
وعند سؤاله عن آلية تمكن هذه العصابات من العمل، قال الطناني إن "استغلال المساحة التي وفرها الاحتلال للتحرك بعيدًا عن القبضة الأمنية، استثمار الخاوات والمردودات المالية عن عمليات السرقة في شراء المزيد من السلاح والأتباع، والتحصن في بعض الحواضن العائلية التي ينتمي لها قادة مجموعات الإجرام، واستغلال الواقع الاقتصادي الصعب في تجنيد وتوسيع القدرات البشرية للعصابات".
وقبل يومين أكثر من ٦ شهداء من لجان الحماية الشعبية باستهداف في منطقة موراج شمال شرق رفح، وبالأمس كان هناك استهداف لقوة أمنية في منطقة قيزان النجار جنوب شرق خانيونس.
ويوم أمس تدخلت المدفعية لقصف قوة أمنية حاولت التصدي لعملية سرقة الشاحنات شرق رفح، وارتقى من بين أفرادها شهداء، إضافة للعديد من الجرحى.
ما وراء السرقة
ويرى الطناني إن ما يجري الآن هو عملية احتيال كبيرة تجري بخصوص المساعدات، الأمر ليس بلطجة وسرقة فقط، هناك تواطؤ بين سائقي الشاحنات والسارقين، بحيث يتم الاتفاق بين بعض السائقين ومجموعات البلطجة على مسار الحركة، والادعاء أن الشاحنة تم سرقتها، ويحصل السائق على تكاليف النقل من الجهة الممولة، وعلى حصته من سرقة الشاحنات وحمولتها، لذلك نجد السرقات أغلبها لشاحنات المؤسسات، بينما لا تجري حالات سرقة كبيرة لشاحنات التجار.
أما عن ذهاب الاحتلال لخيار معبر كيسوفيم، فقال الطناني إنها مجرد حيلة جديدة لإنشاء المزيد من مناطق البلطجة، ومن المعروف أن مسار الشاحنات عبر هذا المعبر سيمر من مجموعات من أماكن النفوذ العشائري الموجودة لبعض البلطجية، وبالتالي خلق جيوب جديدة في محيط هذا المعبر.
واختتم الطناني حديثه قائلاً: "الأمر في محصلته هو جزء من عملية تراكمية عبر أجزاء كثيرة هدفها بالمحصلة الاجهاز على المؤسسات الحكومية القائمة، واختراق الحاجز النفسي لدى أهالي القطاع بأن الحكم القائم انتهى، والسماح بتشكل أمراء حرب مع قوى مسلحة في بعض المناطق المؤمنة من الاحتلال بما يعزز توسعها، مع نسج علاقة عمل بين هذه المجموعات وبين بعض رجال الأعمال الذين يمنحهم الاحتلال امتيازات خاصة (حيتان التنسيقات التجارية)، إضافة لعلاقة مع بعض المؤسسات الدولية التي تنشط في مجال اختراق النظام القائم وتجاوز السلطات الحكومية والفصائل في قطاع غزة".
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا