
لا يزال صدى عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر يتردد في أروقة المؤسسات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، حيث لم تتوقف قيادة الاحتلال لحظة عن البحث والتحليل ومحاولة فهم ما جرى. وبين تضارب التحقيقات والشهادات الإسرائيلية حول العملية، يتضح أن كتائب القسام تمكنت من مفاجأة العدو عبر امتلاك قدرات عسكرية متعددة الأبعاد. وتجمع وسائل الإعلام العبرية على أن الفشل الإسرائيلي ناتج عن جمود فكري خطير داخل أجهزة الاستخبارات، والجيش، والشاباك، مما جعلها عاجزة عن استشراف ما كان يجري أمام أعينها.
يقول ضابط كبير شارك في تحقيقات 7 أكتوبر: "عند قراءة الوثائق التي أعدت قبل الهجوم، يمر المرء بتجربة صادمة ومحطّمة. يبدو الأمر وكأنك تشاهد فيلمًا تعرف نهايته مسبقًا، لكنك لا تستطيع تصديق أن هذا العدد من المسؤولين، في قيادة المنطقة الجنوبية وهيئة الأركان والشاباك ووحدة 8200، لم يروا ما كان يجري!".
لا تزال تداعيات طوفان الأقصى مستمرة، لأن عملية بهذا الحجم تكشف عن إخفاقات استراتيجية جوهرية في أجهزة الاستخبارات واتخاذ القرار الإسرائيلي. وكما ذكرت سابقًا، فإن الفشل الأمني والاستخباراتي الذي كشفته هذه المعركة سيؤدي إلى زيادة الشكوك في أي عمليات استخبارية مستقبلية ذات نطاق واسع، وسيضع الجيش الإسرائيلي أمام مشاكل عميقة في تقديراته الميدانية.
بطبيعة الحال، فإن عنصر المفاجأة الاستراتيجية في المواجهة مع الاحتلال محدود نسبيًا، نظرًا للحصار المشدد على غزة وإجراءات الرقابة المشددة. أهداف المقاومة كانت واضحة، والطبيعة الجغرافية للقطاع والاتجاهات المحتملة للهجوم لم تكن خفية على العدو. لكن رغم ذلك، نجحت قيادة المقاومة في انتزاع عنصر المفاجأة بجدارة، مما أدى إلى شلّ منظومة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية بالكامل.
الكل يتساءل: كيف غفل الإسرائيليون عن علامات المعركة الواضحة؟ وكيف لم يلتقطوا إشارات التحضير للهجوم رغم أنها كانت "تحملق في عيونهم مباشرة"؟ الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت كتب في معاريف أن "الغطرسة والتجاهل التام للتحذيرات السابقة أدّيا إلى واحدة من أعظم الإخفاقات الاستخباراتية في التاريخ"، مشيرًا إلى أن لجنة التحقيق جمعت 1000 صفحة توثّق هذا الفشل الذريع.
كلما تعمق المرء في التفكير بهذه المفاجأة، ازداد تعجبه من غفلة العدو المتذاكي وإعجابه ببراعة التخطيط العسكري الفلسطيني. فقد تحركت مجموعات عسكرية كبيرة بكامل عتادها تحت ستار المناورات، واتخذت مواقع هجومية داخل مسرح عملياتي مكشوف، كل ذلك تحت أنف العدو وأمام أجهزته الاستخبارية. كيف حدث هذا؟ وكيف لم ترصد إسرائيل أي شيء؟
المفاجأة تحققت ببراعة منقطعة النظير، ليس فقط من خلال السرية المطلقة التي تم تأمينها بذكاء، ولكن أيضًا عبر خداع استراتيجي محكم طويل الأمد. أما التوقيت، فقد اختير بذكاء ليصيب العدو بالشلل التام، مستغلًا انشغاله في أعياده، حين يكون في أضعف حالاته الأمنية، فضلًا عن الغرور الإسرائيلي الذي جعله يستبعد أن تجرؤ كتائب القسام على تنفيذ عملية بهذا الحجم.
ومع كل ذلك، تحققت المفاجأة الكاملة التي أدخلت العدو في حالة من التخبط والشلل العسكري والسياسي. وعلى الرغم من المزاعم الإسرائيلية بأن الاستخبارات كانت تملك بعض المؤشرات على احتمالية الهجوم، إلا أن سلوك الجيش الميداني في الساعات الأولى من العملية كان دليلًا واضحًا على أنه أخذ على حين غرة بالكامل.
التحقيقات الإسرائيلية الأخيرة أجمعت على أن الفشل يوم 7 أكتوبر يعود بالدرجة الأولى إلى عنصر المفاجأة، ما دفع الاحتلال إلى تبرير هزيمته بالقول إن المقاومة لم تكن لتنتصر لولا هذا العامل الوحيد. لكن هذه المزاعم ليست سوى محاولة يائسة لإنقاذ ما تبقى من سمعة الجيش الإسرائيلي، الذي تلقى الضربة الأكبر في تاريخه.
وفي خضم هذه المراجعات، أدركت إسرائيل أن تحميل الاستخبارات وحدها مسؤولية الفشل هو اعتراف ضمني بضعفها وعجزها التام. لقد تبين أن المشكلة أوسع وأعمق، وتتعلق بجمود العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والغرور المفرط، والانفصال عن الواقع، وهي عوامل جعلت الاحتلال يدفع ثمنًا باهظًا في ذلك اليوم.
اليوم، هناك رأيان متعارضان داخل إسرائيل حول أسباب الهزيمة: رأي رسمي يحاول تحميل المسؤولية بالكامل للاستخبارات، ورأي أكثر صراحةً يرى أن الفشل أوسع وأشمل، وأن هناك خللًا في الرؤية والتخطيط على جميع المستويات.
لكن الحقيقة التي يحاول الاحتلال تجاهلها هي أن المفاجأة لم تكن سوى أحد عناصر النجاح في هذه العملية، فالمقاومة تمتلك قدرات عسكرية واستخباراتية متكاملة متعددة الأبعاد، جعلت هذه العملية أكبر من مجرد "ضربة حظ" كما يحاول الإسرائيليون تصويرها. 7 أكتوبر لم يكن مجرد يومٍ عابر، بل نقطة تحول غيرت معادلات الصراع بشكل غير مسبوق.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا