هل يطيح انقلاب عسكري بالرئيس بوتين؟

هل بمقدور الجنود الروس الناقمين الإطاحة بالرئيس فلاديمير بوتين؟ هذا هو السؤال الذي يرى مراسل صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، روجر بويز، أنه يستحق الطرح بعد أن سدّ الزعيم الروسي العديد من الطرق الأخرى التي يمكن أن تُفضي إلى تلك النتيجة.
وفي تقريره بالصحيفة، يلفت بويز الانتباه إلى أن من يستطيعون حشد المتظاهرين الشباب في الشوارع يقيمون في المنافي أو يقبعون في معسكرات الاعتقال حيث لقي المعارض أليكسي نافالني حتفه.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsفالذين يمكن أن يشكلوا محورا موثوقا به مناهضا لبوتين داخل مؤسسات السلطة يفتقرون -برأي المراسل الدبلوماسي- إلى الجرأة أو النفوذ.
ولفت بويز إلى أن من سمات نظام بوتين، الذي تشكل على مدى ربع قرن في السلطة، أنه لكي يحظى المرء بثقة الرئيس أو أن يصبح من جلسائه فلا بد أن يكون "مخصيا" سياسيا، حسب وصف المراسل في تحليله.
لكنه، مع ذلك، يرى أن مواجهة الرئيس من داخل الجيش لا تزال ممكنة، فقد أثارت الحرب الطويلة في أوكرانيا -التي يقودها الكرملين "بشكل أخرق"- سخط الجنود، على حد تعبيره.
واستند مراسل "ذا تايمز" في تحليله على كتاب من تأليف الخبيرة في الشؤون الدولية كانداس رونديو، تحت عنوان "مرزبة بوتين: سقوط مجموعة فاغنر في فوضى الارتزاق".
إعلانورغم أن رونديو لا تعالج هذه المسألة بشكل مباشر، لكنها تطرح فكرتين مهمتين لاستخلاص العبر منهما. تتمثل الأولى في إعادة تمثيل الأجواء التي سادت سان بطرسبرغ ثانية أكبر المدن الروسية، بعد الانسحاب المهين من أفغانستان عام 1989 الذي سبق انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وتصف المؤلفة كيف تقاطعت مسارات بوتين ويفجيني بريغوجين -الذي أصبح فيما بعد قائدا لمجموعة فاغنر- بمدينتهما في تلك اللحظات الفوضوية.
وكان بوتين قد عاد آنذاك من عمله ضابطا بالمخابرات السوفياتية في دريسدن شرقي ألمانيا، وأنشأ موطئ قدم له في إدارة المدينة، بينما كان بريغوجين قد أسس سلسلة مطاعم للنقانق.
وفي ذلك الوقت، كانت التماثيل تتهاوى والشوارع تعاد تسميتها في الأيام الأولى المحمومة لروسيا ما بعد الشيوعية.
وتلاحظ رونديو أن الكرملين خفّض عدد أفراد جيشه إلى النصف تقريبا، وأبقى على ما يزيد قليلا على مليون جندي في الخدمة الفعلية.
لكن من شملهم قرار التقليص، وهم مجموعة كبيرة مدربة على القتل، أصبحوا بلا عمل وأصابهم الإحباط، مما اضطر بعضهم للعمل سعاة، أو عملاء لتجارة المخدرات المزدهرة، أو حراس أمن أو مخبرين لدى الشرطة، أو حراسا في الملاهي الليلية، وأنشأ البعض الآخر شركات أمنية خاصة بهم.
ولم يمنح الجيش الروسي أي امتيازات لمحاربيه القدامى الذين كان الكثير منهم مصابين بصدمة أو فقدوا أحد أطرافهم. ومن هنا، جاءت ولادة صناعة المرتزقة الروسية، وهي خطوة أولى يائسة في الاستعانة بمصادر خارجية في الحروب المستقبلية، كما تقول الصحيفة.
ووفقا لتحليل بويز، فلقد استغرق الأمر سنوات حتى يتسنى للروس التعامل مع صدمة حربهم الخاسرة في أفغانستان، ووقتا أطول لكي يستعيد الجيش الروسي مكانته.
إعلانأما الفكرة الثانية أو العبرة التي تناولتها رونديو في كتابها، فهي كيف حدث تمرد فاغنر عام 2023، وما إذا كان بريغوجين قد تعمد الدخول في صدام مفتوح مع الكرملين، لم يكن له إلا أن يخسره.
وعندما لجأ بريغوجين إلى وسائل التواصل لحث الكرملين على توفير مزيد من التمويل له، وعتاد أفضل، وإبداء الاهتمام بقواته ومزيد من الاحترام له، بدأ القلق يساور القائمين على أمره في الاستخبارات العسكرية بعد أن تكبدت مجموعته خسائر فادحة في معركة باخموت الطويلة والطاحنة شرق أوكرانيا.
وربما لم يرد سيرغي شويغو (وزير الدفاع الروسي آنذاك) لأنه كان ينتظر أن ينهار بريغوجين، مما يعطيه ذريعة لدمج جنود فاغنر في القوات النظامية.
وهنا أيضا، تتساءل رونديو: هل كان بريغوجين يتحدث باسم بوتين؟ وهل كان الاقتتال الداخلي بين مجموعة فاغنر والقوات التقليدية الروسية جزءا من مخطط كبير؟
بيد أن مؤلفة الكتاب لم تصل إلى نتيجة. فقد كان من الواضح أن بريغوجين بدا مضطربا وغير متزن، ولاذ بوتين بالصمت، ولم يك ذلك مفهوما حتى للمدنيين الروس.
بويز: من سمات نظام بوتين، الذي تشكل على مدى ربع قرن في السلطة، أنه لكي يحظى المرء بثقة الرئيس أو أن يصبح من جلسائه فلا بد أن يكون "مخصيا" سياسيا
وذكرت رونديو أن بريغوجين استمر في بث الرسائل المرئية والصوتية عبر قناته على منصة تليغرام، مطالبا بإقالة شويغو، وحذر من أن روسيا قد تشهد تكرارًا للثورة البلشفية عام 1917 إذا رفض الكرملين الدعوة إلى التعبئة العامة. ثم اتهم الجيش الروسي بزرع الألغام على طول خطوط انسحاب قوات فاغنر.
وبعد أشهر من انتقادات بريغوجين، اتخذ بوتين قرارا بالانحياز إلى شويغو، وكان من المقرر إخضاع مجموعة فاغنر لإشراف وزارة الدفاع، وصياغة تشريع جديد يقنن وضع المتعاقدين العسكريين الخاصين.
وبعد أشهر قليلة من التمرد المجهض، انفجرت طائرة بريغوجين، وانخرط عقبها بوتين في تطهير وزارة الدفاع.