“المهارات اللمسية”.. ثورة في تدريب الروبوتات من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي

في عالم يتسارع فيه الابتكار التقني، لا تزال الروبوتات تواجه تحديات كبيرة في تنفيذ المهام الدقيقة، التي تتطلب استشعارًا لمسيًا متطورًا، مثل إدخال الوصلات المعقدة أو التعامل مع المواد المرنة، فهذه المهام تبدو بسيطة للإنسان، ولكنها تمثل عائقًا أمام الأتمتة الكاملة، ومع ذلك، هذا الوضع على وشك أن يتغير بفضل إنجاز ثوري جديد يُعرف باسم (المهارات اللمسية) Tactile Skills.

فقد نجح فريق بحثي من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، في نشر دراسة حديثة في دورية (Nature Machine Intelligence) تقدم إطار عمل يُسمى (المهارات اللمسية) Tactile Skills، ويمثل هذا الإطار نظام تدريب مخصص للروبوتات، يتيح لها تعلم مهارات يدوية جديدة – مثل الثني والإدخال والتجميع – بسرعة وإتقان، مما يسهم بنحو كبير في تقليص الفجوة بين الخبرة البشرية والقدرات الروبوتية في تنفيذ المهام المعقدة والتكيف معها.

تفاصيل الدراسة:

أنجز هذه الدراسة البروفيسور سامي حدادين، نائب الرئيس للأبحاث وأستاذ الروبوتات في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع طالبه السابق الدكتور لارس يوهانسماير، والدكتور يانان لي من جامعة ساسكس، والبروفيسور إتيان بورديه من كلية إمبريال لندن.

ويمهد إطار عمل (المهارات اللمسية) الطريق أمام تحول جوهري في الذكاء الاصطناعي المادي، إذ يستند إلى أسس علمية متينة وهو قابل للتوسع، كما يمتاز بأنه مستلهم من المنظومة العصبية البشرية ومن أساليب التدريب المهني اليدوي، ويقوم هذا الإطار المبتكر على تصنيف منهجي دقيق يعتمد على مواصفات عملية يضعها الخبراء.

آلية عمل الإطار ومزاياه في تدريب الروبوتات:

أوضح البروفيسور حدادين أن إطار العمل الجديد يسهم في تقليص الفجوة بين الخبرة البشرية والقدرات الروبوتية، مؤكدًا أن هذا الإنجاز ليس تطورًا تدريجيًا عاديًا، بل قفزة نوعية تمهّد لأتمتة عملية تؤثّر فعليًا في حياتنا اليومية.

وتشمل مزايا هذا الإطار: 

  • سرعة التعلم ودقته: يتيح الإطار للروبوتات تعلم مهارات بدنية جديدة بسرعة فائقة ودقة تصل إلى معدلات نجاح تصل إلى 100%، حتى في ظل تغيرات مفاجئة في البيئة أو مواضع الأجسام.
  • عدم الاعتماد على التعلم العشوائي أو مجموعات البيانات الضخمة: لا يعتمد هذا الإطار على التعلم العشوائي أو مجموعات البيانات الضخمة التي تستلزم وقتًا وجهدًا كبيرين، كما هو الحال في نماذج التعلم الآلي التقليدية.
  • تبسيط عملية التعلم: يعتمد هذا الإطار على دمج المعرفة العملية التي يقدمها الخبراء مع وحدات تحكم لمسية قابلة لإعادة التهيئة حسب الحاجة، مما يبسّط عملية التعلم بنحو كبير، ويُقلّل استهلاك الطاقة، ويُحسّن الأداء مقارنة بأساليب التعلم العميق، ويمثل هذا التطور خطوة مهمة نحو أنظمة تعلم آلي أكثر كفاءة وفعالية.
  •  قابلية التوسع: يتيح النظام للمشغلين، حتى غير المتخصصين تقنيًا، تهيئة الروبوتات بسهولة لتنفيذ مجموعة واسعة من المهام، مما يقلل التكاليف ويسرع الإعداد.

نتائج الاختبارات والتطبيقات:

خضع إطار العمل الجديد لاختبارات مكثفة شملت 28 مهمة صناعية متنوعة، من بينها عمليات دقيقة مثل إدخال المقابس والقَطع الدقيق. وكانت النتائج استثنائية:

  • معدلات نجاح عالية: قاربت معدلات نجاح من 100% حتى في الحالات التي تعرضت فيها الروبوتات لتغيرات مفاجئة في مواضع الأجسام أو في ظروف البيئة المحيطة.
  • سرعة عالية ودقة فائقة: نجحت الروبوتات في إكمال المهام بسرعة عالية ودقة تكاد تخلو تمامًا من الخطأ.

من أبرز إنجازات هذا الإطار، النجاح في تجميع جهاز صناعي معقد يُستخدم في مصانع تعبئة الزجاجات، مما يثبت جاهزيته للتطبيق في بيئات صناعية حقيقية، ويمهد هذا الإنجاز لتوسيع استخدام الروبوتات في قطاعات متنوعة، مع إمكانية دخولها إلى المنازل مستقبلًا.

الأثر المستقبلي في قطاع الروبوتات:

قال البروفيسور حدادين: “يُشكّل هذا البحث نقلة نوعية في طريق تعميم الأتمتة، إذ نشهد اليوم تحوّل الروبوتات من أدوات متخصصة إلى مساعدين مهرة قادرين على التكيف، ليصبحوا وكلاء للذكاء الاصطناعي المادي. والآن، أصبح بإمكان القطاعات الصناعية أن تتوقع الوصول إلى أتمتة أكثر شمولًا للمهام اللمسية المعقدة، بما يحقق قفزة في الكفاءة والسلامة وقابلية التوسع”.

وأضاف أن أهمية هذا الإنجاز لا تتوقف عند تحسين أداء الروبوتات فحسب، بل تصل إلى توسيع آفاق الإمكانات في مجال الأتمتة، وجعل المهارات الروبوتية الموثوقة والمتعددة الاستخدامات متاحة على نطاق واسع في المصانع والمرافق، وقد تدخل أيضًا إلى منازلنا في المستقبل.

الخلاصة:

تُعدّ دراسة (المهارات اللمسية) إنجازًا علميًا مهمًا يمهد الطريق لجيل جديد من الروبوتات القادرة على التعلم والتكيف بكفاءة غير مسبوقة، إذ يعزز هذا التقدم قدرات الأتمتة الصناعية، ويفتح آفاقًا واسعة لتطبيقات الروبوتات في مختلف جوانب الحياة اليومية، مما يسهم في بناء مستقبل أكثر كفاءة وابتكارًا.

تم نسخ الرابط
تابعنا