حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون

أظهرت دراسة حديثة أن تحمض المحيطات قد تجاوز الحد الآمن في مساحات شاسعة من البيئة البحرية العالمية وعلى عمق يصل إلى 200 متر، وكان التأثير شديدا بشكل خاص في المناطق القطبية.
ووجد الباحثون أن 60% من محيطات العالم تجاوزت الحدود الآمنة لتحمض المحيطات حتى عمق 200 متر، مقارنة بـ 40% منها على السطح، وهو ما أثار قلق العلماء لأن معظم الكائنات البحرية توجد في هذه المنطقة، كما أن آثار التحمض على التنوع البيولوجي في الأعماق الكبرى غير معروفة تماما.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsويشكل تحمض المحيطات عامل ضغط إضافيا على الحياة البحرية، التي تواجه بالفعل ضغوطا من التهديدات المتعددة المرتبطة بتغير المناخ، بما في ذلك موجات الحر البحرية، وانخفاض مستويات الأكسجين في مياه البحر، إلى جانب التأثيرات البشرية المباشرة الأخرى، بما في ذلك التلوث والصيد الجائر والتعدين في أعماق البحار.
وتقول المؤلفة الرئيسية للدراسة هيلين فيندلاي، وهي عالمة محيطات بيولوجية في مختبر بليموث البحري في المملكة المتحدة: "إن تفاقم حموضة المحيطات ليس نتيجة مفاجئة للغاية، إننا نرى انهيار النظام، ونحن بحاجة إلى إجراء تغيير حقيقي الآن حتى لا نجعل الأمور أسوأ".
من جهته، يقول يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ في ألمانيا، والذي لم يشارك في الدراسة الحالية: "في تقديري، تؤكد هذه الدراسة الجديدة ما كنا نتوقعه. للأسف، نتجاوز الحد الآمن لتحمض المحيطات".
ويضيف روكستروم أن الأدلة المتزايدة على تفاقم حموضة المحيطات ينبغي أن تُحفّز مستوى أكثر طموحا بكثير من حماية المحيطات، إلى جانب اتخاذ إجراءات مناخية سريعة.

تراجع الموائل
وتوصل فريق فيندلاي إلى أن 4 من الأحواض المحيطية الـ7 قد تجاوزت الحدود الكوكبية لتحمض المحيطات، حيث تأثرت المياه القطبية ومناطق ارتفاع منسوب المحيطات بشكل خاص.
إعلانوتقول فيندلاي إن هذا الأمر يثير القلق بالنسبة للحياة البحرية، لأن هذا الجزء من عمود الماء هو المكان الذي يزدهر فيه الكثير من التنوع البيولوجي البحري على الأرض.
ووجد الباحثون أن ارتفاع مستويات حموضة المحيطات قد تسبب بالفعل في "تراجعات كبيرة" في موائل بعض الكائنات، حيث فقدت الشعاب المرجانية الاستوائية وشبه الاستوائية 43% من موائلها المناسبة.
أما الأجنحة القطبية، وهي نوع من الحلزونات البحرية العوالقية تسبح بحرية، وتُعد جزءا أساسيا من السلسلة الغذائية، فقد فقدت 61% من موائلها المناسبة، بينما فقدت ذوات المحار الساحلية 13%.
ويُشير الخبراء إلى أن هذه المستويات المُتزايدة تُثير قلقا بالغا عند الأخذ في الاعتبار تضرر محيطات العالم من عوامل ضغط أخرى، بما في ذلك موجات الحر البحرية الناجمة عن تغير المناخ، وانخفاض مستويات الأكسجين في المحيطات، والتغذية المفرطة، والتأثيرات البشرية المباشرة، مثل الصيد الجائر والتلوث من مصادر بعيدة المدى، بما في ذلك البلاستيك الدقيق ومياه الصرف الصحي الخام.
وتؤكد هيلين فوكس، الخبيرة في تحالف الشعاب المرجانية بكاليفورنيا، والتي لم تشارك في البحث الأخير أن "النتائج مثيرة للقلق بالتأكيد بالنسبة للشعاب المرجانية وذوات المحار، والعديد من الكائنات الحية الأخرى التي تعتمد على الكالسيوم في أصدافها وهياكلها العظمية".

المعاهدة المتعثرة
ويرى دعاة الحفاظ على البيئة أن حماية البيئة البحرية عالميا متأخرة كثيرا عن جهود حماية البيئة البرية. وفي مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات لعام 2025 الذي اختتم مؤخرًا في فرنسا، أُعلن عن مجموعة من المناطق البحرية المحمية الجديدة والتزامات بحماية المحيطات، مع توجه الدول نحو التصديق على اتفاقية التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية، والمعروفة أيضا باسم معاهدة أعالي البحار.
وتهدف هذه الاتفاقية الدولية إلى تعزيز حماية 30% من محيطات العالم بحلول عام 2030، مع إرساء آليات قانونية لحماية مناطق أعالي البحار. وقد صادقت 50 دولة على المعاهدة حتى الآن، ولكن دخولها حيز التنفيذ يتطلب تصديق 60 دولة.
في تعليق نُشر في مجلة "نيتشر" في يونيو/حزيران الجاري، حذّر روكستروم وعلماء آخرون، منهم عالمة الأحياء البحرية البارزة سيلفيا إيرل، من أن معاهدة أعالي البحار، على الرغم من أهميتها، سيستغرق تطبيقها سنوات على الأرجح. ويؤكدون ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة وفورية لحماية محيطات العالم من جميع أشكال الاستغلال.
وتؤكد النتائج الجديدة للدراسة الحاجة الملحة إلى تعزيز حماية محيطات العالم، حيث يؤكد الخبراء أن انبعاثات الكربون بحاجة إلى خفض كبير وتعزيز حماية المحيطات بشكل كبير للسماح للأنظمة البيئية بالوقت الكافي للتكيف والتعافي يومًا ما.
وحذّر باحثون مؤخرا من أن فرصة إبقاء الاحترار دون مستوى 1.5% المستهدف في اتفاقية باريس للمناخ تتلاشى بسرعة، مع بقاء 3 سنوات فقط. وخلصت عدة تحليلات إلى أنه ما لم يُجرَ تصحيح جذري للمسار، فإن العالم يندفع نحو ارتفاع كارثي في درجة الحرارة يتراوح بين 2% و3% فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بحلول عام 2100.
إعلانومع ذلك تشير الدراسات إلى أنه حتى لو تم خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي اليوم، فإن عواقب تحمض المحيطات سوف تظل معنا لعدة قرون، حيث تستمر المحيطات في امتصاص ثاني أكسيد الكربون مما يؤدي إلى تغيير كيمياء البحر ودرجة حموضته.