![Logo site](https://news.easydownload21.com/public/images/news-logo-inv.png)
غزة - خاص قدس الإخبارية: بعد مُضي ليلة قاسية من هطول الأمطار، ومن برودة الخيام التي لا تقي بردًا ولا مطرًا مع صقيع يُجمد الأطراف حتى يفقد المرء الإحساس بهم، وبينما كل ما حولك بارد مُبتل، تبدأ شقشقة الصباح بأشعة شمس خافته غطتها الغيوم السوداء التي تعلن برحلة البحث عن الدفء المفقود.
ماذا على الغزي أن يفعل بعد أن غرق بالأمطار الشديدة، ماذا يجفف أولًا، الفراش أم ملابس غمرتها المياه، أم يبحث عن ممتلكاته التي سحبتها المياه معها، كيف يمكن أن يقدم الدفء لأطفاله الذين يرتعشون من قسوة البرد؟
في هذا التقرير، تتجول "شبكة قدس" بين خيام النازحين وبقايا المنازل المدمرة، للإجابة عن سؤالٍ فضولي بارد، ربما راود الكثيرين منّا: ماذا يفعلون في أول شروق شمس بعد ليلة عاصفة؟
تقول أمل صلاح المقيمة في خيمة نصبتها فوق منزلها المدمر في منطقة البصة بدير البلح: "في اليوم الأول من المنخفض الشديد، نبدأ بمحاولة التأقلم مع الظروف القاسية، في البداية، نحاول حماية أنفسنا من الأمطار الغزيرة من خلال بناء قنوات حول الخيام لتوجيه المياه بعيدًا عن الداخل".
وتشير صلاح لـ "شبكة قدس" إلى أنها اضطرت لاستخدام الأغطية البلاستيكية "الشوادر" لتغطية الخيمة وتوفير أكبر قدر من الحماية، رغم كلفتها المادية المرهقة."
كان المنخفض هو الأشد بردًا ومطرًا، لدرجة أن المياه بدأت بالتسلل إلى داخل الخيمة، توضح صلاح مضيفة: "بهذه العاصفة القاسية انقلبت الخيمة وتضررت بشكل كبير بسبب الرياح القوية، مما جعلنا نبحث عن مأوى آخر، سواء في خيمة أخرى أو في منزل أحد النازحين حولنا."
لم تنم أمل طوال الليل، بل انتظرت أن ترَ الضوء يتسلل من بين غيوم الشتاء، لتبدأ رحلة إصلاح الخيمة: "نقلنا الخيمة إلى مكان أكثر أمانًا، ومن ثم جففنا حاجياتنا المبللة مثل الفراش والملابس، ومن حسن حظنا كان الجو مشمسًا قليلا مع وجود غيوم سوداء تغطيها بين الحين والآخر، وقمنا بنشر هذه الأغراض خارج الخيمة حتى تجف."
تمتمت أمل: "أصبحنا نفرح إذا رأينا الشمس".
وتتابع: "بعد ذلك أحاول تدفئة أطفالي عن طريق اللجوء إلى أماكن دافئة مثل الأفران أو باستخدام النيران، وأطهو لهم على الحطب شيئًا ساخنًا علّه يدفئ أجسادهم التي غلفها البرد القارس"، مشيرةً إلى صعوبة إشعال الحطب المبلل بعد المنخفضات الجوية.
وتقول الإحصائيات الرسمية إن 90% من النازحين دمر جيش الاحتلال منازلهم في عمليات التدمير والقصف التي طالت القطاع من شماله إلى جنوبه، ما أجبرهم على نصب الخيام واللجوء إليها لتكون مسكنهم الوحيد وليمر عليهم فصلا شتاء بكل قسوتهما.
أما رنا جابر، بكت بحرقة عند أول كلمة من سؤالنا لها ماذا تفعلين: " قد تعبت .. تعبت كثيرًا من كل ذلك الأسى منذ سنة وأكثر، وأنا نازحة في الخيام، والاحتلال دمّر بيتي ولم أستطع أن استصلح منه ولو غرفة واحدة تأويني أنا وأطفالي الثلاثة"
وتضيف جابر لـ "شبكة قدس": مرّ علينا فصلان من الشتاء، لكن هذا المنخفض كان الأصعب والأقسى، لأول مرة لا أستطيع أن أفعل شيء لأطفالي ولم نجد مكان يأوينا حتى النهار، حتى ملابس أطفالي على أجسادهم كانت مبتلة.
ومع أول شروق شمس بعد الليلة العاصفة: حاولت رنا إخراج أمتعتها والفرش والأغطية المبتلة لنشرها وتجفيفها، "لقد كانت ثقيلة جدا فهي غارقة بالمياه، لقد ذهبت إلى الجيران لأطلب منهم المساعدة ليحملوها معي"، تصف جابر تلك اللحظة.
وتتابع: "ما أن أشرقت الشمس قليلًا، ورغم أشعتها الباردة، طلبت من أطفالي الوقوف في مكان تصله أشعة الشمس للتدفئة، وذهبت أبحث لهم عن شيء دافئ يشربونه."
"لكن محاولاتي باءت بالفشل، مرض أطفالي الثلاثة من شدة البرد"، تستدرك جابر التي تسكن في مخيم البريج.
وتقول: "لم أكمل المهام المطلوبة مني لأعيد الخيمة صالحة للعيش، فقد اضطررت إلى نقل أطفالي إلى المستشفى وقد نهش البرد عظامهم وأصبحوا غير قادرين على الوقوف حتى، ولم أكن وحدي، وجدت كثيرًا من العائلات التي وصلت لتلقي العلاج بعد تلك العاصفة الشديدة."
وتشير الإحصاءات الرسمية، إلى استشهاد 8 فلسطينيين نتيجة البرد الشديد في خيام النازحين بينهم 7 أطفال، خلال المنخفضات الجوية على القطاع، وأوضح المكتب الإعلامي، في بيان سابق له، أن الاحتلال الإسرائيلي تسبَّب بأزمةٍ إنسانيةٍ مأساويةٍ تُهدد بموت آلاف النازحين بعد اهتراء 110,000 خيمة من أصل 135,000 خيمة أصبحت خارج الخدمة، أي ما نسبته 81% من الخيام قد تدهورت بصورة كاملة
وأشار بيان المكتب الإعلامي إلى اهتراء 81% من خيام النازحين، بالتزامن مع دخول فصل الشتاء وموجات الصقيع الشديدة، حيث يعيش النازحون ظروفا قاسيةً وتشكل خطراً على حياتهم، مؤكدًا أن نحو مليون نازح يعيشون، منذ أكثر منذ بدء حرب الإبادة، في خيام مصنوعة من القماش، والتي أصبحت الآن غير صالحة للاستخدام بفعل عوامل الزمن والظروف الجوية.
العاصفة مع بقايا الجدران
لم تكن الخيام وحدها في مواجهة هذا المنخفض الشديد، فالمباني المتآكلة والمدمرة جزئيًا بفعل صواريخ الاحتلال ومدفعيته ونسفه، كان لها نصيب من هذه العاصفة الشديدة، كما حدث مع أحمد صالحة من حي الشيخ رضوان بمدينة غزة.
استطاع صالحة أن يستصلح غرفة من بيته المدمر، وأغلق جزءًا منها بالغطاء البلاسيتيكي "الشادر"، لكن ما أن وصل المنخفض الأول بعد عودة النازحين وهو في بقايا بيته، حتى استيقظ وعائلته على شلال من المياه يتساقط فوق رؤوسهم، بحسب حديثه لـ "شبكة قدس".
ويضيف: "كل شيء حولي تغمره المياه، وحتى 15 دقيقة لم أعلم ماذا أفعل، ووالدتي الكبيرة بالسن ولا تستطيع الحركة، وتبللت كل ملابسها "
ويصف صالحة تلك اللحظات: "أسوأ ما يمكن أن يمر به الإنسان أنه لا يستطيع فعل شيء، انتظرنا الصباح وبدأت بالبحث عن حطب لإشعال النار."
ولا يعني كونك تحت سقفٍ من حجارة أنك لن تستيقظ في يومكَ التالي لتجفيف أمتعتك والأغطية التي غمرتها المياه، بل ستفعل كما يؤكد صالحة، الذي استعان بجيرانه لإغلاق الفجوة في جدار المنزل، بعد أن حملت العاصفة الغطاء البلاسيتيكي بعيدًا.
ويشير صالحة إلى أنه كان ينزح في خيمة في جنوب قطاع غزة، وبعد أن سُمح لهم بالرجوع إلى الشمال وانسحب الاحتلال من نتساريم، عاد وجلس في بيته المدمر، متأملًا أن يقيه سقف منزله من الأمطار الشديدة.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، أسفرت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة بأضرار فادحة على صعيد قطاع الإسكان،ح يث تضررت 450 ألف وحدة سكنية، منها 170 ألف وحدة سكنية هدمت كليا، و80 ألف وحدة تضررت بشكل بليغ، و200 ألف تضررت بشكل جزئي.
مع اشتداد الأمطار..
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) February 6, 2025
مشهد من مخيم جباليا شمال قطاع غزة، حيث يعيش الفلسطينيون تحت ما تبقى من منازلهم المدمرة. pic.twitter.com/PoYTstwZ6L
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا