Skip to main content

"أنقذونا من الموت".. صرخة يمنيين يصارعون الجوع مع أطفالهم

13 تموز 2025
مراسلو الجزيرة نت

"أنقذونا من الموت".. صرخة يمنيين يصارعون الجوع مع أطفالهم

من أمام خيمته يناشد اليمني حسن سليمان العالم التحرك لإنقاذ أطفاله من الجوع (الجزيرة)
محمد عبده13/7/2025-|آخر تحديث: 15:19 (توقيت مكة)

تعز – "أعجز عن توفير أبسط مقومات الحياة لأسرتي المكوّنة من 8 أفراد، ولديّ طفلة تعاني من ضعف حاد، ونضطر في كثير من الأحيان إلى استغاثة الناس كي نتمكن من البقاء"، بهذه الكلمات المؤلمة يصف حسن سليمان وضعه الصعب داخل خيمة مهترئة في مدينة تعز جنوب غربي اليمن.

وبنبرة ملؤها الحزن، يشكو الرجل الخمسيني حالته لمراسل الجزيرة نت قائلا "إن زوجتي تصارع مرض الروماتيزم، وطفلتي الصغيرة ذات الخمس سنوات تعاني من ضعف حاد، ونحن لا نملك شيئا، لا غذاء ولا دواء، ولا ما نواجه به قسوة الأيام".

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2
list 2 of 2
end of list

وأضاف سليمان "نخرج كل يوم بحثا عن الفتات من بقايا الطعام لدى المطاعم والمحلات، بعد أن انسدت في وجوهنا كل سبل الرزق، فحتى الأعمال الشاقة مثل التنظيف في الشوارع أو حمل البضائع أصبحت نادرة، وإن وُجدت لا يتجاوز أجرها 7 آلاف ريال في اليوم (نحو دولارين ونصف) ولا تكفي لسدّ رمقنا".

ملايين الجائعين

وفقا لمؤشرات الأمم المتحدة، فإن اليمن يواجه واحدة من أصعب المراحل في تاريخه نتيجة الجوع والبطالة وتراجع المساعدات.

وفي إحاطة لمجلس الأمن الدولي، أعلن منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر، يوم الأربعاء الماضي، أن أكثر من 17 مليون شخص في اليمن الذي مزقته الصراعات يعانون من الجوع، من بينهم أكثر من مليون طفل دون سن الخامسة يواجهون سوء تغذية حادا يهدد حياتهم.

وفي الأول من يوليو/تموز الجاري، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية عبر حسابه على منصة إكس عن تفاقم الجوع في أنحاء اليمن.

وحسب رصد مراسل الجزيرة نت، يأتي تفاقم الجوع مع استمرار التراجع الحاد في تمويل العمليات الإغاثية باليمن بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد، حيث تم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية بنسبة 10% حتى مايو/أيار الجاري، وهو الأمر الذي قلص من نسبة المساعدات المقدمة للجوعى والفقراء.

إعلان

كما تراجع الريال اليمني خلال عام، أي منذ مطلع يوليو/تموز 2024، بنحو 49%، إذ كان سعر الدولار حينها 1850 ريالا، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار وتزايد حدة الفقر.

أنقذوا طفلتي

ويواصل سليمان حديثه بكلمات يملؤها الأسى "لم تتكفل بنا أي منظمة إنسانية حتى اليوم، وما نحصل عليه من بعض الجيران لا يكاد يكفينا لأيام معدودة.. نحن نعيش بشكل لا يصدق".

وأشار إلى أن طفلته الصغيرة بحاجة ماسة إلى إسعاف وعناية طبية عاجلة، في حين أن بقية أطفاله الآخرين مهددون بالضعف والهزال نتيجة غياب الغذاء والتغذية السليمة واستمرار الجوع.

ومضى قائلًا "أتمنى أن تصل رسالتي إلى العالم، وأن يشعر أحد بنا، وأن تُنقذوا طفلتي من الموت، وأن نحظى بفرصة للحياة، ولو بسيطة".

بدورها، تشكو أم سعيد، ربة منزل في تعز، من أنها تعيش وأسرتها معاناة مستمرة مع الجوع ، مشيرة -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الظروف القاسية أجبرتهم على تقليص عدد الوجبات والعيش في جحيم.

وأضافت "لا نتناول مطلقا أكثر من وجبتين مكونتين من الدقيق والماء فقط، من دون زيت أو شاي أو أي مكونات أخرى، ونستخدم الطريقة التقليدية في الطهو على الحطب لعدم قدرتنا على شراء الغاز".

وأردفت "زوجي يعمل بالأجر اليومي، لكن الأعمال شبه معدومة، والدعم من قبل المنظمات الإنسانية منقطع منذ 6 سنوات. لا نملك حاليا سوى 3 كيلوغرامات من الدقيق، تبرع بها بعض جيراننا جزاهم الله خيرا ".

وتابعت "نضطر أحيانًا إلى التسول أو العمل مع الجيران ومساعدتهم مقابل القليل من الدقيق أو أجر زهيد، وفي أغلب الأوقات أعجز عن إسكات أطفالي من شدة الجوع وصراخهم المستمر، وأخشى أن يصيبهم الهزال والضعف ويتعرضوا لأمراض خطرة نتيجة غياب التغذية السليمة وانعدام الرعاية الصحية".

وختمت حديثها قائلة "نفتقر إلى كل مقومات الحياة؛ من الطعام والملبس، وحتى أثاث المنزل، فأطفالي ينامون على فرش ممزقة، ويرتدون ثيابًا مرقعة، ويأكلون طعامًا بالكاد يصلح للعيش".

عشرات الآلاف من العائلات في اليمن لا تجد طعاما سوى الخبز والماء (الجزيرة)

مجاعة حادة

ومعلقا على أزمة الجوع، يقول الناشط الإنساني عبد الله البركاني إن اليمنيين اليوم يعانون من أزمة غير مسبوقة تتجسد في مجاعة حادة، ولا يمكن إيجاد حلول لها في ظل غياب سلطة واقعية على الأرض تقدم الخدمات وتغيث المواطنين.

وأضاف البركاني للجزيرة نت أن وضع الناس وخصوصا الأطفال يعد كارثيا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بعد أن توقفت معظم المساعدات الإغاثية والإنسانية، وانسحبت أغلب المنظمات الدولية، مما فاقم بشكل كبير من انتشار المجاعة في مختلف أرجاء الجمهورية، خصوصًا في المناطق الساحلية والريفية.

وأفاد البركاني الذي سبق أن شارك وقاد مبادرات خيرية في مدينة تعز بأن الفقر بات سمة ملازمة لمعظم أسر اليمن، في ظل انعدام المساعدات الإنسانية، وتأخر صرف الإغاثة لفترات تصل إلى 5 أو 6 أشهر، مما أدى إلى كارثة إنسانية، كان الأطفال هم الضحية الأشد فيها.

وأشار إلى أن برامج التغذية المقدمة للأطفال بشكل خاص كانت تُصرف منذ عام 2016 حتى توقفت بشكل تام في 2023 مما جعل البلاد تقف اليوم على أعتاب مجاعة مدمّرة، لا سبيل لتفاديها سوى بوجود سلطة مسؤولة وفاعلة تدير الوضع من الداخل.

إعلان

ونبه البركاني إلى أن الوضع الحالي ليس فقط كارثيا، بل يعد من بين الأسوأ على مستوى العالم، مشددا على ضرورة تكاتف المنظمات والهيئات المحلية ورجال الأعمال وفاعلي الخير لإغاثة الناس بشكل عاجل، للتخفيف من تفاقم المجاعة.

وضع يهدد الأطفال

وتعليقًا على الوضع الإنساني المتفاقم، يقول الدكتور محمود البكاري، نائب المدير العام لمكتب وزارة الشؤون الاجتماعية بمحافظة تعز، إن الأوضاع المعيشية تفاقمت بصورة تفوق قدرة أي أسرة على تلبية احتياجاتها في ظل تدهور شامل لمقومات الحياة، وانعدام فرص العمل، وزيادة معدلات البطالة، وهو ما انعكس سلبًا على حياة الناس وواقع الطفولة.

واعتبر في حديث للجزيرة نت أن إعلان الأمم المتحدة وجود مليون طفل يعانون من الجوع يعد مؤشرًا على أن الأوضاع الإنسانية للسكان بلغت أدنى مستويات الفقر، وأن الحرب أدت إلى شلل تام في عملية التنمية.

وأشار البكاري -وهو أيضا أكاديمي بارز في قسم علم الاجتماع بجامعة تعز- إلى أن تعرض الأطفال لسوء تغذية حاد يُعد جزءا من انتهاكات حقوق الطفولة، بفعل الحرب القائمة التي جعلت الوضع الاجتماعي في اليمن غاية في السوء، وسط حرمان من كافة متطلبات الحياة الحرة الكريمة.

ويرى البكاري أن الوضع الاجتماعي أصبح من كل النواحي مزريا ومتفاقما، وأن جميع شرائح المجتمع تعاني لكن معاناة الأطفال هي الأكثر حدة، حيث أصبح الوضع يهدد مستقبلهم برمته.

وحول الحلول لهذه الأوضاع، يشدد البكاري على ضرورة وقف الحرب، وبناء السلام، وإعادة تطبيع الحياة، وتنفيذ برامج التنمية، مؤكدًا أنه لا يمكن تحقيق الاستقرار من دون تنمية حقيقية.

المصدر: الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا