الذكاء الاصطناعي يُوقع المحامين في ورطة.. من الهلوسة إلى العقوبات

في خطوة مفاجئة وغير مسبوقة، أرسلت شركة مورجان آند مورجان، وهي شركة محاماة أمريكية متخصصة في قضايا الإصابات الشخصية، رسالة بريد إلكتروني عاجلة هذا الشهر إلى أكثر من 1000 محامٍ لديها، تحذرهم فيها من مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي في عملهم.

وأوضحت الشركة في الرسالة أن الذكاء الاصطناعي قد يخترع معلومات قانونية وهمية، ويستخدم قضايا واقتباسات مزيفة في الملفات القضائية، مما قد يؤدي إلى فصل المحامين من العمل.

وجاء هذا التحذير بعد أن هدد قاضي فيدرالي في ولاية وايومنج بفرض عقوبات على اثنين من المحامين في الشركة، لاستخدامهما معلومات قانونية وهمية في دعوى قضائية ضد وول مارت.

وقد اعترف أحد المحامين في الملفات القضائية الأسبوع الماضي بأنه استخدم برنامجًا للذكاء الاصطناعي “هلوس” القضايا، وقدم اعتذارًا عما وصفه بأنه خطأ غير مقصود.

ومن ثم أصبح استخدام الذكاء الاصطناعي في مهنة المحاماة يشكل صداعًا للمتقاضين والقضاة على حد سواء، فبالإضافة إلى تعقيد الإجراءات القانونية، فإنه يثير تساؤلات حول مدى موثوقية المعلومات التي ينتجها، وقدرة المحامين على التحكم في هذه التقنية.

استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال المحاماة:

يشهد مجال المحاماة تحولًا كبيرًا بفضل التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، فهذه التقنية، التي تتميز بقدرتها على إنشاء نصوص شبيهة بالنصوص البشرية، تساعد المحامين في تقليل الوقت المستغرق في البحث عن الملخصات القانونية وصياغتها، وقد دفع هذا العديد من شركات المحاماة إلى التعاقد مع شركات الذكاء الاصطناعي أو بناء أدوات الذكاء الاصطناعي خاصة بها.

وقد أظهر استطلاع رأي أجرته وكالة تومسون رويترز، العام الماضي، أن نسبة تبلغ 63% من المحامين قد استخدموا الذكاء الاصطناعي في عملهم، وقال 12% منهم إنهم يستخدمونه بانتظام.

هلوسات الذكاء الاصطناعي في المحاكم:

لا تقتصر مشكلة هلوسة الذكاء الاصطناعي في المحاكم على شركة مورجان آند مورجان، فقد ظهرت حالات مماثلة في مختلف المحاكم الأمريكية، ووقعّت أقدم الحالات التي شهدت انتقادًا قضائيًا واضحًا لاستخدام المحامين للذكاء الاصطناعي في مانهاتن في يونيو 2023، وفرض فيها القاضي غرامة قدرها 5000 دولار على اثنين من المحامين بسبب الاستشهاد بقضايا اخترعها الذكاء الاصطناعي في قضية إصابة شخصية ضد شركة طيران.

وفي نوفمبر الماضي، أمر قاضي فيدرالي في تكساس محاميًا استشهد بقضايا واقتباسات غير موجودة في دعوى قضائية تتعلق بإنهاء الخدمة بشكل غير قانوني بدفع غرامة قدرها 2000 دولار وحضور دورة حول الذكاء الاصطناعي التوليدي في المجال القانوني.

وقال قاضي فيدرالي في مينيسوتا الشهر الماضي إن خبيرًا في المعلومات المضللة قد دمر مصداقيته لدى المحكمة بعد أن اعترف بأنه استخدم عن غير قصد استشهادات وهمية في قضية تتعلق بالتزييف العميق لنائبة الرئيس كامالا هاريس.

ولكن ما أسباب هلوسة الذكاء الاصطناعي؟

تنتج هلوسات الذكاء الاصطناعي لأن النماذج اللغوية الكبيرة، التي تعتمد عليها هذه التقنية تنشئ استجابات بناءً على أنماط إحصائية مستقاة من مجموعات بيانات ضخمة، بدلًا من التحقق من الحقائق في مجموعات البيانات هذه. ونتيجة لذلك، قد تنتج معلومات غير صحيحة أو ملفقة.

مسؤولية المحامين:

تشدد قواعد أخلاقيات المحاماة على مسؤولية المحامين الكاملة عن دقة وموثوقية الملفات القضائية التي يقدمونها، ويُعدّ التحقق من صحة المعلومات ودعمها بالأدلة اللازمة واجبًا أساسيًا، وإلا فإن المحامين يخاطرون باتخاذ إجراءات تأديبية ضدهم.

ولمواكبة التطورات التقنية، أصدرت نقابة المحامين الأمريكية العام الماضي تحذيرًا لأعضائها البالغ عددهم 400 ألف عضو، أكدت فيه أن مسؤولية المحامين تمتد لتشمل “حتى أي بيان غير صحيح بطريقة غير مقصودة” يُنتج من خلال الذكاء الاصطناعي.

وأكد أندرو بيرلمان، عميد كلية الحقوق في جامعة سوفولك والمدافع عن استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، أن التطور التقني لا يُعفي المحامين من مسؤولياتهم المهنية، وشدد على أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، لإنشاء اقتباسات قانونية دون التحقق من صحتها يُعدّ عدم كفاءة مهنية واضحًا.

الحاجة إلى المعرفة بالذكاء الاصطناعي:

يشدد الخبراء على ضرورة أن يتعلم المحامون نقاط القوة والضعف في أدوات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمونها، وأن يكونوا على دراية بمخاطر هلوسة الذكاء الاصطناعي، ويشيرون إلى أن الأمثلة المتزايدة على هذه المشكلة تُظهر نقصًا واضحًا في المعرفة بالذكاء الاصطناعي في المهنة.

إذ يشير هاري سورين، أستاذ القانون في كلية الحقوق بجامعة كولورادو الذي يدرس الذكاء الاصطناعي والقانون، إلى أن هذه الحالات المتزايدة تُظهر نقصًا في المعرفة بالذكاء الاصطناعي في المهنة، لكنه يشدد على أن التكنولوجيا نفسها ليست المشكلة. ويقول: “لطالما ارتكب المحامون أخطاء في ملفاتهم قبل الذكاء الاصطناعي، هذا ليس جديدًا، ولن تتغير العواقب لمجرد أن أدوات البحث القانوني قد تطورت”.

الخلاصة

يمثل استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني فرصة كبيرة لتحسين الكفاءة وتسريع الإجراءات. ومع ذلك، يجب على المحامين أن يكونوا على دراية بمخاطر هلوسة الذكاء الاصطناعي، وأن يتخذوا الإجراءات اللازمة لضمان صحة المعلومات التي يستشهدون بها في ملفاتهم القضائية.

تم نسخ الرابط
تابعنا