سؤال وجواب.. الريال الإيراني عند أدنى مستوياته وهذا ما ينتظر اقتصاد البلاد
![](https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2025/02/12762068-1738687408.jpg?resize=770%2C513&quality=80)
طهران- بعد رفض المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي التفاوض مع الولايات المتحدة ردا على عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سياسة "الضغوط القصوى" ضد طهران، هوت العملة الإيرانية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي عشية الذكرى 46 لانتصار الثورة الإيرانية.
وقبيل ساعات فقط من انطلاقة "مسيرات بهمن" في ربوع الجمهورية الإسلامية، تراجع سعر عملتها الوطنية الليلة الماضية إلى 940 ألف ريال للدولار الواحد في السوق السوداء، مقارنة مع 869 ألفا و500 ريال إيراني مقابل العملة الخضراء يوم الجمعة الماضي، قبيل تنديد خامنئي بسياسة ترامب حيال طهران وتوقيعه مرسوما رئاسيا يرمي إلى تصفير صادراتها النفطية.
ويسلط فقدان العملة الإيرانية جزءا كبيرا من قيمتها منذ فوز الرئيس مسعود بزشكيان في رئاسيات الصيف الماضي الضوء على قصة قيمة العملة الوطنية مع التضخم المستفحل منذ عقود، وتأثير العقوبات الأجنبية على الاقتصاد الإيراني، والسبل التي يبحث عنها الإيرانيون لضمان قيمة مدخراتهم في مواجهة التحديات الاقتصادية في بلادهم.
- ما المسار الذي سلكته العملة الإيرانية منذ انتصار ثورة 1979 مقابل العملات الأجنبية؟
سجلت العملة الإيرانية أعلى انهيار أمام العملات الأجنبية منذ انتصار الثورة الإسلامية التي أطاحت عام 1979 بالنظام البهلوي؛ إذ كان الدولار الأميركي يوازي حينئذ 70 ريالا، حتى صنفته مجلة "فوربس" الأميركية في أغسطس/آب 2023 بأنه الأضعف على مستوى العالم مقابل العملة الخضراء، معتمدة في تقريرها سعر الصرف الرسمي للريال الإيراني الذي يقل كثيرا عن أسعار السوق الموازية.
![](https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2014/12/3973646a-cb26-433d-82ef-2001d591a789.jpeg?w=686&resize=686%2C515)
وبعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، تراجعت عملتها إلى 140 ريالا للدولار الواحد إبان الحكومة الموقتة قبل أن تواصل تراجعها في أول حكومة بعد قيام الجمهورية الإسلامية، إذ ارتفع الدولار الأميركي إلى 270 ريالا تزامنا مع تولي السياسي مير حسين موسوي رئاسة الوزراء عام 1980 حتى لامست العملة الخضراء آخر أيام حكومته الثانية نحو 1200 ريال عام 1988.
إعلانلكن العملة الإيرانية واصلت مسار الانهيار بعد فترة الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980) حتى تراجعت في أواخر الحقبة الثانية للرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1997 بحدود 4 آلاف و780 ريالا للدولار، قبل أن تتراجع إلى نحو 9 آلاف ريال أثناء تسليم الرئيس الإصلاحي الأسبق سيد محمد خاتمي مقاليد الحكم إلى خلفه المحافظ محمود أحمدي نجاد عام 2005.
وبسبب تزايد الضغوط الأجنبية على الجمهورية الإسلامية لا سيما بعد احتجاجات الحركة الخضراء التي أعقبت إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسا للبلاد عام 2009 هوت العملة الإيرانية إلى 36 ألف ريال للدولار الأميركي قبيل تسليمه مقاليد الحكم عام 2012 إلى الرئيس المعتدل حسن روحاني، إذ بلغت العملة الأميركية 240 ألفا و950 ريالا آخر أيام الولاية الثانية للرئيس روحاني عام 2020.
أما خلال حقبة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي -الذي قضى في مايو/أيار 2024 برفقة عدد من أعضاء حكومته إثر تحطم الطائرة المروحية التي كانت تقلهم في محافظة أذربيجان الشرقية شمالي غربي البلاد- فقد هوى الريال الإيراني إلى 610 آلاف للدولار الواحد متأثرا بنبأ الحادث قبل أن يستعيد جزءا من قيمته عقب الإعلان عن فوز الرئيس مسعود بزشكيان الصيف الماضي، لتساوي حينها العملة الأميركية نحو 590 ألف ريال.
- ما أسباب التراجع المستمر لقيمة الريال الإيراني منذ عقود؟
يرجع حسين سلاح ورزي، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية، السبب الأساس وراء تقلب قيمة عملة بلاده الوطنية وتراجعها المستمر إلى عوامل سياسية وعلى رأسها العقوبات الأميركية المفروضة على الاقتصاد الإيراني، مضيفا أنه لا يمكن أن يغض البصر عن إخفاق الحكومات الإيرانية المتعاقبة في التخطيط للنهوض بالاقتصاد الوطني وتنفيذ المشاريع المجدولة.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتبر سلاح ورزي تراجع قيمة عملة بلاده الوطنية "أمرا طبيعيا" في ظل تزايد عجز الميزانية في السنوات الماضية وارتفاع نفقات الحكومات المتعاقبة وتراجع صادرات البلاد، مما يتطلب طباعة الريال من جهة وتقليص تدفق العملة الصعبة إلى داخل البلاد من جهة أخرى.
إعلانوتابع الخبير الاقتصادي أن الفساد الاقتصادي النابع عن تخصيص العملة الصعبة المدعومة حكوميا بفئات محسوبة على بعض الجهات المتنفذة لتوفير السلع الأساسية يستنزف مدخرات البلاد من العملة الصعبة ويزيد من الشرخ الطبقي في المجتمع.
وأوضح سلاح ورزي أن الوضع الاقتصادي في البلاد أفرز ظواهر جديدة منها التوقعات التضخمية، وتحديد أسعار السكن والعقارات بالدولار والبتكوين، وكذلك الدولار المنزلي حيث يحرص المواطن على شراء كميات من العملة الصعبة والذهب بحثا عن ملاذات آمنة لضمان قيمة مدخراته في مواجهة التضخم الرسمي.
- ما صحة التقارير التي تصنف الريال الإيراني على رأس قائمة أضعف عملات العالم؟
يعتقد الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية أن وصف الريال الإيراني كونه أضعف عملات العالم ليس دقيقا، مستدركا أن العملة الإيرانية أضحت ضمن أضعف العملات على مستوى العالم في ظل التضخم المستفحل منذ عقود والمتسارع خلال السنوات الماضية.
![](https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2018/08/0b9df356-4f01-431f-8d2e-45ed4bc4bdd6.jpeg?w=686&resize=686%2C515)
وكانت صحيفة "تعادل" الإصلاحية نشرت بصيف العام الإيراني الماضي (من 21 مارس/آذار 2023 حتى 20 مارس/آذار 2024) تقريرا استندت فيه إلى بيانات مركز الأبحاث التابع للبرلمان الإيراني وكتبت أن قيمة الريال الإيراني عام 1929 كانت تعادل 0.366 غرام من الذهب، وبمرور الزمن ارتفع سعر غرام الذهب من 3 ريالات حينذاك إلى نحو 18 مليون ريال حتى مارس/آذار 2022؛ بعبارة أخرى فقد تراجعت قيمة الريال الإيراني مقارنة بالذهب نحو 6 ملايين مرة مقارنة مع الدولار الأميركي 16 ألف مرة.
- كيف يمكن تعزيز العملة الإيرانية ومنع انهيارها بالكامل؟
برأي الرئيس السابق لغرفة التجارة الإيرانية "لا بد من تشخيص الداء قبل الدواء"، موضحا أنه عندما تجمع العديد من الأوساط الاقتصادية والسياسية على أن العقوبات سبب رئيس وراء الأزمات الاقتصادية في البلاد ينبغي التحرك العملي لاحتواء التوتر في العلاقات الدولية تمهيدا لرفع العقوبات لا سيما المالية التي تعرقل عودة عوائد صادرات النفط إلى داخل البلاد.
إعلانويخلص سلاح ورزي إلى أن الاقتصاد الإيراني بحاجة إلى عملية جراحية حقيقية تعالج عجز الميزانية وتخطط للنهوض به عبر إطلاق مشاريع وطنية كبرى في قطاعات الطاقة والصناعة والسياحة.
من ناحيته، يشاطر أستاذ الاقتصاد بجامعة طهران بهمن آرمان ما ذهب إليه سلاح ورزي في الفقرة السابقة، مضيفا أن الريال الإيراني أضحى يتأثر بالتطورات الدولية لا سيما مستجدات التوتر بين طهران والعواصم الغربية أكثر من اعتماده على ركائز الاقتصاد الوطني.
وفي حديثه للجزيرة نت، يحث آرمان سلطات بلاده على تحييد الاقتصاد الوطني عن التطورات السياسية المتسارعة، عازيا أحد أسباب الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية في الأيام القليلة الماضية إلى تجربة الشعب الإيراني مع سياسة الضغوط القصوى التي مارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد طهران عقب انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018 إبان ولايته الأولى.
- ماذا ينتظر قيمة الريال خلال الأشهر المقبلة؟
يعود آرمان إلى الأشهر القليلة التي أعقبت انتخاب الرئيس مسعود بزشكيان في رئاسيات الصيف الماضي إذ استعادت العملة الإيرانية جزءا من قيمتها مقابل الدولار الأميركي بفعل الشعارات التي رفعها خلال حملته الانتخابية وتأكيد عزمه التفاوض مع الولايات المتحدة لحلحلة القضايا الشائكة بين البلدين.
![](https://www.aljazeera.net/wp-content/uploads/2019/08/a51de698-3de1-47c6-9074-24363dcf5db9.jpeg?w=770&resize=770%2C578)
واستدرك أن الرأي العام الإيراني صدم لدى مشاهدته ترامب وهو يوقع مرسوما رئاسيا يقضي بعودة سياسة أقصى الضغوط على طهران وفرضه عقوبات جديدة على صادرات النفط الإيراني تزامنا مع ترحيبه بخيار المفاوضات مع نظيره الإيراني.
وتابع أن قيمة العملة الإيرانية تراجعت بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبيل رفض السلطات الإيرانية التفاوض مع ترامب تحت الضغوط، مؤكدا أنه ما دامت معركة عض الأصابع تتواصل بين طهران وواشنطن فإنه لا يأمل تحسنا في قيمة الريال الإيراني.
إعلان- كيف ستنكعس سياسة الضغوط القصوى على الاقتصاد الإيراني؟
يستبعد الأكاديمي الإيراني أن تؤدي سياسة الضغوط القصوى إلى تصفير صادرات النفط الإيراني في السنوات المقبلة، موضحا أن طهران تمتلك تجارب قيمة في مواجهة العقوبات الغربية والالتفاف عليها، وأنها كونت قنوات خاصة لإدخال عوائدها بالعملة الصعبة إلى البلاد.
وختم بالقول إن بلاده سبق أن وقعت اتفاقات مع عدد من الدول الصديقة والحليفة لمقايضة السلع الخدمات، وتحرير مبادلاتها التجارية من طائلة الدولار الأميركي والتعامل بالعملات الوطنية، كما أنها عززت احتياطاتها من الذهب في السنوات الماضية، مستدركا أن الاقتصاد الإيراني سيواجه صعوبات كبيرة قد تتفاوت شدتها بالتناسب مع التحديات الأمنية.