Skip to main content

ترامب والصين.. مواجهة حتمية أم مصالح محسوبة؟

13 شباط 2025

ترامب والصين.. مواجهة حتمية أم مصالح محسوبة؟

قمة سابقة بين الرئيس الصيني (يمين) وترامب خلال ولايته الأولى (رويترز- أرشيف)
محمد مكرم بلعاوي13/2/2025

تدخل الصين مرحلة جديدة من العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، بعد ولاية أولى شهدت توترات حادة وغير مسبوقة، شملت حربًا تجارية، وعقوبات على شركاتها التكنولوجية، وتصعيدًا أمنيًا، وسط تساؤلات عن كيفية تعامل بكين مع سياساته المتوقعة.

وتتباين الآراء حول مستقبل العلاقات بين الدولتين، فالبعض يرى أن سياسات ترامب ستساعد الصين على تعزيز نفوذها الدولي، خاصة مع سياساته المتشددة تجاه الحلفاء الأوروبيين ودول الجنوب العالمي، فيما يعتقد آخرون أن نهج ترامب المعروف بعقد الصفقات قد يفتح الباب أمام تفاهمات براغماتية مع بكين في قضايا حساسة.

وتسعى الصين إلى مواجهة احتمالات تصاعد الضغوط التجارية والاقتصادية عليها خلال ولاية ترامب الثانية، ويبدو أنها استعدت لجولة جديدة من "الحرب التجارية" من خلال تعديل إستراتيجياتها الاقتصادية عبر سياسات تدعم الاستهلاك المحلي، وتحفيز المستهلكين، وتطوير قطاع التكنولوجيا والطاقة الخضراء وتعزيز نفوذها الإقليمي.

الصين ترى في محاولات ترامب إضعاف الاتحاد الأوروبي والناتو فرصة لتوسيع نفوذها (الفرنسية)

التحديات الاقتصادية

مع توقع تصاعد الإجراءات الاقتصادية ضدها من إدارة الرئيس الأميركي، عملت الحكومة الصينية لتغيير إستراتيجيتها الاقتصادية وتنفيذ سياسات اقتصادية تحفيزية بهدف زيادة دور السوق المحلي، ومحاولة تحقيق التوازن بين إدارة تحديات الداخل والخارج، مع تقليل المخاطر المحتملة على الاقتصاد الصيني.

كما اتخذت الحكومة الصينية إجراءات لمحاولة تجاوز العقوبات الأميركية، من خلال تخفيف القيود النقدية وزيادة الدعم المالي للحكومات المحلية، بالإضافة إلى خفض أسعار الرهن العقاري لتحفيز شراء المساكن.

كما خفضت أسعار الفائدة ومتطلبات الاحتياطي المفروضة على البنوك التجارية، وتحاول الحكومة مواجهة مشكلات الديون المتراكمة، خاصة في قطاع العقارات والحكومات المحلية، مما دفعها إلى تخصيص 10 تريليونات يوان لإعادة تمويل الديون.

إعلان

وتسعى الصين لتنويع شركائها التجاريين لتقليل تأثير العقوبات، من خلال تقليل اعتمادها على السوق الأميركي الذي يُعد حاليا أكبر أسواقها، وتعزيز علاقاتها التجارية مع دول أخرى، خاصة في إطار مبادرة "الحزام والطريق"، وتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ودول آسيا وأفريقيا.

العلاقة مع أوروبا

وترى الصين أن سياسات ترامب تجاه الاتحاد الأوروبي، التي تضمنت فرض رسوم جمركية، والضغط على حلف الناتو، ومحاولة إضعاف التكتل الأوروبي، توفر فرصا كبيرة لتعزيز نفوذها اقتصاديًا وإستراتيجيًا، وتدفع الاتحاد للبحث عن بدائل تجارية خارج السوق الأميركي، وكانت الصين الخيار الأبرز، حيث زادت الاستثمارات الصينية في أوروبا، خصوصًا في البنية التحتية والطاقة.

دفع تراجع الثقة الأوروبية في السياسات الأميركية الصين لتعزيز استخدام عملتها في التعاملات التجارية مع أوروبا، مما يقلل من هيمنة الدولار، كما أن الشركات الأوروبية التي واجهت تعقيدات تجارية مع الولايات المتحدة، مثل شركات السيارات الألمانية، أصبحت أكثر ميلا لتعزيز أعمالها في السوق الصينية.

وفي إطار تعزيز نفوذها، تسعى بكين إلى توسيع تحالفاتها الدولية، عبر مبادرة الحزام والطريق واستثمار أكثر من 400 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية والتمويل في أفريقيا وآسيا خلال العقدين الماضيين.

بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي، من خلال تطوير أنظمة مالية بديلة وتعزيز دور العملات المحلية داخل منظمة بريكس، التي أنشأت كرد فعل على العقوبات والعراقيل التي يفرضها الغرب للحد من صعود الاقتصادات الناشئة، وتعزيز التعاون بين الدول النامية.

وأنشأت بريكس بدعم صيني "بنك التنمية الجديد" (NDB) الذي يتيح للدول الأعضاء تمويل مشاريعها التنموية وتقليل اعتمادها على الأنظمة المالية التقليدية التي يسيطر عليها الغرب.

إعلان

إضافة إلى ذلك، تواصل بكين التصنيع التكنولوجي المستقل، كرد مباشر على العقوبات الأميركية التي استهدفت شركات مثل هواوي، وتيك توك، والشركة الدولية لصناعة أشباه الموصلات (SMIC) المملوكة، والاستثمار بكثافة في البحث والتطوير لتعزيز قدراتها التكنولوجية، مع التركيز على تقنيات مثل (5G) ومحاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالات أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.

وقد أشار تقرير صادر عن الأكاديمية الصينية للعلوم إلى أن "الصين تستثمر بكثافة في البحث والتطوير لتجاوز أي محاولات أميركية لاحتوائها تقنيًا"، وبدوره، صرح وزير التجارة الصيني قائلا "لا يمكن لأي قوة خارجية إيقاف تقدم الصين التكنولوجي".

ومثّل برنامج الذكاء الاصطناعي الصيني "ديب سيك" صدمة كبيرة للولايات المتحدة في هذا السياق، والتي كانت تعتقد أنها تسبق الصين تكنولوجيا بأشواط عديدة، وسبّب خسارات فادحة لسوق الأسهم الأميركي وصلت قرابة تريليون دولار، بسبب انخفاض تكاليفه.

لم تقتصر الصدمة على قلة التكاليف، بل كانت المفاجأة الكبرى أن هذا البرنامج المنافس لأقوى البرامج الأميركية، تم تطويره بمعالجات قليلة العدد نسبيا على يد كفاءات صينية خالصة وتمت إتاحته على شبكة الإنترنت مجانا، مما كسر عمليا الاحتكار الأميركي لهذا السوق الواعد، وأعلن دخول الصين سوق المنافسة في عالم التكنولوجيا المتقدمة.

شي جين (يسار) خلال لقاء مع بايدن على هامش قمة سابقة لمنتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والهادئ (رويترز- أرشيف)

خطوط الصين الحمراء

استبقت الصين احتمال فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2024، من خلال اعتماد نهج مزدوج يجمع بين التصعيد المدروس والدبلوماسية المرنة، حيث سعى الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى وضع خطوط حمراء واضحة لشكل العلاقة مع الولايات المتحدة.

ولعل أبرز إعلان لتلك الخطوط وشكل العلاقة، كان في اللقاء الذي جمع شي جين بينغ بجو بايدن خلال قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (آبيك) في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 في ليما عاصمة بيرو، إذ أكد الرئيس الصيني خلال القمة، أن بلاده غير قابلة للهزيمة، وأن من سيحاول "احتواء الصين" سيفشل، وأن خسارتها ستكون خسارة للجميع، وقد انعكس ذلك أيضا في خطاباته وتصريحاته المتعددة في قمم مثل "بريكس" و"بريكس بلس" وآبيك وقمة الـ20.

إعلان

وتعد الصين نفسها لمواجهة الخطاب السياسي الأميركي من خلال تعزيز حملاتها الدبلوماسية والإعلامية الدولية، مثل تقديم روايتها حول قضايا مثل فيروس كورونا وحقوق الإنسان، واستغلال الرأي العام العالمي ضد السياسات الأميركية التي قد تؤثر على دول أخرى، إضافة إلى تعزيز قوتها الاقتصادية والعسكرية لضمان قدرتها على الصمود في وجه الضغوط الأميركية.

إعادة تشكيل الإستراتيجية الأميركية

تبدو إدارة ترامب الجديدة أكثر استعدادًا لمواصلة الضغط على الصين، لكن مع تعديلات تكتيكية بناءً على دروس الولاية الأولى، فقد صرح وزير الخارجية الأميركي الجديد، ماركو روبيو، بأن "الصين تمثل التهديد الأكبر للقرن الحادي والعشرين، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام تمدد نفوذها"، مما يعكس توجهًا أكثر صرامة تجاه بكين.

ومنذ توليه منصب وزير الخارجية الأميركي، أدلى روبيو بعدة تصريحات تجاه الصين، تعكس موقفًا صارمًا من الإدارة الأميركية الجديدة، وبعد يوم واحد من تنصيب الرئيس ترامب، حذر روبيو الصين من اتخاذ أي إجراءات تصعيدية في بحر جنوب الصين، كما أعرب عن مخاوفه من سيطرة الصين على قناة بنما، مشيرًا إلى أن بكين قد تغلق القناة في حالة نشوب صراع مع الولايات المتحدة.

وأكد أن واشنطن ستتخذ التدابير اللازمة لحماية مصالحها الإستراتيجية، محذرا الحكومة البنمية من استمرار النفوذ الصيني في إدارة الموانئ المحيطة بالقناة، مطالبًا باتخاذ خطوات فورية لتقليص هذا النفوذ، ومهددًا باتخاذ إجراءات ضد بنما إذا لم تستجب.

تعكس هذه التصريحات توجهًا أميركيًا نحو مواجهة النفوذ الصيني المتنامي على الصعيدين الاقتصادي والإستراتيجي، مع التركيز على حماية المصالح الأميركية في المناطق الحيوية.

ونفّذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعده بزيادة الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، حيث فرض ضرائب إضافية بنسبة 10% على السلع الصينية، لتُضاف إلى تلك التي كانت مفروضة في السابق.

إعلان

كما هدد بفرض عقوبات على منظمة بريكس بقيادة الصين، معتبرا إياها تهديدا إستراتيجيا واقتصاديا وتهديدا للأمن القومي الأميركي، محذرًا من أن أي محاولة لتقويض الدولار ستشكل ضربة قاسية للاقتصاد الأميركي.

وهدد أيضا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% على واردات دول بريكس إذا مضت في إنشاء عملة موحدة بديلة للدولار، مشدداً خلال مقابلة مع "سي إن بي سي" في مارس/آذار 2024، أن الحفاظ على الدولار كعملة احتياطية عالمية أمر غير قابل للتفاوض، وأنها ستظل العملة الاحتياطية العالمية.

ملفات ساخنة

تبقى تايوان إحدى أبرز نقاط التوتر في العلاقات الصينية الأميركية، حيث يعتبرها ترامب ومستشاروه جزءًا أساسيًا من إستراتيجية احتواء الصين، ورغم أن ترامب اتخذ خلال ولايته الأولى مواقف متشددة تجاه بكين في هذا الملف، فإن تصريحاته الأخيرة تحمل إشارات إلى مقاربة أكثر براغماتية بشأن الجزيرة.

فقد صرح في مقابلة مع مجلة "بلومبيرغ بيزنس ويك" في يوليو/تموز 2024، بأن تايوان يجب أن تدفع للولايات المتحدة مقابل الدفاع عنها، قائلا "تايوان لا تقدم لنا أي شيء.. تبعد عنا 9500 ميل لكنها تبعد 68 ميلا فقط عن الصين"، مما قد يشير إلى احتمال إعادة النظر في الموقف الأميركي التقليدي تجاه الجزيرة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، خلال ظهوره في برنامج "جو روغان إكسبيرينس"، أعرب ترامب عن استيائه من تايوان، متهما إياها بالاستحواذ على قطاع الرقائق الأميركي.

هذه التصريحات قد تعكس إمكانية تراجع ترامب عن الالتزامات التقليدية للولايات المتحدة تجاه تايوان، ما قد يثير مخاوف الحلفاء الإقليميين، ومع ذلك، لا تزال هناك توقعات بأن تعزز إدارة الرئيس الأميركي دعمها العسكري لتايوان، سواء عبر زيادة مبيعات الأسلحة أو تعزيز العلاقات الدبلوماسية غير الرسمية.

كما قد تلجأ واشنطن إلى بناء تحالفات إقليمية ودولية لمحاصرة النفوذ الصيني، خاصة في آسيا وأوروبا.

إعلان

أما في ملف حقوق الإنسان، فمن المتوقع أن تستمر إدارة ترامب في السياسة الأميركية القائمة على استغلال هذا الملف للضغط على الصين، خاصة في قضيتي معاملة مسلمي الإيغور في شينغيانغ، والتضييق على الحريات في هونغ كونغ.

وكان تقرير "ممارسات حقوق الإنسان لعام 2020" الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية، والذي نُشر في 30 مارس/آذار 2021، الصين بارتكاب إبادة جماعية ضد الإيغور، وجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك السجن والتعذيب والتعقيم القسري والاضطهاد ضد الإيغور والأقليات الدينية والعرقية الأخرى.

وبذلك، قد تستخدم الإدارة الأميركية هذه القضايا كورقة ضغط دبلوماسي وإعلامي، مع فرض عقوبات إضافية أو تشديد القيود على المسؤولين والشركات الصينية.

وخلال ولايته الأولى، انسحبت إدارة ترامب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، معربة عن انتقاداتها لأداء المجلس، خاصة فيما يتعلق بالصين. ومن المتوقع أن يستمر هذا النهج في ولايته الثانية مع التركيز على قضايا مثل معاملة الإيغور في شينغيانغ وقمع الحريات في هونغ كونغ.

ورغم أن ترامب يُعرف بمرونته في التعامل مع القضايا الدولية مقارنة بسلفه بايدن، فإن فريقه يضم شخصيات تتبنى موقفًا أكثر تشددًا تجاه بكين، مما يعني أن الضغوط لن تتراجع بل قد تزداد بأساليب مختلفة.

مستقبل تحكمه المصالح

يتوقع أن تتبنى إدارة ترامب نهجًا تصعيديًا ولكن محسوبًا تجاه الصين، مع التركيز على حماية المصالح الأميركية وتعزيز الأمن القومي، ومع ذلك، قد تسعى إلى إدارة التوترات بطريقة أكثر إستراتيجية ومرونة، بناءً على الدروس المستفادة من الولاية الأولى.

كما أنه من المرجح أن تكون السنوات الأربع المقبلة حاسمة في تحديد ملامح النظام العالمي الجديد، فبينما تحاول واشنطن الحفاظ على هيمنتها، تواصل بكين صعودها كقوة عالمية مستغلة أي فراغ جيوسياسي قد تتركه سياسات ترامب غير المتوقعة، مما قد يعزز مكانتها كقوة مسؤولة وأكثر استقرارًا مقارنة بالمشهد الأميركي المتقلب.

إعلان

وترى الصين أنها تمتلك فرصة لتعزيز حضورها العالمي بالنظر إلى شخصية ترامب البراغماتية، ومن خلال سياسته الاقتصادية مع الدول خاصة الحليفة والتي قد تدفع بعضهم نحو التقارب مع بكين.

المصدر : الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا