هل حان الوقت للتخلص من الأدوات البلاستيكية السوداء في منازلنا؟
إسراء فخر الدين16/1/2025في دراسة جديدة نشرت مؤخرا في دورية "كيموسفير"، اختبر باحثون عديدا من الأدوات المنزلية الشائعة المصنوعة من البلاستيك الأسود، مثل أدوات تقديم الطعام وأدوات المطبخ وإكسسوارات الشعر ولعب الأطفال، للتحقق مما إذا كانت تحتوي على آثار لمواد سامة يمكن أن تشق طريقها إلى الأدوات المنزلية من خلال إعادة تدوير النفايات الإلكترونية.
بشكل خاص، فحص الباحثون 203 منتجات استهلاكية من البلاستيك الأسود بحثا عن البروم، وهو مؤشر رئيسي لاستخدام نوعين من مثبطات اللهب المستخدمة في عديد من المنتجات الاستهلاكية لمنع خطر الحريق.
ووجدت الدراسة التي أجراها باحثون من منظمة "مستقبل خالٍ من السموم" الأميركية المناصرة للبيئة ومعهد أمستردام للحياة والبيئة في جامعة فريجي في أمستردام أن 85% من المنتجات التي اختبروها تحتوي على مواد كيميائية تستخدم كمثبطات للهب بشكل عام، وأن 65% تحتوي على مزيج من كلتا الفئتين من مثبطات اللهب المعروفة بأنها تسبب مشاكل صحية.
نتائج مقلقة
يقول جو شوارتز، مدير مكتب العلوم والمجتمع بجامعة ماكجيل الحكومية البحثية في كندا، للجزيرة نت، إن "هذه الدراسة سببت بعض الذعر وكثيرا من الاهتمام، ولكن عندما نتحدث عن السمية، من المهم جدا الإشارة إلى الأرقام، ولا يكفي أن نقول إن شيئا ما سام أو لا، وهذه بالفعل مشكلة مع البلاستيك الأسود".
إعلانووجد الباحثون أن مستويات عالية من مثبطات اللهب الضارة موجودة في 17 من أصل 20 منتجا بلاستيكيا أسود يحتوي على أعلى مستويات البروم، تم اختبارها جميعها عن كثب من بين عشرات الأدوات المنزلية المصنوعة من البلاستيك الأسود.
ووجد الباحثون أنه من بين جميع المنتجات الاستهلاكية التي اختبروها، كانت الأدوات المنزلية وأدوات المطبخ أكثر خطرا على صحة الناس، لأنها تحتوي على بعض أعلى مستويات مثبطات اللهب السامة.
ووجدت الدراسة أعلى مستويات مثبطات اللهب في البلاستيك القائم على البوليسترين عالي التأثير، والذي يُشار إليه غالبا باسم "الستيرين"، والذي غالبا ما يتم تشكيله في الأدوات المستخدمة لمرة واحدة، لكن الأنواع الأخرى، مثل البولي بروبيلين والنايلون، المستخدمة عادة في أدوات المطبخ، تحتوي أيضا على مستويات مثيرة للقلق.
واحتلت ألعاب الأطفال مرتبة عالية حيث احتوت قلادة بلاستيكية واحدة للأطفال تحمل شعار القراصنة على ما يصل إلى 22800 جزء في المليون من مثبطات اللهب الإجمالية، أي ما يقرب من 3% من مثبطات اللهب من حيث الوزن.
لم تتناول الدراسة سوى البلاستيك الأسود الناتج عن إعادة التدوير، وبالتالي لم تتمكن من تحديد إذا ما كان من الممكن أيضا أن تتعرض ألوان أخرى من البلاستيك لهذه المادة، ولم يشر الباحثون إلى أسماء تجارية بعينها للمنتجات التي تم اختبارها.
وليست تلك دعوة للذعر، فمن المحتمل ألا يحتوي كل شيء أسود وبلاستيكي في مطبخك على مواد كيميائية ضارة، لكن الخبراء يقولون إنه من المستحيل معرفة إذا ما كانت ملعقة المطبخ السوداء في مطبخك ملوثة أم لا، فليس لدى المستهلكين طريقة لمعرفة أي البلاستيك الأسود قد يكون نفايات إلكترونية معاد تدويرها وأيها ليس كذلك، ومع ذلك، يقول شوارتز: "على الرغم من أننا نتحدث عن مخاطر صغيرة، فلا ينبغي أن تكون مثبطات اللهب التي ظهرت في الاختبارات التي أجراها الباحثون موجودة في سلسلة المنتجات".
من أين يأتي البلاستيك الأسود؟
تُستخدم هذه المواد البلاستيكية ذات اللون الداكن عادة لتغليف المنتجات الإلكترونية مثل أجهزة التلفاز وأجهزة الستيريو وآلات القهوة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، وتقوية المطاط في الإطارات، وتوجد أيضا في أحبار الطابعات والخراطيم، كما يتم رصدها بشكل متكرر في أدوات المطبخ وأوعية الطعام البلاستيكية.
إعلانويقول شوارتز، وهو لم يشارك في الدراسة، إن "الصناعة تحب البلاستيك الأسود لعدة أسباب، أحدها هو أنه عندما تضيف الكربون الأسود إلى البلاستيك، فإنه يجعله أكثر مقاومة للحرارة، ويزيد من قوته وصلابته، والأهم من ذلك أنه يجعله أقل عرضة للتآكل بسبب أشعة الشمس".
ويضيف: "هناك أيضا اعتبارات جمالية لأن المستهلكين يميلون إلى تقييم العناصر السوداء على أنها أكثر فخامة، ويحب المنتجون أيضا أن يكون التسرب من الأطعمة المعبأة في أوعية سوداء أقل وضوحا، لذلك هناك سبب لاستخدام الكربون الأسود".
غالبا ما يأتي اللون الأسود من إضافة مادة تسمى الكربون الأسود إلى البلاستيك، وهو في الأساس شكل من أشكال السخام الناتج عادة عن الاحتراق غير الكامل لمنتجات البترول.
وجدت إحدى الدراسات التي أجريت على البلاستيك في المملكة المتحدة أن البلاستيك الأسود يشكل حوالي 15% من جميع المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير (معظمها أوعية طعام للاستخدام مرة واحدة)، غير أن الغالبية العظمى لا يتم إعادة تدويرها في كثير من الأحيان.
علاوة على ذلك، فإن البلاستيك الأسود غير متوافق مع معظم مرافق إعادة تدوير البلاستيك التي تستخدم أجهزة المسح بالأشعة تحت الحمراء لفرز تركيبة أنواع مختلفة من البلاستيك. ولأن الكربون الأسود يمتص الأشعة تحت الحمراء، فإن أجهزة الاستشعار الضوئية غالبا ما تغفل الصبغات الداكنة الموجودة في بعض الأوعية البلاستيكية.
ونتيجة لهذا الفشل، تنتهي معظم المواد البلاستيكية السوداء في مكبات أو محارق النفايات أو تنتشر في بيئتنا بعد استخدامها لمرة واحدة فقط، مما يؤدي إلى نقص في المادة الأساسية السوداء للبلاستيك المعاد تدويره.
لتلبية الطلب على المواد اللازمة لصنع سلع جديدة، غالبا ما تُصنع المنتجات البلاستيكية السوداء من النفايات الإلكترونية المعاد تدويرها، والتي تحتوي على مواد كيميائية سامة مثل الفثالات ومثبطات اللهب والمعادن الثقيلة مثل الكادميوم والرصاص والنيكل والكروم والزئبق، وفقا لدراسة أجريت عام 2018.
إعلانابتكر أحد المصنعين وسيلة بديلة لصبغ البلاستيك باللون الأسود، ويقول إنها ستمكن من إعادة تدويره على نطاق أوسع، ولكن إلى أن يتم تبني هذه التكنولوجيا على نطاق واسع، فإن الجزء الأكبر من البلاستيك الأسود يذهب مباشرة إلى مكب النفايات.
قد يبدو هذا في الوقت الحالي وكأنه انتصار بيئي، ولكن هذا يخلق عددا من المشكلات، إحداها بالطبع هو أن البلاستيك الذي كان من الممكن إعادة تدويره نظريا ينتهي به الأمر إلى التسبب في مزيد من القمامة.
وكما حذر بعض الخبراء منذ بضع سنوات، فإن إعادة تدوير النفايات الإلكترونية ليست حلا لأكثر الصفات الضارة للبلاستيك، ويمكن أن يؤدي إلى إدخال مواد كيميائية سامة إلى المنتجات الاستهلاكية الجديدة، بما في ذلك المنتجات التي تتلامس مع الطعام، مثل الملاعق المسطحة وملاعق الطبخ المشقوقة، دون علم الأشخاص أو المصنعين.
مخاطر صحية
والأجهزة الإلكترونية -التي تستخدم مثبطات اللهب كوسيلة لمنع الحرائق- شائعة في المنازل في جميع أنحاء العالم، كما يستخدم المصنعون هذه المواد الكيميائية في جميع أنواع المنتجات المبطنة مثل الأرائك والمقاعد المزدوجة والكراسي المتحركة وكراسي المكتب وتنجيد السيارات ومقاعد الأطفال في السيارة وحشو السجاد وحصائر اليوغا وأغراض الأطفال المبطنة.
ووفقا لموقع مجلس الكيمياء الأميركي، الذي يضم تحالفا من الشركات التي تصنع وتوزع مثبطات اللهب، يحتوي المنزل المتوسط على أكثر من 20 منتجا إلكترونيا، بما في ذلك أجهزة التلفزيون والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأنظمة الألعاب والأجهزة اللوحية المدمجة في حياتنا اليومية، ومع ذلك يمكن أن تشكل أخطارا إضافية إذا خلت من مثبطات اللهب.
ووفقا للمعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية، يمكن لمثبطات اللهب أن "تنتقل إلى الأطعمة والمشروبات التي نتناولها، وإلى لعاب الأطفال الصغار، وإلى الغبار في منازلنا، وبالتالي إلى الهواء الذي نتنفسه".
إعلانويمكن لبعض المواد الكيميائية المثبطة للهب أن تتراكم بيولوجيا، مما يعني أنه حتى المستويات المنخفضة من التعرض الروتيني يمكن أن تتراكم في الجسم بمرور الوقت.
ووجد تقرير نُشر في وقت سابق من العام الماضي أن البلاستيك يحتوي على أكثر من 16 ألف مادة كيميائية معروفة، وقد ارتبط 4200 منها، أي نحو ربعها، بتأثيرات سلبية على صحة الإنسان أو البيئة، ويمكن أن يحتوي كل نوع رئيسي من البلاستيك على ما لا يقل عن 400 مادة كيميائية مثيرة للقلق.
ووجدت الدراسة الحالية أن مستويات عالية من مثبطات اللهب الأكثر خطورة في بعض المنتجات الاستهلاكية التي فحصها الباحثون مطابقة لمواصفات تلك الموجودة عادة في أغلفة أجهزة الكمبيوتر والتلفزيون وغيرها من الأجهزة الإلكترونية.
والمخاوف الصحية المرتبطة بهذه المواد الكيميائية مؤكدة، فبعض مثبطات اللهب من نوع إيثرات ثنائي الفينيل متعدد البروم تسبب -في تركيزاتها المرتفعة- خللا في الغدد الصماء، التي يمكن أن تتداخل مع النظام الهرموني في الجسم، وتشير الأدبيات العلمية إلى أنها قد تكون مرتبطة بمجموعة من الأمراض، بما في ذلك السكري والسرطان، لكن لاتزال هناك حاجة لتأكيدات في هذا النطاق.
وعلى الرغم من أن لوائح السلامة الحالية تحد من كميات غير خاضعة للرقابة من المواد الكيميائية السامة والمعادن الموجودة في الأجهزة الإلكترونية، فلا توجد حاليا أي لوائح حكومية تغطي سلامة العناصر البلاستيكية السوداء المعاد تدويرها.
لذلك، فإن المستويات العالية من المواد الكيميائية السامة المحظورة في الكمبيوتر المحمول أو الهاتف قانونية تماما في الشوكة البلاستيكية السوداء أو الملعقة أو الملعقة المشقوقة أو غطاء الكوب الساخن.
ووجدت دراسة أجرتها جامعة بليموث بإنجلترا عام 2018 أن المواد الكيميائية السامة موجودة بما يصل إلى 30 ضعف المستويات التي تعد آمنة في 40% من الألعاب والأدوات الحرارية ومحركات الكوكتيل والأواني البلاستيكية السوداء التي تم اختبارها.
إعلاندعوة للتدخل
لذلك، دعت منظمة السلام الأخضر في ذلك العام إلى حظر البلاستيك الأسود وغيره من البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة، وذلك للحد من التلوث في مكبات النفايات والأنهار والبحار.
وهذا ما قامت به حكومة كندا ذلك بالفعل عام 2023، إذ أصدرت حظرا على تصنيع واستيراد وبيع الأكياس البلاستيكية السوداء وغيرها من الأكياس البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة وأدوات المائدة وأدوات تقديم الطعام، من بين منتجات أخرى.
وفي الولايات المتحدة وأماكن أخرى، أصبحت بعض المركبات المثبطة للهب الأكثر ضررا غير قانونية للاستخدام في معظم السلع الاستهلاكية، ففي عام 2021، حظرت وكالة حماية البيئة الأميركية إلى حد كبير "جميع عمليات التصنيع (بما في ذلك الاستيراد) والمعالجة والتوزيع التجاري لإحدى هذه المواد".
على الرغم من هذه القيود، فإن التشريعات التي لا تفي بالغرض ربما لا تفعل كثيرا لإبقاء هذه المركبات خارج سلسلة التوريد العالمية، بينما يقول خبراء البيئة والصحة إن هناك أسبابا لا تزال تدعو إلى تجنب هذا النوع من البلاستيك، خاصة إذا كان يلامس الطعام، وتشمل العناصر الأكثر إثارة للقلق أدوات الطهي البلاستيكية السوداء وأوعية الطعام وأغطية الأكواب الساخنة، وتشكل ألعاب الأطفال مجالا آخر مثيرا للقلق الشديد بسبب احتمالية مضغها أو مصها.
ماذا يجب أن نفعل؟
إذا لم تكن متأكدا مما إذا كانت الأداة البلاستيكية السوداء التي تستخدمها، فمن الآمن افتراض أن معظم الأواني الرخيصة ذات اللون الأسود مصنوعة من مواد معاد تدويرها، وفي هذا الحالة، إذا كانت ملعقة الطهي الخاصة بك أو غيرها من أدوات المطبخ مصنوعة من البلاستيك الأسود، فاستخدم نتائج الدراسة ذريعة للتخلص منها.
وينصح شوارتز المستهلكين بتجنب حتى المخاطر اليسيرة من خلال إعطاء الأولوية لاستبدال أدوات المطبخ البلاستيكية السوداء التي تلامس الزيوت الساخنة، والتي تتعرض للحرارة أثناء الطهي أو التقديم.
إعلانفي الواقع، وجدت دراسة أخرى من عام 2018 أن مثبطات اللهب الموجودة في أدوات المطبخ السوداء تنتقل بسهولة إلى زيت الطهي الساخن، حيث يشجع التعرض للحرارة على تسرب المواد الكيميائية السامة التي كشفتها الدراسة إلى طعامك وشرابك الذي تتلامس معه.
وتشمل الخيارات البديلة التي لا تحتوي على أي بقايا من مثبطات اللهب: الفولاذ المقاوم للصدأ أو اختيار أدوات طهي خالية من البلاستيك مثل الأواني الخشبية للمساعدة في تقليل التعرض الإجمالي للمواد الضارة المضافة للبلاستيك.
هناك ميزة أخرى لاستبدال أدواتك البلاستيكية، وهي أنه من المرجح أن تدوم البدائل لسنوات، فالفولاذ مثلا مقاوم للشواء وآمن للغسل في غسالة الأطباق وسهل الصيانة، ولكنه قد يخدش الأسطح غير اللاصقة والمطلية بالمينا.
وبالنسبة إلى الأدوات غير اللاصقة، فكّر في السيليكون، وهو آمن للغسل في غسالة الأطباق، والخشب أو الخيزران، وكليهما من الأفضل غسلهما يدويا.
ويقول الخبراء إن هناك طرقا أخرى يمكن للمستهلكين من خلالها تقليل مخاطر مثبطات اللهب، من بينها المسح والتنظيف بالمكنسة الكهربائية بانتظام، وهذا من شأنه أن يزيل الغبار الذي من المحتمل أن يكون ملوثا بالبلاستيك والمواد الكيميائية الأخرى المقلقة بالإضافة إلى مثبطات اللهب.
بخلاف ذلك، يمكن أن يساعد غسل اليدين المتكرر والتهوية المناسبة أيضا، وكذلك استبدال أوعية الطعام البلاستيكية السوداء بوعاء تخزين زجاجي أو سيراميكي أو معدني عند إحضارها إلى المنزل، وتجنب غسلها وإعادة استخدامها.
وينصح الخبراء بتجنب الأكواب الساخنة التي تستخدم لمرة واحدة، وخاصة تلك ذات الأغطية البلاستيكية السوداء، وبدلا من ذلك، أحضر كوبا معدنيا أو سيراميكيا، وتأكد من أن الجزء العلوي ليس مصنوعا من البلاستيك الأسود.
ويحذر البعض من استخدام الميكروويف أو أي طريقة أخرى لتسخين الأوعية البلاستيكية السوداء التي تحتوي على الطعام، وفي حين أن هذه الخطوات من شأنها أن تقلل من التعرض لهذه المواد الضارة، إلا أن المستهلكين لا يستطيعون فعل الكثير.
إعلان