
جذورٌ ضاربةٌ في الأرض
منذ آلاف السنين، ظل الزيتون رمزًا للحياة والصمود في فلسطين، تمامًا كما هو حال الشعب الفلسطيني الذي لا يزال متجذرًا في أرضه رغم كل التحديات. فالزيتون الكنعاني، الذي يعود تاريخه إلى أكثر من 5,000 عام، لا يختلف عن الفلسطيني في شيء؛ كلاهما يقاوم، ويصمد، ويمنح الحياة، فالزيتون في فلسطين ليس مجرد شجرة، بل هوية وتراث وتاريخ متجذر في وجدان الفلسطيني، فالعلاقة روحية بين الفلسطيني وأرضه رغم سياسات الاحتلال الرامية الى التهجير القسري لاقتلاع الفلسطيني من بيوتهم وقراهم.
سياسات التهجير: أدوات القمع والتشريد
منذُ النكبة عام 1948م والاحتلال الإسرائيلي يحاول اقتلاع الإنسان الفلسطيني من أرضه، فبدايته العملية على الأرض بدأت باقتلاع أشجار الزيتون، إذ دمرت قوات الاحتلال مئات الآلاف من الأشجار على مر العقود، في محاولة لطمس هذا الرمز الوطني، لكن تمامًا كما يعيد الفلسطيني بناء بيته كلما هُدم، فإنه يعيد زراعة أشجاره كلما اقتُلعت، وكأنه يبعث برسالة واضحة: "نحن هنا، وسنبقى هنا."
رغم الجدار العازل، والبؤر الاستيطانية، والسياسات الاستيطانية، وسرقة الموارد الطبيعية من مياه وأراضي، وعوائق الحواجز العسكرية التي تعدّت المئات وقطعت أوصال الفلسطينيين وأجبرتهم على العيش أشبه بالكنتونات، وهدم المنازل واستهداف البيوت في العاصمة الأبدية القدس بحجة عدم الترخيص والتي أصبح الحصول على التراخيص أشبه بالمستحيل والتضييق المعيشي والاقتصادي والعنف الممنهج من المستوطنين، لا يزال الفلسطيني يتمتع بصمود لا يلين، فيحافظ على أرضه ويواصل زراعتها، وقد أصبح الزيتون وسيلة للمقاومة الاقتصادية، حيث يتم تصدير زيت الزيتون الفلسطيني عالي الجودة إلى مختلف دول العالم، ليكون شاهدًا على صمود هذا الشعب.
معركة البقاء والوجود
منذُ أن وطئ الاحتلال أرض فلسطين وما زال أطول الاحتلالات العسكرية في العصر الحديث لم تتوقف مقاومة الفلسطينيين في مواصلة نضالهم من أجل التحرر واستعادة حقوقهم، فالشعب الفلسطيني مثالاً حياً للصمود في وجه كل محاولات التهجير القسري واقتلاعه من أرضه ومحو هويته، فكلما هدم الاحتلال بيتاً أعاد الفلسطيني بنائه مراراً وتكراراً، وتمسّك بالسلاح الأقوى في مواجهة الاحتلال من بوابة التعليم والثقافة للحفاظ على هويته الثقافية لترسيخ السردية الوطنية، ولعبَ دوراً بارزاً في التكافل الاجتماعي، وخاض معارك قانونية وحقوقية في كل المحافل الدولية لتثبيت الحق الفلسطيني، فقاوم بالعلم والحجر والقانون والسلاح لمنع طمس الهوية الفلسطينية ليبقى ثابتاً على أرضه متمسكاً بحقوقه رافعاً شعاراً " على هذه الأرض ما يستحق الحياة".
صامدون كالزيتون الكنعاني
يحملُ الفلسطيني في قلبه حب الوطن، تماماً كما يحمل الزيتون الكنعاني نكهته الخاصة، فكلما استمرت شجرة الزيتون صمودها في وجه الرياح استمر الفلسطيني صموده في وجه الاحتلال الإسرائيلي أملاً ونضالاً في وجه الحصار والتهجير والنزوح المستمر فالصمود ليس في الأرض وحسب بل في القلب والروح والوجدان، ولم يقتصر الزيتون على كونه مصدرًا اقتصاديًا كما كل بقاع الأرض، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الفلسطينية، حاضرًا في الأغاني الشعبية، والأمثال، وحتى في الرموز الوطنية. فتجد كبار السن يرددون، "مثل الزيتون، كلما عُصر زاد نفعه"، وهذا المثل ينطبق تمامًا على الفلسطيني الذي كلما زادت عليه المحن، زاد قوةً وثباتًا.
إرثٌ يمتد للأجيال
كما تنتقل أشجار الزيتون من جيل إلى آخر، تنتقل أيضًا روح الصمود والمقاومة في قلوب الفلسطينيين، فالطفل الذي يرى جده يعتني بأشجاره، سيكبر ليحمل هذه المسؤولية، مدركًا أن هذه الأرض هي هويته ومستقبله، واليوم، ورغم كل محاولات التهجير والاقتلاع، يبقى الفلسطيني متمسكًا بأرضه، كما يتمسك الزيتون بجذوره العميقة، فالاحتلال الذي ما زال يتعمّد تدمير ومحوّ رمز صمود الفلسطينيين في أرضه فشل في محو إرادة شعب بأكمله، وكما يبقى الزيتون الكنعاني صامدًا رغم كل العواصف، سيبقى الفلسطيني شامخًا، يحمي أرضه ويصون إرثه، إلى أن يشرق فجر الحرية.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا