Skip to main content

"نمور هانغتشو الستة".. كيف تحولت ضاحية هادئة إلى سيليكون فالي الصين؟

13 تموز 2025
تكنولوجيا

"نمور هانغتشو الستة".. كيف تحولت ضاحية هادئة إلى سيليكون فالي الصين؟

مدينة هانغتشو تحولت إلى "سيليكون فالي" الصينية بفضل الدعم الحكومي (شترستوك)
13/7/2025-|آخر تحديث: 22:22 (توقيت مكة)

شاع في ضاحية ليانغتشو مشهد المبتكرين ورواد الأعمال وهم جالسون بالحدائق وعلى الأرض وفي المقاهي المنتشرة بالضاحية، يجمعهم مشهد واحد وهو الإنحناء على حواسيبهم ليصبح هذا المشهد هو السائد على هذه الضاحية الهادئة التي تقع جنوب الصين بمدينة هانغتشو.

وبفضل هذا المشهد، اكتسبت المدينة والضاحية لقب "سيليكون فالي الصين" إذ يجتمع فيها مئات الآلاف من المبرمجين ورواد الأعمال وكل المهتمين بعالم التقنية، إما لأنهم يحتاجون للعمل في بيئة ملائمة لهم، أو لأنهم ينتظرون لقاء أو حدثا مباشرا لأحد رواد الأعمال الناجحين الذين خرجوا من قلب قرية المبرمجين.

وفي الضاحية، أصبح مشهد المبرمجين في المقاهي والمراكز التقنية شائعا ومعتادا للغاية، إذ يعمل غالبيتهم في النهار على برمجة وكتابة أكواد نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، وليلا يجتمعون ليمضوا وقتهم في السهر أو في ألعاب الفيديو، ويطلقون على أنفسهم "القرويين" نظرا لحياتهم البسيطة والهادئة داخل الضاحية.

ولكن ولادة "سيليكون فالي الصين" لم تكن لمزايا ضاحية ليانغتشو السكنية وطبيعتها الهادئة فقط، بل لقربها من مدينة هانغتشو التي كانت مهدا لولادة عدد من الشركات التقنية الرائدة والتي تقود المشهد التقني الصيني.

إذ وجدت هذه المدينة غايتها في الصراع الصيني الأميركي -على التفوق التقني- مما جعلها مركزا لجنون الذكاء الاصطناعي بالصين، وهي تستمر في احتضان المزيد من الشركات الناشئة، لأن حكومة المقاطعة والسلطات المحلية قررت منح العديد من الإعفاءات الضريبية والإعانات الحكومية للشركات الناشئة التي تتخذ من هانغتشو مقرا.

احتضان أبرز الشركات الصينية بعالم التقنية

في يناير/كانون الثاني الماضي، باغتت "ديب سييك" الصينية العالم عبر كشفها عن نموذج الذكاء الاصطناعي الخاص بها، والذي طور بكلفة أقل من تلك التي قدمتها شركات "سيليكون فالي الأميركية" ثم أتاحت نموذجها ليتسلق إلى قمة نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر في العالم.

إعلان

وبينما كان لنجاح الشركة عالميا أثر كبير وواضح على أسواق البورصة العالمية وعلى قيمة الشركة نفسها، إلا أن أثر هذا النجاح امتد ليلامس مدينة هانغتشو، وتحديدا خريجي جامعة تشجيانغ الموجودة بالمقاطعة والمسؤولة عن تخريج مؤسس ومبتكر نموذج "ديب سييك" إذ أصبح خريجو هذه الجامعة مطلوبين من كبرى الشركات التقنية.

ولذا يقول غالبية المبرمجين في ليانغتشو إنهم ينتظرون فرصتهم لبناء نموذج ذكاء الاصطناعي الخاص بهم ثم شركتهم الخاصة ليبدؤوا رحلة النجاح في عالم التقنية. وأما عن أسباب الانتظار، فإن غالبيتها تتعلق باتفاقيات عدم المنافسة التي تجبرهم عليها الشركات الكبرى عندما يعملون بها.

ولم تكن "ديب سيك" الشركة الوحيدة التي احتضنتها هانغتشو وحققت نجاحا كبيرا، بل هي واحدة من 6 شركات أخرى حققت نجاحات عالمية ضخمة، وتطلق عليها وسائل الإعلام الصينية "نمور هانغتشو الستة" وتضم هذه القائمة عددا من الشركات التي تمكنت من تحقيق نجاحات ضخمة وعملاقة عالميا.

"غيم ساينس" إحدى نمور هانغتشو الستة إلى جانب "ديب سييك" و"يوني تري" (غيتي)

ومن بينها تأتي شركة "غيم ساينس" (Game Science) التي نجحت في إطلاق لعبة "بلاك ميث ووكونغ" (Black Myth: Wukong) العام الماضي وحققت نجاحا غير مسبوق في عالم الألعاب الغربية، وإلى جانبها تأتي شركة "يوني تري" (Unitree) التي جذبت أنظار العالم عبر رقصة الروبوتات على المسرح خلال حفل الربيع السنوي الذي بثته هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية، وهي أيضا واحدة من "نمور هانغتشو الستة".

ورغم أن النمور الستة ولدوا في هانغتشو ودرسوا في جامعة جامعة تشجيانغ، فإنهم لم يجتمعوا معا حتى قرر مينجمينغ تشو -مؤسس "روكيد" (Rokid) التي ولدت في هانغتشو أيضا وتصنع النظارات الذكية المعززة بالذكاء الاصطناعي- أن يجمعهم معا في عشاء بمنزله هذا الربيع.

وفي هذا العشاء، وضح تشو أنهم جميعًا كانوا صغارا وعملوا في شركة "علي بابا" سابقا، ولكن نجاحهم يعود فضله إلى الحكومة الصينية التي ساهمت في تمويل مشاريعهم وربطهم مع أوائل المستثمرين لهم، وهو ما حدث مع تشو.

مفترق طرق للنجاح

وبينما يرى تشو أن دعم الحكومة الصينية كان سببا في نجاحهم، فإن بعض المستثمرين يرون في هذا الدعم وصمة عار تبعد المستثمرين الغربيين وتمنع تقنياتهم من الانتشار في الغرب بالشكل الذي تستحقه، وهو ما أكده مجموعة من مؤسسي الشركات أثناء حديثهم مع صحيفة "نيويورك تايمز".

ووصف هؤلاء المؤسسون -الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم- هذا الوضع بكونه أشبه بالكابوس، إذ يملك غالبيتهم طموحا بالنمو خارج البلاد وجذب العديد من الاستثمارات الغربية، ولكن ارتباط اسم الشركة بالحكومة الصينية يبعد هذه الاستثمارات ويقضي على هذا الطموح.

"بايت دانس" مالكة "تيك توك" مثال واضح على التحديات أمام الشركات الصينية (رويترز)

وأشاروا أيضا إلى شركة "بايت دانس" كمثال واضح على مفترق الطرق هذا، إذ تسبب تمويل الحكومة الصينية للشركة في العديد من التحديات القانونية التي استوجبت امتثال مديرها التنفيذي أمام مجلس النواب الأميركي في أكثر من مناسبة.

إعلان

ولذا يجد هؤلاء أنفسهم أمام طريقين: الأول وهو قبول التمويل من الحكومة الصينية وخسارة الاستثمارات الخارجية، والثاني جمع الأموال الكافية لتأسيس شركاتهم خارج الحدود الصينية -في سنغافورة مثلا- وجذب مستثمر خارجي يسهل عليهم هذا الأمر، ولكن بالنسبة للغالبية العظمى من مؤسسي الشركات تظل الحكومة الصينية الحل الأكثر أمانا.

ولا يجب تجاهل أزمة الشرائح التي تواجهها هذه الشركات، فبينما تعمل شرائح الشركات الصينية مثل "هواوي" وغيرها بشكل ملائم قليلا، إلا أنها ليست قادرة على مواجهة الشرائح الأميركية أو حتى تقديم أداء مقارب لها.

بيئة خصبة للإبداع

على ضفاف بحيرة هانغتشو التي كانت مصدرا لإلهام العديد من الشعراء عبر العصور، يجلس الآن قرويو البرمجة ممسكين بحواسيبهم ومنطلقين في رحلة لكتابة أكواد شركة أحلامهم، ومن بينهم لين يوانلين الذي بدأ شركته أثناء دراسته بجامعة تشجيانغ، وتعمل شركة "زيبور" (Zeabur) التي أسسها في مجال "فايب كودينغ" وكتابة الأكواد البرمجية دون الحاجة لمعرفة برمجية مسبقة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وفي البداية، كان يحتاج يوانلين لاختبار منتجه مع العديد من الحالات البرمجية والمشاريع المختلفة، وبينما كان قادرا على القيام بذلك بمفرده من غرفة الجامعة، فقد وصل إلى نقطة لم يكن قادرا على القيام بذلك، لذا بدأ في زيارة ضاحية ليانغتشو.

على ضفاف بحيرة هانغتشو ولدت العديد من القصائد والآن تولد أفكار برمجية مبهرة (شترستوك)

ويقول يوانلين -في حديثه مع "نيويورك تايمز"- إن ليانغتشو هي البيئة المثالية لاختبار منتجه، إذ إن كل ما يحتاج لفعله هو الجلوس مع أحد المبرمجين بأحد المقاهي حتى وإن لم يكن يعرفه بشكل مباشر ليعرف ماذا يحتاج من الذكاء الاصطناعي ويقوم بتثبيته في أداته، أو ربما يذهب لزيارة أحد الأشخاص الذين لا يعرفهم في منزلهم وينظر كيف يمكن أن يساعده.

ولا يعني هذا أن ليانغتشو مدينة مخصصة للعمل فقط، بل هناك العديد من السهرات والجلسات الثقافية المختلفة، ومن بينها سهرة مشاهدة فيلم "ذا ماتريكس" (The Matrix) التي أصبحت ضرورية لكل قاطني الضاحية.

المصدر: نيويورك تايمز

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا