عنف الاستعمار بالجزائر.. فرنسا استخدمت التعذيب والحرق والأسلحة الكيميائية

أثارت مجلة لوبس مسألة الجرائم المرتكبة أثناء احتلال الجزائر والحروب الاستعمارية الأخرى مثل حرب الهند الصينية، وذلك بالتزامن مع سحب القناة الفرنسية الخامسة فيلما وثائقيا يكشف عن استخدام فرنسا الأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى توقيف صحفي بسبب مقارنته تلك الجرائم بما ارتكبته القوات النازية في فرنسا.
ونقلت الصحيفة -في مقال بقلم دوان بوي- شهادة ضابط إسباني في يونيو/حزيران 1845، قال فيها "لا شيء يمكن أن يعطي فكرة عن المشهد الرهيب الذي أنتجه الكهف. كانت جميع الجثث عارية، في أوضاع تشير إلى التشنجات التي تعرضوا لها قبل وفاتهم، وكان الدم يخرج من أفواههم. ولكن ما أثار الرعب أكثر هو رؤية الأطفال الرضع يرقدون بين بقايا الأغنام وأكياس الفاصوليا".
اقرأ أيضا
list of 2 itemsوذكرت المجلة بأن هذا ليس وصفا لكنيسة أورادور سور غلان، حيث تم حبس 450 امرأة وطفلا وإحراقهم في التاسع من يونيو/حزيران 1944 على يد الألمان، بل هو شهادة ضابط إسباني، في يونيو/حزيران 1845، قبل قرن تقريبا من حادثة الكنيسة، أمام غار الفرشيح، حيث أشعل العقيد بيليسييه النار، وسجلت هيئة الأركان العامة 760 قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال.
سياسة المحرقة
وقد وردت هذه الممارسات ضمن سياسة "المحرقة" التي أمر بها مارشال بوجو، وهي إستراتيجية تهدف إلى خنق المقاومين الجزائريين أثناء الغزو الاستعماري، وتم تنظيمها من قبل أحد "أبطالها" المارشال بيجو الذي يقول "إذا تراجع هؤلاء الأشرار إلى كهوفهم، فاطردوهم كما تطرد الثعالب".
إعلانوكانت هناك مجازر وعمليات تهجير كثيرة أثناء غزو الجزائر، وتظهر هذه الشهادة، التي أدلى بها العقيد دي سانت أرنو في أغسطس/آب 1845، أن تعليمات بيجو تم اتباعها بحماس "فقد أغلقتُ المخارج بشكل محكم وأنا أقوم بإنشاء مقبرة واسعة. ستظل الأرض مغطاة بجثث هؤلاء المتعصبين إلى الأبد. هناك 500 من قطاع الطرق لن يذبحوا الفرنسيين بعد الآن.. ضميري لا يوبخني على أي شيء".
وفي منتصف الحرب الجزائرية، جاء هذا الوصف لممارسة التعذيب في مجلة لوبس، وكانت وقتها تسمى "فرانس أوبسرفاتور" بقلم كلود بوديه، "إن التعذيب بحوض الاستحمام، أو نفخ الماء عبر فتحة الشرج، أو التيار الكهربائي على الأغشية المخاطية والإبطين أو العمود الفقري، هي الأساليب المفضلة، لأنها "إذا طبقت بشكل جيد" لا تترك أي أثر مرئي. إن عذاب الجوع مستمر أيضا، كما أن الخازوق واللكمات والركلات والضربات بأعصاب الثور ليست بمنأى عن ذلك أيضا".
وفي هذا السياق، أثار الكاتب الصحفي جان ميشيل أباتي جدلا واسعا بمقارنته بين هذه الفظائع التي ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر بمذبحة أورادور سور غلان، وخاصة بقوله "لقد ارتكبت فرنسا مئات المجازر مثل أورادور سور غلان"، ليتم إيقافه عن العمل من قبل إذاعة "آر تي إل"، وفي التاسع من مارس/آذار أعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي قراره بمغادرة العمل.
وأثارت المجلة قضية حساسة عن كيفية التعامل مع إرث العنف الاستعماري، وكيف تنعكس هذه الذاكرة على الخطاب العام والسياسة المعاصرة، تاركة السؤال مفتوحا حول قدرة المجتمع على مواجهة ماضيه بشفافية، مشيرة إلى أن فرنسا تُحيي ذكرى بعض المجازر مثل أورادور-سور-غلان بينما تتجاهل جرائمها في مستعمراتها السابقة، مما يعكس انتقائية في طريقة تذكر الماضي.
أسلحة كيميائية
وإلى جانب استقالة أباتي، وفي سياق دبلوماسي متوتر يحتدم فيه النقاش حول الجرائم الاستعمارية، سحبت القناة الفرنسية الخامسة فيلما وثائقيا غير منشور يكشف عن استخدام فرنسا للأسلحة الكيميائية في الجزائر قبل 5 أيام من بثه، مع أنه متاح عبر الإنترنت منذ الأربعاء 12 مارس/آذار.
إعلانويستند الوثائقي -حسب تقرير آخر لصحيفة ليبراسيون- إلى أبحاث المؤرخ كريستوف لافاي، ويكشف استخدام الجيش الفرنسي لأسلحة كيميائية محظورة لتطهير المناطق الجبلية من المقاتلين الجزائريين، مثل غاز "سي إن 2 دي" (CN2D) المحظور وفق معاهدة جنيف لعام 1925.
وذكرت ليبراسيون بأن الوثائقي الذي عُرض على قناة "آر تي إس" السويسرية قبل أيام، وأثار تفاعلا واسعا في الإعلام الجزائري، يأتي في وقت حساس بسبب توتر العلاقات الفرنسية الجزائرية، لا سيما بعد اعتراف فرنسا في صيف 2024 "بالسيادة المغربية" على الصحراء الغربية.
وأشارت لوبس إلى أن العنف لا يقتصر على الجزائر وحدها، وقد أوضح المؤرخ كريستوفر جوشا، الذي أجرت معه مقابلة في عددها الخاص "الهند الصينية، الاستعمار المنسي"، أن حرب الهند الصينية كانت حرب الاستعمار الأكثر عنفا في القرن الـ20، حيث كانت حصيلة الضحايا المدنيين أعلى حتى من حصيلة ضحايا حرب الجزائر.