أشهَرَ الرئيس ترامب رؤيته لحلّ الكارثة الإنسانية التي أحدثها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، بتهجير الفلسطينيين (2.25 مليون أو معظمهم) إلى الأردن، ومصر ودولٍ عربية أخرى، لتسكينهم وتوفير مقوّمات الحياة لهم كخطوة يمكن أن تكون "طويلة الأمد"، مؤكّدًا اتصاله بالملك الأردني عبدالله الثاني، وعزمه الاتصال بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقد تحدّث إليه بالفعل بعد ذلك.
خطورة هذا الموقف من حيث الشكل أنه يخرج من رئيس أكبر دولة في العالم، مؤثّرة في السياسة الدولية والشرق الأوسط، ورئيس دولة تدّعي الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترامها لإرادة الشعوب، وتمنح نفسها "الأهلية" لتكون شرطيًا لحماية القانون الدولي والسلم والأمن الدوليين!
موقف الرئيس ترامب يتقاطع بطبيعة الحال مع موقف ورؤية اليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل المحتلة، والذي يعبّر عنه بوضوح وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير المرحّب بتصريحات ترامب، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي اعتبر موقف ترامب عظيمًا وتفكيرًا من خارج الصندوق، مبديًا حرصه على تنفيذ الفكرة مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
تداعيات وخطورة رؤية ترامب
دعوة الرئيس ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، تُلقي بظلالٍ وتداعيات خطيرة أخلاقيًا وسياسيًا ومنها:
هذا الموقف يشكّل موقفًا لدولة إسرائيل المحتلة وليس موقفًا فقط لحكومة اليمين المتطرف، فقد تبنّى الكنيست/ البرلمان الإسرائيلي تشريعًا (قانون أساس)، عرف بقانون القومية اليهودية صدر عام 2018، يَعْتبر الفلسطينيين أقلية وليسوا شعبًا أو قومية، ولا يحق لهم حق تقرير المصير، في وقت يدعم فيه الاستيطان في الضفة الغربية كقيمة وطنية.
الموقف الأميركي لترحيل الفلسطينيين، يُعفي إسرائيل وحكومة بنيامين نتنياهو من المسؤولية عن تدمير 80% من قطاع غزة، وقتل وجرح نحو 160 ألف فلسطيني، ويُشجّعهم أيضًا على تكرار التجربة في الضفة الغربية لتهجير نحو 2.5 مليون فلسطيني إلى الأردن لصالح المشاريع الاستيطانية وضم الضفة الغربية، طالما أن أكبر دولة في العالم توفّر لهم الحماية والدعم.
فرص نجاح فرضية التهجير
هناك تحدّيات مهمة تقف أمام هذه الفرضية، وهي:
وهذا ما أكّده، ردًا على دعوة الرئيس ترامب، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وبيان وزارة الخارجية المصرية، وموقف الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي وصف اقتراح ترامب بأنه "ظلم لا يمكن أن تشارك فيه مصر"، مؤكّدًا أن تهجير الفلسطينيين "سيؤثّر سلبًا على الأمن القومي المصري والعربي".
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن تهجير الفلسطينيين سيصطحب معه استمرار مقاومتهم للاحتلال الإسرائيلي من خارج حدود فلسطين التاريخية انطلاقًا من الدول العربية المجاورة، وهو ما لا تريده القاهرة وعمّان اللتان تربطهما اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وهذا سيخلق، لو حصل افتراضًا، أزمة بين الفلسطينيين ومصر والأردن، وسيؤثّر بطبيعة الحال على اتفاقيات السلام مع إسرائيل، الأمر الذي أشار له الرئيس السيسي في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بعد معركة طوفان الأقصى مباشرة، ردًا على مساعي وزير الخارجية الأميركي بلينكن، في حينه، لتهجير الفلسطينيين من غزة.
إذن رفض التهجير فيه مصلحة فلسطينية وعربية مشتركة؛ فهو يحمي القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة، ويشكّل حماية للأمن القومي المصري والأردني والعربي، ويكبح شهية إسرائيل في التوسّع نحو لبنان وسوريا والأردن ومصر حسب رؤية اليمين الصهيوني المتطرف الذي يروّج لفكرة الأرض الموعودة وإسرائيل الكبرى.
ارتباطًا بذلك فإن دور الدول العربية، وخاصة مصر والأردن، يصبح ضروريًا وملحًا لإنفاذ اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومن ثمّ إدخال المساعدات الإغاثية، والمبادرة بشكل عاجل لعقد قمّة عربية وإسلامية لمناقشة ملف إعمار غزة لضمان استقرار الوجود الفلسطيني، وسحب الذريعة من أمام نتنياهو واليمين المتطرف والرئيس ترامب، الذين يبررون فكرة التهجير بذرائع "إنسانية" مدّعاة، وهو في حقيقته ليس له علاقه بالإنسانية، بقدر ما هو هدف سياسي لتمكين إسرائيل من ضم الضفة الغربية واحتلال غزة وتهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا