وبدأت رحلة أحمد الجاسر (1910 ـ 2000)، وهو سعودي نجدي مع الجغرافيا والترحال، ولقبوه بعلامة الجزيرة العربية، وظل يكره هذا اللقب، ويقول: "كأنكم تزعمون أن الناس في جزيرة العرب جهلة، والأمر بخلاف ذلك".
ارتحل الجاسر في جزيرة العرب طولا وعرضا، ولم يدع بلدا عربيا إلّا زاره وأقام فيه مدة تطول أو تقصر.
تجمع كتاباته بين التوثيق والطرفة، ويقول إنه لم يملك نقودا لدفع أجرة الحافلة في تونس، فدفع عنه الأجرة رجل تونسي.
وفي بيروت التي أقام فيها زمنا، كان للجاسر مكتبة عامرة بالمخطوطات، فاحترقت فذاب حسرة عليها، ولكن السعي وراء المخطوطات الجغرافية ظل هاجسه حتى النهاية.
عرف الجاسر بشغفه واندفاعه بالمخطوطات، ويتكلم عن المخطوطات القديمة كأنه يناجي أحباءه.
ويتحدث الدكتور إبراهيم الدويري عن جانب مهم من جوانب ثقافة الجاسر، وهو علاقاته بالعلماء، فهو ينزل في كل بلد على قوم لهم بالعلم صلة متينة، يتاجر معهم، حيث يعطيهم علما ويأخذ منهم علما.
وعندما يبخل عليه الباخلون بالعلم أو بمخطوطة نادرة، يأخذهم بالحيلة أو بحسن التأتي، وكان الجاسر رجلا صريحا ولا يعفي الباخلين بعلمهم أو بمخطوطاتهم من النقد.
وثّق الجاسر جغرافية الجزيرة العربية، واهتم خصوصا بالجغرافيا التاريخية، درس الأماكن التي كان فيها قوم عاد وثمود وأصحاب الرس وقوم مدين، وهو عالم متين لا يأخذ بالخرافة، ولا يرضى ما يرضىاه الكثيرون من العلم الزائف.
ويقول: "ان كثيرا من التاريخ خرافة، وإن الأنساب خرافة الخرافة"، وكان عالما بالأنساب يهتم بها، بغرض الدراسة الاجتماعية لا لغرض رفع قوم عن قوم، وله في دراسة الأنساب 3 مجلدات.
وكان الجاسر عضوا عاملا في مجمع القاهرة، وعضوا بالمراسلة في معظم المجامع الأخرى.
تميز العالم السعودي- بحسب ما جاء في برنامج "تأملات"- بالأمانة العلمية والتدقيق على أفضل ما عرفته التقاليد الأكاديمية الحديثة، وكان من أفصح الناس لسانا وأبلغهم بيانا.
وتوفي الجاسر عام 2000، وترك حصيلة علمية على هيئة مؤلفات وتحقيقات.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا