خاص - شبكة قدس الإخبارية: بعد أكثر من عام على المواجهة المستمرة بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، اتخذ القتال في الشهور الأخيرة شكلاً أكثر عنفاً وعمقاً، فيما باتت جبهة الإسناد التي افتتحها حزب الله في اليوم الثاني من معركة طوفان الأقصى تتحول إلى جبهة قتالٍ رئيسية كما وصفها جيش الاحتلال.
وبينما اتبع حزب الله أساليباً جديدة بالقتال تعالت الأصوات الإسرائيلية التي تحذر من "فخ حرب استنزاف" فيما اتسمت المرحلة بالاستنزاف بشكلٍ فعلي، جعلت المستوطنات والمواقع الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة ضمن دائرة نار يومية، انعكست على أرض الواقع هناك، كان آخرها مدينة حيفا المحتلة، التي وصفت بأنها أصبحت كمستوطنة كريات شمونة.
ويمكن القول أن حزب الله يتبع استراتيجية عسكرية جديدة، تتطور يوماً بعد يوم، أكدت تطورها العمليات الأخيرة للحزب، وتعاطي مجتمع وحكومة الاحتلال معها، فما آلية هذه الاستراتيجية؟ وما هي آثارها؟
نيران أقل.. استنزاف أكبر
في 20 أيلول/سبتمبر الماضي، هاجم سلاح جو الاحتلال الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت بغارات عنيفة، نتج عنها استشهاد القيادي البارز في حزب الله إبراهيم عقيل، وعدداً من قادة الحزب، فيما وجه حزب الله بعد يومين من الاغتيال رشقات صاروخية مكثفة طالت الجليل الأعلى والأسفل ومدينتي حيفا وعكا المحتلتين والمستعمرات المحيطة بهما، ليوقع القصف دماراً واسعاً في المناطق المستهدفة، إضافةً لقصف مستعمرات في الضفة الغربية وضواحي في تل أبيب بإطار ذلك الرد.
وفي أعقاب الحدث، وسع الاحتلال من عدوانه على لبنان، فيما لم يكرر الحزب القصف بذات الطريقة التي رد بها على اغتيال عقيل، بينما ركز على ضربات بشكلٍ مختلف، تمثلت بالاستهداف المباشر للقواعد العسكرية والجوية لجيش الاحتلال من خلال صواريخ وطائرات مسيرة بشكلٍ محدود، إضافةً للاستهداف اليومي لمدينة حيفا وضواحيها، والتجمع الاستيطاني المعروف بـ"الكريوت" والواقع جنوب عكا، ليضع الحزب هذه المنطقة أمام استنزاف حقيقي تمثل بشل الحركة فيها، وانعدام الحياة الطبيعة للمستوطنين بها، وتهديد النشاط الاقتصادي الذي يقوم به ميناء حيفا، إضافة لتعطيل الجامعات والمعاهد، وهي من المراكز الحيوية للاحتلال على مختلف الأصعدة، فضلاً عن الثقل الاستيطاني والتجاري الذي شكلته منذ احتلالها عام 1948.
أما استهداف تل أبيب وسط فلسطين المحتلة، فيقع بشكلٍ شبه متقطع وبواسطة صواريخ متطورة تفشل منظومات الدفاع الجوي باعتراضها تارةً وتنجح تارة أخرى، إضافة لاستهدافها بالطائرات المسيرة التي فشلت الدفاعات الجوية باعتراضها دائماً، ونجاح هذه المسيرات بضرب أهداف هامة كمقر الوحدة 8200 ومقر جهاز الأمن الخارجي "الموساد".
ولعل إيقاف حركة الملاحة الجوية في مطار بن غوريون يوضح الأثر البارز للمسيرات التي يطلقها الحزب، فيما تم شل حركة الطيران قبل يومين بسبب رصد 5 طائرات مسيرة تسللت من البحر إلى سماء تل أبيب.
استراتيجية "الإيلام" وتطبيقها على الأرض
قبل نحو أسبوع، أعلن نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم في كلمة له عن معادلة أطلق عليها اسم "إيلام العدو"، تتمثل باستهداف أي نقطة للعدو الإسرائيلي رداً على العدوان على لبنان وقطاع غزة.
ولم يحمل إعلان قاسم عن المعادلة الجديدة أسلوباً عسكرياً يتمثل بالقصف الكثيف الواسع، فيما انعكس على تركيز الضربات بشكل مركز على أهداف ومواقع حساسة لجيش الاحتلال، كقاعدة التدريب الخاصة بلولاء "غولاني" بالقرب من منطقة "بنيامينا" جنوب حيفا، والتي تم استهدافها بطائرة مسيرة واحدة أوقعت 4 قتلى، إضافةً لعمليات استهداف صاروخي ضربت تجمعات جنود الاحتلال في المستعمرات الشمالية، كان آخرها مقتل جندي يوم أمس بعد قصف مستوطنة "نيئوت مردخاي" في الجليل الأعلى.
أما العملية الأبرز فكانت محاولة اغتيال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بعد استهداف منزله في قيسارية المحتلة، بـ 3 طائرات مسيرة أطلقها حزب اللهن أصابت واحدة منها نافذة غرفة نومه بشكلٍ مباشر، يوم السبت الماضي، فيما تبنى الحزب العملية بشكلٍ مباشر وتوعد نتنياهو بغيرها.
واستهدف الحزب صباح اليوم الأربعاء مدينتي حيفا وعكا بعددٍ من الصواريخ، التي أوقعت دماراً هائلاً في المنطقة الصناعية لمدينة عكا، ومنطقة "الكريوت".
إنذارات لا تتوقف وفشل بالاعتراض
مساء أمس الثلاثاء، دوت صافرات الإنذار بشكلٍ مكثف في على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، بعد تسلل طائرات مسيرة من لبنان، ودخولها من الشمال واستمرار مسارها مروراً بحيفا وصولاً إلى تل أبيب، مع فشل الاحتلال باعتراضها، فيما وثقت مشاهد تحليقها المستمر.
واستمرت الطائرة في تحليقها لساعة كاملة دون توقف، مع استدعاء جيش الاحتلال لعدد كبير من الطائرات للبحث عن طائرة الحزب دون جدوى، وفقاً لما نشره الإعلام العبري.
واتبعت الجبهة الداخلية لجيش الاحتلال أسلوب الإنذار الواسع عند رصد أي صاروخ أو مسيرة من لبنان لتجنب وقوع إصابات مباشرة على غرار ما حدث بقاعدة لواء "غولاني"، فيما تُعطل هذه الإنذارات مسار الحركة داخل المناطق التي تودي بها، مع فرار المستوطنين إلى الملاجئ بأعدادٍ كبيرة، فيما رُصد إطلاق 25 صاروخ فقط من لبنان باتجاه هذه الأهداف، وهو عدد غير كبير قياساً بالرشقات الضخمة.
تسير استراتيجية الحزب الأخيرة، على إيقاع أكبر قدرٍ من الأضرار المختلفة بأقل عددٍ ممكن من الذخائر والصواريخ التي يتم إطلاقها، فيما تتم عمليات القصف بشكلٍ يومي يؤثر مباشرةً على الجبهة الداخلية للاحتلال، والبنى الاقتصادية والاجتماعية هناك، لينقلب مخطط حكومة الاحتلال من إعادة المستوطنين المهجرين إلى الشمال، إلى تعميق دائرة النار لتشمل مناطق أعمق وأكثر حيوية.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا