فطور لبناني تقليدي للنازحين في رسالة صمود وتضامن
مدة الفيديو 03 minutes 11 seconds 03:11نجية دهشة25/11/2024صيدا- وسط الحرب الإسرائيلية على لبنان، وبعد أكثر من عام على النزوح، التقت مجموعة من السيدات اللبنانيات من البلدات الحدودية المختلفة بزاوية باحة في مركز إيواء "ثانوية الدكتور نزيه البرزي الرسمية" في مدينة صيدا، لإعداد خبز الصاج، وهي الحرفة التي توارثنها عن أمهاتهن وجداتهن.
ورغم قسوة الظروف التي يعشنها كنازحات، قررن الحفاظ على هذا التقليد القروي، فخبز الصاج أو "المرقوق" يحضّر على صاج معدني كبير فوق نار الحطب أو الغاز، لكنه برائحته المميزة التي تعبق بالمكان، لم يعد مجرد طعام، بل أصبح رمزا للذاكرة الجماعية لأهل الجنوب، ووسيلة للتشبث بالجذور، وتحول مؤخرا إلى تذكار حي يعيد للأذهان عبق أيام السلم.
رمز الذاكرة
تقول أم حسين، النازحة من بلدة يارين "حين كنا نجتمع حول الصاج في قريتنا، كان عبق الخبز الساخن يملأ الأجواء، ويغمرنا شعور بالألفة والسعادة، لم ننسَ عاداتنا ولا ذكرياتنا، واليوم رغم صعوبة الظروف نحاول استعادة تلك اللحظات في مركز الإيواء، والحفاظ على هذه العادة يجعلنا نشعر وكأننا نعيش شيئا من روح أرضنا هنا".
وتتذكر أم علي، النازحة من بلدة مارون الراس أيام ما قبل الحرب، وتقول للجزيرة نت "نصنع الخبز من الطحين والماء والملح والخميرة، كان هذا فطورنا الصباحي الذي نجتمع حوله كأسرة واحدة، واليوم رغم أننا في مركز الإيواء نصنع نفس الخبز، ولكن بدلا من الأسرة الصغيرة، أصبحنا عائلة كبيرة تضم جميع النازحين".
وبينما كانت أم علاء، إحدى النازحات، تعجن الخبز، إذ غلبها الحنين وقالت متأثرة للجزيرة نت "كلما تخيلت قريتنا، أشعر برغبة في تقبيل الأرض وشمّ ترابها إن شاء الله نعود قريبا".
ورغم قلقها على مصير منزلها وأرضها، تؤمن بأن العودة -حتى لو كانت إلى أطلال- ستكون مليئة بالسلام الداخلي، وتوضح "حتى لو عدنا إلى بقايا منزلنا سنعيش بسعادة لأن هذه أرض الجنوب الغالية".
إفطار جماعي
ومن زاوية إعداد الخبز، انتقلت السيدات إلى ملعب المدرسة، حيث كان النازحون ومسؤولو المدرسة والمتطوعون في انتظارهن، وقد أُعدت مائدة إفطار غنية بأطباق لبنانية تقليدية، مثل اللبنة والفول والحمص والخضار، في مبادرة نظمتها "جمعية الكشاف المسلم" بالتعاون مع جمعية التعاون الإنساني. وتهدف هذه المبادرة، التي تُقام لأول مرة في أحد مراكز الإيواء بصيدا، إلى تعزيز التضامن والصمود والتأكيد على وحدة الشعب اللبناني.
يقول مفوض "الكشاف المسلم" في الجنوب رامي بشاشة للجزيرة نت "من خلال هذه المبادرة، نبعث برسالة أُلفة وصمود، تؤكد أننا عائلة واحدة متماسكة، والشعب اللبناني يقف موحدًا اليوم، ويدًا بيد نقف لدعم بعضنا البعض، هذه المبادرة البسيطة تعبر عن تضامننا مع إخواننا النازحين، وتُسهم في تخفيف معاناتهم وسط هذه الظروف الصعبة".
ويشرح أحد النازحين من بلدة يارين والمتطوع في المركز، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، تفاصيل المبادرة قائلا "طرحنا الفكرة، ووجدنا دعما كاملا من إدارة المركز، فبدأنا العمل منذ أمس حتى الفجر، وبذل المتطوعون جهودا كبيرة، حتى إن بعضهم نام في المدرسة لإنجاز التحضيرات. هذه المبادرات تعزز الألفة والمحبة بين الجميع".
إلى جانبه، يقول جاره الذي يتقاسم معه غرفة في مركز الإيواء "نحن أهل الجنوب أهل الكرم والأخلاق، والشباب في المركز لم يقصروا، ونحن سنخدمهم بعيوننا إذا احتاجوا شيئا، فكلنا إخوة في المحنة".
وبصوت مختلط بالحزن والارتياح تقول أم حسن "تركنا بيوتنا تحت وابل الصواريخ، وخرجنا حاملين الخوف والألم، وعندما وصلنا إلى هذا المركز، شعرنا كأننا بين أهلنا ولسنا غرباء، بكرمهم وأخلاقهم أعطونا قوة لنواصل رغم كل الصعوبات". ويؤكد النازح أبو إبراهيم على ذلك بقوله "ما قصروا معنا، وفّروا لنا كل شيء وزيادة، نشعر كأننا في بيوتنا بفضل معاملتهم الطيبة".
وتعد "ثانوية البزري الرسمية" في صيدا واحدة من أكبر مراكز الإيواء في المنطقة، حيث تضم نحو 162 عائلة نازحة، وفي سياق الجهود الرامية إلى تحسين الظروف المعيشية للنازحين، تم مؤخرا تجهيز مطبخ جماعي داخل المركز، ما يمنح العائلات فرصة طهي وجباتها ذاتيا ويساعد في تخفيف معاناة النزوح وتعزيز إحساسهم بالاستقرار والراحة.