Skip to main content

جوعى في غزة يسلكون طريق الموت لسد رمقهم

23 حزيران 2025
https://qudsn.co/جوعى في غزة يسلكون طريق الموت لسد رمقهم

غزة - قدس الإخبارية: عبر صفحة الفيسبوك الخاصة كتب الناشط أحمد سرداح متهكما" مرحبا، الكمين مفتوح الآن (..) بعد 10 دقائق، نود إعلامكم أنه تم صيد 23 شخصاً نكتفي بذلك، شكرا على غبائكم".

ما يقصده الناشط الغزاوي في اشارة تهكم تجاه مؤسسة "غزة الإنسانية" الأمريكية التي باتت شريكا للاحتلال في إيقاع الفلسطينيين في قطاع غزة تحت قصف الاحتلال لهم خلال ذهابهم لاستلام المساعدات، أو عند اعتراضهم الشاحنات المحملة بالمساعدات ليس "بلطجة" بل لسد رمقهم وعوائلهم.

قبل أيام تواصلت مراسلة "شبكة قدس" مع زميل صحفي من أجل إعداد تقرير فجاء الرد في تمام الساعة الواحدة من منتصف الليل وتحديدا بمنطقة السودانية شمال قطاع غزة: "مش فاضي، قاعدين بطخوا علينا، ادعيلي أرجع بكيس طحين لأولادي".

بعد ساعات من الخطر والفوضى والتزاحم تمكن الصحافي "م.ع" من الحصول على كيس طحين، وفي سؤال هل ستعيد التجربة رد: في السابق كنت ألوم الناس على تعرضهم للخطر للحصول على مساعدات إغاثية حتى أصبحت منهم (..) سأعود مرغما حين ينتهي الطحين رغم أنني شاهدت عشرات الجثث الملقاة على الأرض لكن " ما باليد حيلة".

ووفق متابعة الجهات الحقوقية فإن قتل المواطنين من قبل الجيش الاسرائيلي قرب نقطة توزيع مساعدات تديرها مؤسسة "غزة الإنسانية" دليل واضح على أن المؤسسة باتت شريكا للاحتلال في استهداف المدنيين وقتل.

كما وحذرت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية من أن آلية توزيع المساعدات الأمريكية في قطاع غزة تمثل خطراً مباشراً على حياة عشرات الآلاف من السكان الذين يعانون من الجوع، في ظل ما وصفته بـ"الاستهداف المنهجي للمدنيين" عند نقاط توزيع المساعدات.

ووصفت الشبكة نقاط توزيع المساعدات الأمريكية بـ”العسكرية”، فهي تشكل منذ إنشائها تهديداً قاتلاً للسكان الذين يضطرون إلى التوجه إليها من أجل الحصول على كميات محدودة من المساعدات الغذائية، في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في القطاع.

وضمن إحصائية أخيرة، نشرت يوم السبت 21 يونيو\حزيران 2025، حول أعداد الضحايا المُجوّعين بسبب مصائد الموت الإسرائيلية-الأمريكية الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإنه تم قتل 450 شهيدا، وإصابة 3.466، و39 مفقودا، منذ بدء خطة الايقاع بالمدنيين المجوعين.

وبحسب إحصائية أخرى فقد بلغ عدد شهداء عناصر تأمين المساعدات الذين استهدفتهم قوات الاحتلال 754 شهيدا من أفراد الأجهزة الأمنية، الذين كانوا يحمون المساعدات وينظمون عملية التوزيع، مما يدلل على تعمد الاحتلال نشر الفوضى وقت إدخال المساعدات، وتعزيز انتشار "البلطجية وتجار المخدرات" للاستيلاء على المساعدات وبيعها في السوق بأسعار فلكية.

لقمة مغموسة بالدم

لم يعد يخجل الفلسطينيون في قطاع غزة من الحديث عن تجويعهم، وعدم وجود أبسط مقومات الحياة للعيش من دقيق وسكر وأرز، أصبحت قائمة الطعام لديهم مختلفة، فوجباتهم إن توفرت هذه الأيام عبارة عن معلبات "الفاصولياء، والبازيلاء،حمص، فول"، حتى أن من تلك المعلبات صنعوا الخبز لسد رمقهم.

منذ الحرب على قطاع غزة، لم يبرح أبو عدنان البطش بيته في مدينة غزة، كان يستقبل النازحين من الشمال، وكانت تسقط الصواريخ والقذائف على بيوت الجيران لكنه بقي في بيته يطعم النازحين ويخبز لهم.

قبل أيام نفد كل شيء في البيت، ولديه عائلة كبيرة يريد توفير أدنى الاحتياجات ليسد رمقهم، قرر لأول مرة الذهاب برفقة ابنه إلى منطقة السودانية شمال قطاع غزة عله يحصل على كيس طحين، تأخر الوقت فطلب من ابنه العودة ليبقى هو ينتظر.

أخبر ابنه أنه في حال حصل على كيس الطحين سيتصل عليه ليأتي في مساعدته ونقله للبيت، مضى الليل وجاء النهار ولم يعد "أبو عدنان" مضى يوم كامل وهاتفه أيضا خارج الخدمة، أدركت زوجته أنه لن يعود، كما تقول لـ "شبكة قدس".

وتعلق:"ولا مرة فكر يروح يجيب، زرع السطح وحوالين البيت بعض الخضراوات، لكن مخزون الطحين نفد، ونحن عائلة كبيرة فاضطر يبحث عن لقمة العيش لابناءه فكانت مغمسة بالدم حين عاد إلينا شهيدا".

خلال البحث أثناء إعداد التقرير عن حالات ذهبت لجلب الطحين والمساعدات، لم تتردد السيدة أم شعبان في الحديث عن تجربتها، تقول لـ "شبكة قدس" استشهد زوجي قبل عام وترك لي أربعة أطفال ولا أحد يطرق باب خيمتنا بعدما كنا نعتمد على التكايا التي أغلق غالبيتها"، مضيفة: قررت الذهاب إلى بصحبة سيدتين تقدمنا رغم الخطر واطلاق النار فوق رؤوسنا، لكن الأيتام أمانة في أعناقنا ويجب إطعامهم".

"هل خفتِ من إطلاق النار"، صمتت قليلا ثم أجابت " حين تكون داخل المعركة لا تكترث سوى لتحقيق هدفك، والشباب ساعدوني وأعطوني كيس طحين (..) حين وصلت خيمتي أولادي من الفرحة عملوا فرح".

أما عبد الملك سالم – 18 عاما – يسكن حي التفاح يقول إنه يخرج وأشقاءه الثلاثة يوميا دون علم والده، يتسحبون بعدما يخلد الجميع للنوم ثم يتوزعون ما بين الشمال والوسطى عند مرور الشاحنات للحصول على الدقيق فهم عائلة كبيرة ممتدة.

يقول إن المحظوظ فيهم من يحصل على "طرد غذائي" فهو يوفر على والده الكثير من المال عند شراء المعلبات من السوق، مضيفا: تنهرنا أمي عند ذهابنا فهي لا تريد أن تخسرنا ودوما تردد "نموت من الجوع ولا أموت بحسرتي عليكم".

ويستذكر حياتهم السابقه بأنه لم يخطر على باله يوم، كم سعر الطحين والسكر بخلاف اليوم يستيقظ ليتعرف على بورصة السكر والطحين كما يقول متهكما.

واتخذت حكومة الاحتلال من منع دخول المساعدات لقطاع غزة وتجويع المواطنين الفلسطينيين مدخلا لإشعال حالة الفوضى بحثا عن الطعام، وعززت ذلك بمنع عمل المؤسسات الإغاثية الدولية التي تتوفر لديها بيانات وآليات عمل متكاملة، ونقاط توزيع تصل لجميع السكان.

وزاد جيش الاحتلال من مشاهد الفوضى مؤخرا، بعدما أشرف على آلية توزيع مساعدات جديدة اقتصرت على "مؤسسة غزة الإنسانية" المستحدثة، التي حصرت عملية التوزيع بـ3 نقاط فقط، دون وجود آليات عمل واضحة.

في غزة، لم يعد الموت استثناءً، بل جزءًا من يوميات الناس، ولم تعد الطرقات تؤدي إلى البيوت والخيام أوالأسواق، بل إلى كمائن الموت بحثًا عن كيس طحين، فالغزاوي لا يملك ترف القرار؛ فإما أن يُقتل جائعًا بصمت، أو يُقتل برصاص الاحتلال وهو يسعى لإنقاذ أطفاله من الجوع.

 

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا