موقع تركي: القبة الفولاذية باتت ضرورة ملحة لتركيا

تناول كاتب تركي ضرورة حيازة تركيا منظومة دفاع جوي شاملة على غرار "القبة الحديدية" الإسرائيلية، مشيرا إلى أن التحولات في طبيعة الحروب الحديثة تجعل من هذا المطلب ضرورة إستراتيجية لا ترفا عسكريا.
في مقال له بموقع "آيدنليك" التركي، استهل الكاتب أوغور غوفن حديثه بالإشارة إلى أن السماء الزرقاء التي كانت يوما رمزا للسلام، قد تحولت اليوم إلى مسرح للتهديدات المتنامية.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsويرى أن الصراعات الأخيرة، كالحرب الروسية الأوكرانية، والمواجهات بين الهند وباكستان، والتصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن حروب القرن الـ21 لم تعد تقتصر على الاشتباكات البرية، بل امتدت لتشمل المجال الجوي، حيث أصبحت الصواريخ والمسيرات والصواريخ الجوالة، المدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، قادرة على إحداث دمار هائل.
ويخلص غوفن إلى أن هذه التطورات تفرض على الدول حتمية البحث عن أنظمة دفاعية متطورة لحماية أثمن أصولها: مواطنيها، وبنيتها التحتية الحيوية، وقواعدها العسكرية.
ما القبة الفولاذية؟
يوضح الكاتب أن "القبة الفولاذية" هي بالأساس سلسلة متكاملة من التقنيات التي تعمل كنظام دفاع جوي، وتتألف من محطات رادار متقدمة، ومراكز للقيادة والسيطرة، وبطاريات صواريخ، وصواريخ اعتراضية.
والهدف الجوهري من هذه المنظومة هو اعتراض وتدمير التهديدات قصيرة ومتوسطة المدى في الجو قبل وصولها إلى أهدافها، وبالتالي تحييد الأضرار على الأرض بشكل كامل، لا سيما حماية التجمعات السكانية المدنية ومحطات الطاقة والقواعد العسكرية والبنى التحتية الحساسة.
ويشير الكاتب إلى أن تركيا، التي خطت خطوات عملاقة في تطوير صناعتها الدفاعية خلال السنوات الأخيرة، تمتلك من الناحية النظرية القدرة على بناء منظومة "قبة فولاذية" محلية ووطنية بالكامل.
تحديات جغرافية ومالية هائلة
واستدرك الكاتب بأن المهمة ليست بالسهلة على الإطلاق، إذ تواجه المشروع تحديات كبرى، أولها الواقع الجغرافي. فبينما أثبتت "القبة الحديدية" فعاليتها في حماية مساحة جغرافية صغيرة ومحدودة مثل إسرائيل، فإن نشر نظام مماثل على امتداد الجغرافيا الشاسعة لتركيا يفرض تحديات لوجيستية وتشغيلية ضخمة.
إعلانفالحدود التركية الممتدة من الشرق إلى الغرب تتطلب توسيع نطاق تغطية النظام بشكل هائل، فضلا عن ضرورة أن تكون المنظومة ديناميكية وقابلة للتكيف مع أنواع التهديدات المختلفة، فبينما تسود تهديدات الصواريخ والمدفعية على الحدود الشرقية والجنوبية، يبرز تهديد المسيرات في المناطق الغربية.
أما التحدي الآخر، بحسب الكاتب، فهو التكلفة الباهظة للمنظومة، ففي حين تتراوح تكلفة الصاروخ الاعتراضي البسيط في "القبة الحديدية" بين 80 ألفا و100 ألف دولار، فإن تكلفة الصواريخ الاعتراضية الأكثر تطورا والمخصصة لمواجهة الصواريخ الباليستية تصل إلى نحو 4 ملايين دولار للصاروخ الواحد.
ويتطلب اعتراض صاروخ معاد واحد إطلاق 3 إلى 4 صواريخ دفاعية في بعض الأحيان. وبالنظر إلى حاجة بلد بمساحة تركيا إلى مخزون لا يقل عن ألف صاروخ من هذا النوع كحد أدنى، فإن تكلفة الصواريخ وحدها قد تبلغ مليارات الدولارات.
وإذا أضيفت إلى ذلك تكاليف المنشآت والرادارات والبنى التحتية الأخرى، فإننا نتحدث عن مشروع تتجاوز تكلفته مئات المليارات من الدولارات.
ويرى الكاتب أن هذا الواقع يفرض على تركيا تطوير حلول أكثر جدوى من الناحية الاقتصادية. وهنا، قد تكمن الميزة التنافسية الأكبر لتركيا في قدرتها على تطوير أنظمة اعتراضية منخفضة التكلفة ومدعومة بالذكاء الاصطناعي بالتعاون مع شركاتها التكنولوجية المحلية.
ويقترح في هذا السياق طرح بدائل مبتكرة على الطاولة، مثل أنظمة الدفاع الجوي القائمة على الليزر، أو تقنيات المدفع الكهرومغناطيسي (Railgun)، أو معترضات المسيّرات الكهروميكانيكية.

قوة الردع والبعد الإستراتيجي
ويبين غوفن المزايا الإستراتيجية "للقبة الفولاذية"، حيث لا يقتصر دورها على الدفاع النشط فحسب، بل تمثل أيضا رسالة ردع قوية، وتستعرض للعالم مدى عزم تركيا الدفاعي وكفاءتها التكنولوجية.
ويرى الكاتب أن تركيا، بموقعها الذي يربط بين الشرق الأوسط والقوقاز والبحر الأسود، وبصفتها عضوا في حلف (الناتو)، يمكنها تعزيز مكانتها في الدبلوماسية العسكرية عبر امتلاك نظام دفاعي قادر ليس فقط على حماية مواطنيها، بل أيضا حماية أصول ومصالح حلفائها في المنطقة.
فإنتاج تركيا لمنظومتها الخاصة بنجاح سيفتح أمامها فرصا جديدة داخل الحلف على صعيد تبادل التكنولوجيا ولعب أدوار قيادية، رغم أن المنظومة قد تصبح معطلة إن نشب نزاع بين تركيا ودولة أخرى عضو في الحلف.
ويختتم الكاتب مقاله بالتأكيد على أن "القبة الفولاذية" هي ضرورة حتمية لتركيا، وأن الرصيد التكنولوجي والإنجازات في الصناعات الدفاعية والموقع الإستراتيجي توفر بالفعل بنية تحتية قوية لتحقيق هذا الهدف.