أخبار لبنان

هل ستردّ إيران على ضربة دمشق؟

اخبار ليبانون فايلز متوفرة الآن مجاناً عبر خدمة واتساب…

اضغط هنا

حسابات استراتيجية معقّدة تواجهها إيران، بشأن ما إذا كانت ستردّ على الضربة الإسرائيلية على مبنى قنصليّ في دمشق وقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني كانوا يجتمعون في داخله.

الأكيد أنّ الجنرال محمد رضا زاهدي، أبرز قتلى هجوم دمشق، وقائد فيلق القدس في لبنان وسوريا حتى 2016 ليس أغلى على طهران من الجنرال قاسم سليماني، الذي أردته واشنطن في العراق في كانون الثاني 2020.

يومها اختار المرشد علي خامنئي طريق الردّ المباشر المحدود. استهدفت صواريخ باليستية إيرانية قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق، بعدما أُبلغت الولايات المتحدة مسبقاً بتفاصيل القصف المزمع. وهو ما جنّب سقوط دماء أميركية وسمح لكلا الطرفين بتجنّب التصعيد نحو صراع مفتوح. حسبت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حدود الردّ الايراني المسموح بعناية. سمحت لنظام الملالي أن يحفظ ماء وجهه، ويهضم خسارته الجسيمة. وفّرت له هامشاً دعائياً، يدّعي من خلاله اقتدار إيران واستعدادها للدفاع عن مصالحها، مع تجنّب ما قد يؤدّي إلى الحرب.

البحث عن “عين أسد”

الرائج الآن أنّ البحث جارٍ عن “عين أسد” ما تفرغ فيها إيران حمولتَي الغضب والإحراج اللتين عصفتا بها بعد ضربها من إسرائيل على نحو يكاد يكون علنيّاً.

ولئن كان هذا من بين الاحتمالات الأكثر ترجيحاً. إلا أنّ الفوارق بين الظروف السياسية والاستراتيجية المحيطة بضربة دمشق وتلك التي أحاطت باغتيال سليماني. كما اختلاف هويّة وحسابات اللاعبين المؤثّرين في الحادثتين، عوامل تزيد من تعقيد حسابات الردّ الإيراني.

فعلى عكس الولايات المتحدة التي لم تكن مهتمّة بتوسعة الحرب مع إيران عقب اغتيال سليماني. يبدو أنّ إسرائيل، وفي سياق حرب غزة المستمرّة منذ 6 أشهر، أكثر ميلاً نحو التصعيد. فإسرائيل تتعامل مع إيران كتهديد مباشر لأمنها. أكان من ناحية سعيها إلى امتلاك سلاح نووي أو بسبب دعمها الدؤوب والممنهج للميليشيات التابعة لها في المنطقة.

ضرب المبنى القنصلي الإيراني في دمشق، والقتل العمد لشخصيات قيادية في الحرس الثوري الإيراني، جزء من استراتيجية إسرائيلية أوسع، لا ترمي إلى إضعاف إيران وحسب، بل تراهن على جرّها إلى صراع أكبر، مع إمكانية توريط أميركا نفسها في الحرب.

وبالفعل تتخوّف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من هذه الحسابات الإسرائيلية، المنطوية على نيّةٍ لتصعيد التوتّرات مع إيران وتوسيع دائرة الحرب في غزة خارج نطاق القطاع، بغية معالجة رأس المشاكل في الشرق الأوسط لا التعامل مع أذرعه وذيوله وحسب.

فلا أحد يضمن أنّ الردّ العسكري الإيراني المباشر، على نحو مشابه لردّ طهران على اغتيال سليماني، واستهداف مصالح إسرائيلية، سيظلّان في نطاق الردّ المحدود والقابل للاحتواء.

إيران تتجنب الإنهيار

آخر ما تريده إيران هو التسبّب بانهيار أمنيّ وعسكري واسع، يخلق واقعاً استراتيجياً جديداً. يسهم في ردم الهوّة الآخذة في الاتّساع بين أميركا وإسرائيل. فلا شيء أثمن عندها الآن من متابعة الانهيار الحاصل في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. ولا مشهد أفضل لعيون أعمدة النظام من رؤية إسرائيل تتخبّط بين دماء وأشلاء الفلسطينيين الأبرياء. إلى ذلك، ليس من مصلحة طهران أن تنجرّ إلى نزاع مفتوح ومباشر مع إسرائيل، يزيد من تردّي علاقاتها الدبلوماسية بالغرب. وينهي رهاناتها على توسيع قنوات التفاوض المتقطّع مع أميركا.

ليس غريباً، في هذه الحال، أن تكتفي إيران بزيادة دعمها لوكلائها في المنطقة وتشجيعهم على تصعيد هجماتهم ضدّ إسرائيل. ويمكنها أيضاً اللجوء إلى ضربات سيبرانية لتسجيل نقاط معنوية ودعائية من دون تجاوز العتبات التي قد تستدرج انتقاماً إسرائيلياً شاملاً.

في الوقت نفسه، تدرك طهران جيّداً أنّ عدم الردّ على ضربة دمشق، سيزيد من علامات الوهن والضعف التي تعتلي وجه النظام، وتقوّض شرعيّته الثورية. يفهم قادتها طبيعة المأزق الذي يعيشونه. فالتعقّل الذي بوسعه أن يقدّم إيران كلاعب عقلاني على الساحة الدولية، ويشجّع على فتح القنوات الدبلوماسية معه. ويجنّب إيران الحرب المميتة، هو نفسه التعقّل الذي يتعرّض للنقد والسخرية في الداخل، حيث باتت شعارات الصمود الوطني والصبر الاستراتيجي، موادّ يومية لإهانة النظام الايراني في الداخل والخارج.

قرار إيران بشأن ما إذا كانت ستردّ على الضربة الإسرائيلية في دمشق أم لا، يعدّ اللحظة الأدقّ منذ بدء حرب غزة قبل ستّة أشهر.

فالاختيار بين الردّ وضبط النفس ليس مجرّد قرار تكتيكي. لكنّه قرار استراتيجي، يعكس التعقيدات والتحدّيات الأوسع التي تواجهها كلّ من إسرائيل وإيران والولايات المتحدة والدول العربية على الساحتين الإقليمية والعالمية، بعد حرب غزة.

نديم قطيش – اساس ميديا

​للمزيد من التفاصيل: Read More

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى