Skip to main content

الأكاديمي محمد حصحاص: "مدرسة الرباط" تعكس حوارا فكريا عابرا للتخصصات ومتصلا بالقضايا الإنسانية العالمية

22 تموز 2025
مقابلات

الأكاديمي محمد حصحاص: "مدرسة الرباط" تعكس حوارا فكريا عابرا للتخصصات ومتصلا بالقضايا الإنسانية العالمية

كتاب الأكاديمي المغربي الدكتور محمد حصحاص للحديث الأخير "الفكر المغربي المعاصر: في الفلسفة، اللاهوت، المجتمع والثقافة" (الجزيرة)
عثمان أمكور22/7/2025-|آخر تحديث: 10:50 (توقيت مكة)

الأكاديمي محمد حصحاص: "مدرسة الرباط" ليست تقليدا لـ"فرانكفورت" بل لها جذور في التراث العربي

تستضيف الجزيرة نت الأكاديمي المغربي الدكتور محمد حصحاص للحديث عن كتابه الأخير الذي أثرى المكتبة الفكرية الغربية: "الفكر المغربي المعاصر: في الفلسفة، اللاهوت، المجتمع والثقافة" (Contemporary Moroccan Thought: On Philosophy, Theology, Society and Culture). هذا الكتاب الضخم، الصادر عن دار "بريل الأكاديمية" عام 2024 في 830 صفحة، يعد إضافة نوعية للدراسات المتخصصة، حيث يسلط الضوء على عمق وخصوصية المشهد الفكري المغربي.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2
list 2 of 2
end of list

يكشف الدكتور حصحاص أن دافعه الأساسي لتأليف هذا الكتاب، ومجموعة الكتب التي سبقته عن الفكر المغربي، يعود إلى ندرة الدراسات الغربية المعنية بالفكر العربي والإسلامي المعاصر، وتركيزها غالبا على الجوانب السياسية والاجتماعية. هذا النقص دفعه لسد الفجوة، انطلاقا من السياق المغربي الذي يمتلك معرفة عميقة به، كمحاولة لتقديم الفكر العربي والإسلامي بشكل أوسع للساحة الأكاديمية العالمية.

يتناول الحوار مفهوم "مدرسة الرباط"، وهو مصطلح أثار جدلا واسعا، ويقارن أحيانا بمدارس فكرية عالمية مثل "مدرسة فرانكفورت". يوضح الدكتور حصحاص أن هذه التسمية ليست جديدة في التراث العربي، وأنها استُخدمت سابقا للإشارة إلى فكر طه عبد الرحمن، قبل أن يعممها هو لتشمل نخبة من كبار المفكرين المغاربة الذين جمعتهم الرباط بتكويناتهم المتنوعة، ليمثلوا حوارًا فكريًّا عابرًا للتخصصات.

يتعمق الحوار في معالم هذه "المدرسة"، مؤكدا أنها ليست فلسفية بحتة، بل عابرة للتخصصات، وتشمل اهتمامات واسعة تمتد من التاريخ والفلسفة إلى العلوم الاجتماعية والدراسات الإسلامية. ويبرز الكتاب كيف أن هذا الفكر، رغم انطلاقه من السياق المغربي، يتجاوز القضايا المحلية والإقليمية ليلامس القضايا الإنسانية العالمية، مما يجعله نموذجا مصغرا للحوار الفكري العربي والإسلامي.

إعلان

ويناقش الدكتور حصحاص راهنية إنتاجات أسماء فكرية مغربية بارزة، ومدى قدرة الساحة الثقافية الجامعية المغربية على إنتاج أجيال جديدة من المفكرين بنفس مستوى الجيل الأول. ويؤكد أن الفكر المغربي، بأعلامه كطه عبد الرحمن، والجابري، والعروي، يحظى بقراءات وتفاعلات مهمة داخل المغرب وخارجه، مما يؤهله لأن يكون مدرسة فكرية حقيقية تتسم بالتعددية والثراء، بعيدا عن التصنيفات التقليدية.

جدير بالذكر أن ضيفنا يشغل منصب أستاذ مؤهل بقسم التاريخ والعلوم الإنسانية والمجتمع بجامعة روما الثانية الحكومية "طور فيرغاتا"، ومحاضر بقسم العلوم السياسية بجامعة لويس الدولية بروما. كما أنه باحث ملحق بمركز دراسات الشرق الأوسط ببرلين.

يُعد الدكتور محمد حصحاص غزير الإنتاج في مجال الدراسات الفكرية المعاصرة، وتبرز إصداراته المتعددة اهتمامه العميق بالفكر العربي والإسلامي في سياقاته المتنوعة. فإضافة إلى كتابه الأخير الذي قمنا بالحوار على ضوئه، قدّم حصحاص أعمالًا أخرى بارزة من بينها كتابه "فكرة الإسلام الأوروبي: الدين، الأخلاق، السياسة والحداثة الدائمة" (The Idea of European Islam: Religion, Ethics, Politics and Perpetual Modernity)، الذي يعكس بحثه في مفهوم الإسلام في السياق الأوروبي.

كما شارك حصحاص في تحرير أعمال جماعية مهمة، مثل كتاب "التعددية في السياقات الإسلامية: الأخلاق، السياسة والتحديات الحديثة" (Pluralism in Islamic Contexts – Ethics, Politics and Modern Challenges)، وكتاب "الأخلاق الإسلامية ونموذج الائتمانية: فلسفة طه عبد الرحمن في منظور مقارن" (Islamic Ethics and the Trusteeship Paradigm: Taha Abderrahmane’s Philosophy in Comparative Perspectives).

فإلى الحوار:

  • في الحقيقة، أول سؤال يتبادر إلى الذهن هو: ما سبب اهتمامك بالفكرة المغربية وإصدارك مجموعة من الكتب، وآخرها هذا الكتاب، حول الفكرة المغربية في السياقات الغربية؟

عندما وصلت إلى أوروبا، أي منذ ما يقرب من عقدين، وجدت أن الدراسات المعنية بالفكر العربي والإسلامي المعاصر، وخصوصا الدراسات التي تهتم به قليلة؛ حيث انصب التركيز أساسا على الجوانب السياسية والمجتمعية، لتظل الأبحاث المنشورة حول الفكر العربي المعاصر يمكن عدها على الأصابع؛ لا توجد إصدارات حول مفكرين بأعينهم أو مشاريعهم الخاصة، بل هناك كتب جماعية حول الفكر العربي الحديث والمعاصر، مثل ما أنتج عن سنة 1967 (بعد النكبة) وما تلاها، وفقط.

هذا يعني أن الأعمال المخصصة للمشاريع والأعلام الفكرية البارزة قليلة، ولا توجد دراسات جماعية تركز على مفكرين بعينهم. ولسد هذا النقص، بدأت من السياق الذي أعرفه جيدًا، وهو المكان الذي نشأت وتعلمت فيه ومنه الكثير، كأرضية أستكشف من خلالها الفكر العربي والإسلامي بشكل أوسع.

ورغم أن هذا الأمر يتطلب جهودا جماعية، إلا أنني سعيت إلى تنزيلها؛ ليصدر المجلد الأول عن فكر الجابري باللغة الإنجليزية، الذي كان أول عمل جماعي لي. بعد ذلك أمضيت سنوات في دراسة فكر طه عبد الرحمن لأحرر عن فكره كتابا جماعيا بالشراكة مع الدكتور معتز الخطيب، أما المجلد الثالث الذي نناقش متنه اليوم فهو الأضخم عن الفكر العربي المعاصر في المغرب باللغة الإنجليزية. وخاصة أن النموذج المغربي يتميز بإنتاجه الغزير في الفكر العربي المعاصر منذ الستينيات، مما أفرز أسماء لامعة سنتطرق إليها لاحقا، وقد تركت بصمتها على الفكر العربي المعاصر.

إعلان

كان هدفي من هذا العمل تشجيع الدراسات القُطرية في الفكر العربي الإسلامي، لإثراء ساحة الدراسات العربية الإسلامية باللغة الإنجليزية. آمل أن يقوم باحثون من كل قطر بعمل مماثل، ليبرزوا أن هذه المنطقة تزخر بالفكر، وأن لديها أصواتا عديدة ومهمة تتجاوز الأسماء العالمية الأربعة أو الخمسة المعروفة، وليقدموا بذلك شيئًا جديدًا.

سعيت من خلال المجلد الذي وصلت صفحاته لـ838 صفحة، لتقديم عمل نوعي في الدراسات باللغة الإنجليزية، ونأمل أن يتبعه إصدارات أخرى تثري المعرفة حول المغرب وحول السياقات الثقافية العربية الأخرى التي ساهمت بدورها في إغناء الفكر العالمي. لذا، فالفكرة المغربية بهذا المعنى ليست مجرد فكرة محلية أو إقليمية، بل تحمل بعدا عالميا، وهذا ما سعينا للتركيز عليه.

الأكاديمي المغربي الدكتور محمد حصحاص (الجزيرة)
  • المتأمل في كتابك يلحظ عملك على ورقة بعنوان "مدرسة الرباط"، وهو عنوان يثير الجدل، ويذكرنا بمدرسة فرانكفورت أو شيكاغو. هل توجد "مدرسة الرباط" بالفعل؟ خاصة إذا نظرنا إلى التباينات الفكرية بين روادها أو من نسبتهم إليها. هل كانت مدينة الرباط هي الجامع المشترك بينهم، أم أن هناك عناصر فكرية محددة نظمت نقاشاتهم؟

هذا سؤال مهم ومتوقع، وجوهري لفهم فكرة الكتاب؛ في الحقيقة، هذه الفكرة ليست وليدة اللحظة؛ فالتسمية نفسها ليست بجديدة في التراث العربي الإسلامي. يمكننا أن نعود بالذاكرة إلى الاختلافات الفكرية واللغوية والسياسية القديمة، التي سادت بين الحواضر الفكرية والسياسية التي ازدهرت فيها الثقافة العربية في أوجها.

نجد هذا بين النحويين في العراق (بغداد، الكوفة، البصرة)، أو بين علماء الكلام في هذه الحواضر وغيرها كـمصر، والغرب الإسلامي عمومًا، تونس والمغرب خاصة، وكذا الحاضرة الأندلسية. كان يُقال حينها "أهل كذا" أو "أهل منطقة كذا".

لم تكن التسمية تشير إلى مدرسة بالمعنى الاصطلاحي الحديث، ولكن من المهم الإشارة إلى هذا السياق؛ حتى لا يظن غير المتخصص أنها مجرد تقليد لمصطلحات مثل "مدرسة فرانكفورت" هذه التسمية لها جذورها من داخل التراث العربي وهذه النقطة الأولى.

النقطة الثانية تتعلق بمن استخدم مصطلح "مدرسة الرباط"؛ حيث استخدم هذا المصطلح من قبل للإشارة بشكل خاص إلى فكر طه عبد الرحمن. هذه التسمية استخدمها الباحث المغربي رضوان المرحوم، وكذا باحث جزائري آخر ذكرته في الكتاب، وكان هدفهم من ذلك هو تسليط الضوء على مشروع طه عبد الرحمن الفكري لكونه مختلفًا ومهمًّا، وعميقًا ضمن السياق الفكري العربي والإسلامي المعاصر، وسمّوه "مدرسة الرباط" لأجلِ إمكانية بناء نسق فكري متكامل من خلاله.

لقد استعرت هذه التسمية، لكني عممتها لتشمل أكثر من فكر طه عبد الرحمن وحده، وأردت الإشارة إلى أن الرباط، كحاضرة وجامعة (وهي التي حملت اسم جامعة الرباط في بدايات تأسيسها قبل أن تتغير إلى جامعة محمد الخامس)، قد جمعت أهم قامات الفكر المغربي المعاصر. ينضم إليهم أيضًا أولئك الذين قدموا من حواضر فكرية أخرى، أبرزها فاس أو جامعة القرويين.

إذًا "مدرسة الرباط" تشير إلى هؤلاء الأعلام الكبار الذين امتلكوا تكوينًا تقليديًّا نسبيًّا، لكنهم اندمجوا في التعليم الحديث وتخرجوا من الجامعات الحديثة. بعضهم درس في الرباط، لكن معظم المؤسسين الأوائل درسوا خارجها، فإما أنهم درسوا في القرويين ثم انضموا إلى الرباط، أو أكملوا دراساتهم في المشرق، أو في أوروبا. عدد قليل منهم درسوا وفق المنهج الأنجلوسكسوني، بينما الغالبية اتجهت إلى فرنسا نظرًا للظروف اللغوية والتاريخية والسياسية المعروفة.

لقد برزت معظم التخصصات الإنسانية في جامعات الرباط، كالفلسفة والدراسات الإسلامية، والعلوم الاجتماعية بتخصصاتها المختلفة مثل السوسيولوجيا وغيرها، ومن هنا جاءت التسمية. وبالطبع بعض الأسماء التي أدرجها ضمن "مدرسة الرباط" تعمل الآن خارجها، لكنها تأثرت بما درسوه في الرباط لسنوات تحت إشراف الأعلام الأوائل في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.

الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن (الأناضول)

أما النقطة الثالثة المتعلقة بالتسمية، وهي تحدي مفهوم "المدرسة"؛ عندما نقدم قراءة أو مفهومًا فإننا نحاول أن ندعمه بمتنٍ قويٍّ، ثم يقع على عاتق الباحثين الآخرين دحضه أو دعمه، وما قدمتهُ جزء من المساهمة في النقاش الفكري.

إعلان

فماذا نقصد بـ"المدرسة" هنا؟ كما ذكرت في البداية "مدرسة الرباط" تهتم بالقضايا الوطنية، لكن أهميتها تتجلى في اهتمامها بالقضايا الإنسانية الإقليمية والعالمية؛ فالأدباء على سبيل المثال، ينطلقون من السياق العربي واللغة العربية، لكنهم يتجاوزون هذا السياق نحو آفاق أوسع. وكذلك في الفلسفة، يتبنى المفكرون أو يستلهمون من الفلسفة العربية الكلاسيكية، لكنهم يدمجون النظريات الفلسفية الحديثة ويَطَّلِعُون عليها ويتبنون الكثير منها، أو على الأقل ينتقدونها ويحاولون بناء فلسفتهم من الداخل آخذين بالاعتبار التاريخ العربي والإسلامي.

بمعنى آخر، هم ينظرون إلى ما هو أعمق وأوسع؛ تتناول مكونات هذه المدرسة قضايا عربية عامة، وعلى درجة أعمق، قضايا إسلامية؛ بالتالي تتجاوز أعمالهم الحيز العربي؛ إذ يقرأ عدد منهم خارج السياق العربي، وتنتشر أطروحاتهم في سياقات إسلامية أوسع. فالموضوعات التي يقدمونها تهم الشأن الإسلامي، مثل قضايا الحداثة، دور الدين في المجتمع الحديث، والعلاقات الدولية. هذه القضايا لا تخص المغاربة وحدهم، ولا العرب وحدهم، ولا المسلمين وحدهم، بل تتعلق بالمنظومة الدولية والإنسان في المجتمع الحديث ككل.

هذه هي المساهمة الجوهرية. وقد أشرتَ في سؤالك إلى مدرسة فرانكفورت، لماذا أصبحت مدرسة فرانكفورت عالمية؟ للأسباب ذاتها: أبرز مفكريها ينتمون إلى سياق لغوي أو إثني أو ديني معين، لكن أطروحاتهم انطلقت من تلك المنطلقات لظروف تاريخية محددة في أوروبا خلال الثلاثينيات والعشرينيات. هؤلاء المفكرون (أتحدث عن المؤسسين اليهود، وإن لم يكونوا جميعًا يهودًا لاحقًا مثل هابرماس) سافروا إلى الولايات المتحدة لعدم وجود أماكن لهم. الطروحات التي قدموها لم تكن حكرًا على الإنسان اليهودي أو الألماني أو الأوروبي، بل كانت أسئلة إنسانية حديثة.

لذلك، هناك تشابه محتمل، والتسمية لا تفقد دورها؛ علينا أن نربط الأفكار ببعضها؛ المغاربة ليسوا بمعزل عن العالم، وهناك حوارات فكرية مستمرة. لم أشر إلى مدرسة فرانكفورت بشكل مباشر عمدًا؛ أردت للقارئ أن يلاحظ هذه التشابهات بنفسه، وأن يتساءل: لماذا لم تتم الإشارة إلى مدرسة فرانكفورت صراحة؟ لكن التشابه كبير جدا وواضح.

هوركهايمر في المقدمة على اليسار، وأدورنو في المقدمة على اليمين، وهابرماس في الخلفية على اليمين، يُمرر يده بين خصلات شعره. سيغفريد لاندسهوت في الخلفية على اليسار، وهم أبرز مفكري "مدرسة فرانكفورت" (بواسطة جيريمي جيه شابيرو)
  • إجابتك الغنية تقودنا مباشرة إلى سؤال آخر: ما هي معالم هذه المدرسة؟ هل هي مدرسة فلسفية بحتة، أم أنها عابرة للتخصصات، أي أنها تعمل في السوسيولوجيا ومشارب معرفية مختلفة؟ وقد أشرت إلى نقطة مهمة، وهي أن هذه المدرسة اهتمت بشكل كبير بالقضايا المرتبطة بالأوطان العربية والإسلامية، ووجدنا ارتباطا بين العالم العربي ومفكري هذه المدرسة، مما خلق علاقة جدلية. بمعنى أن هناك من تبنى أو تفاعل مع أطروحات طه عبد الرحمن، والعروي، والجابري، ومفكرين آخرين أعتقد أنك أشرت إليهم في كتابك القيم. فهل هذا التفاعل جزء من دور هذه المدرسة؟

نعم، هذا سؤال جيد؛ أولا، لكي تبني مدرسة الرباط نهجها الخاص، كان على المفكرين المغاربة في الخمسينيات والستينيات أن يناقشوا أولا هوية المغرب وتاريخه، وكيف كُتب عنه سواء من قبل المغاربة أو غيرهم؛ لذا ناقشت في الفصل الأول من الكتاب، الذي استغرق مني عدة سنوات لتتبعِ النقاشات حول تاريخ المغاربة، سواء من قبل المؤرخين التقليديين أو ما يسمى بـ"المؤرخين الجدد" بسبب استخدامهم لمواضيع وأرشيفات جديدة، حاولوا التجديد في دراسة التاريخ؛ فبينما يركز التاريخ التقليدي على آثار السلطة السياسية والمدن، يحاول التاريخ الجديد التركيز على مواضيع حديثة مثل الحواضر، الهامش، المرأة، والفلاح. هذه المواضيع الجديدة التي يعمل عليها المؤرخون المغاربة، إضافة إلى مسألة هوية المغرب وإعادة تدوين كيفية النظر إليه، وكذلك قضايا مثل العروبة والأمازيغية، تجسدُ دور التاريخ المهم جدًّا في هذه المدرسة.

ثانيًا، تركز اهتماماتي الخاصة في الفكر الفلسفي والإسلامي؛ لذلك يغطي ثلثي الكتاب أو أكثر التوجهات الفلسفية والإسلامية؛ وهذا يعود إلى الدور الكبير الذي لعبه تخصص الفلسفة بعد إعادة إدماجها في التعليم بالمدرسة المغربية بعد قرون من الغياب. لقد أثرت الفلسفة، ثم الجامعة لاحقا، والمدرسة الإنسانية الحديثة بمنهجها الحديث في الثقافة المغربية، وانتقال الثقافة من فاس إلى الرباط لا يعني مجرد تغيير في المناهج، بل يشير إلى تخصصات حديثة لعبت دورا محوريا في بناء الفكر المغربي.

إعلان

ربما كانت التوجهات التي منحت المغرب أو "مدرسة الرباط" بعدًا عالميا أو إقليميا هي التوجه الفلسفي بالأساس، لكن ليس وحده لنكونَ منصفين. فبعض الأوجه الفكرية التي تخص الفلسفة وقراءتها للتراث العربي الإسلامي أعطت للرباط دورًا مهمًّا؛ كان المغرب بسبب عوامل معينة، غائبًا عن المشهد الفكري الذي كان المشرق يقود حوار الحداثة ومكانة العرب والمسلمين فيه.

لكن منذ الستينيات، أصبح للمغاربة (بمعنى المغرب الأقصى) دور مهم في هذا الحوار، بدءًا من علي أمليل أو المقابل له وإن كان مغيبًا نسبيًّا وهو الحبابي الذي أسس شعبة الفلسفة بالرباط، والعروي، والجابري، والأجيال التي جاءت بعدهم، أبرزهم الآن طه عبد الرحمن وآخرون مثل عبد السلام بن عبد العالي الذي بدأ ينتشر فكره خارج السياق المغربي فقط بعد الربيع العربي رغم إنتاجه السابق، وحمد المصباحي، ونور الدين أفاية، والراحلين سالم يفوت ومحمد وقيدي، وكذلك محمد سبيلا من جانب الإبستمولوجيا.

تعدّدت التوجهات التي منحت المغرب، أو ما أُطلق عليه "مدرسة الرباط"، بُعدًا عالميًّا وإقليميًّا. كان التوجه الفلسفي هو الأساس، وإن لم يكن الوحيد؛ فقد أسهمت بعض الأوجه الفكرية التي تناولت الفلسفة وقراءة التراث العربي الإسلامي في منح الرباط دورًا بارزًا.

لم يكن المغرب حاضرًا بقوة في المشهد الفكري الذي كان المشرق يقود فيه حوارات الحداثة ومكانة العرب والمسلمين مع الغرب. لكن منذ الستينيات، بدأ المغرب الأقصى يضطلع بدور مهم في هذا الحوار؛ حيث برزت أسماء مثل علي أمليل، وعبد العزيز الحبابي (الذي أسس شعبة الفلسفة بالرباط)، وعبد الله العروي ومحمد عابد الجابري وطه عبد الرحمن. وتلاهم أجيال أخرى من المفكرين والباحثين مثل عبد السلام بن عبد العالي الذي انتشر فكره خارج المغرب بعد الربيع العربي رغم غزارة إنتاجه السابق، ومحمد المصباحي، ونور الدين أفاية، ومن الراحلين نذكر سالم يفوت ومحمد وقيدي، بالإضافة إلى محمد سبيلا.

أما المفكرون المعاصرون، الذين ظهروا مؤخرًا وما زالوا فاعلين في الساحة الفكرية، فنجدُ أسماء مثل عبد العزيز بومسهولي، ممن يقدمُ قراءات لأحدث المتغيرات في الساحة العربية من منظور فلسفي، مستخدمين مصطلحات حديثة. يميل هؤلاء إلى التركيز على الفلسفة الغربية أكثر من الفكر العربي الكلاسيكي. هذا فيما يخص الجانب الفلسفي. وفي مجال الكتابة الدينية، توجد توجهات متنوعة وأسماء بارزة تتجاوز السياق الكلاسيكي.

تمثل مدرسة الرباط نموذجًا مصغرًا للحوار الفكري في السياق العربي بشكل عام، مما يجعل دراستها ذات أهمية للباحثين في جميع أنحاء العالم العربي. فالباحثون في تونس، الجزائر، دمشق، أو القاهرة يمكنهم الاستفادة من هذا النموذج، إذ يتبنى الحوار ذاته في جوهره، لكن تختلف التفاصيل باختلاف التخصصات والخلفيات الجغرافية لكل باحث. هذا التنوع يضفي على المدرسة المغربية طابعًا مميزًا، لكن استمراريتها هي ما يؤهلها لتكون مدرسة فكرية حقيقية.

  • هل الساحة الثقافية الجامعية المغربية قادرة اليوم على إنتاج مفكرين من طينة الجيل الأول؟

يعدُ الجيل الأول جيلًا مخضرمًا، تميز بقوة ملكته اللغوية وعمق معرفته بالتراث مستفيدًا من دراسته في المدارس الوطنية أو الغربية، أنتج ما أنتجه من أعمال رائدة. أما الأجيال الحديثة فتواجه تحديًا جديدًا. ومع ذلك، هناك بوادر مشجعة تشير إلى إمكانية الحديث عن مدرسة فكرية مغربية، وذلك بتحفظات معينة. توجد مشاريع بحثية مهمة داخل المغرب، يتابعها باحثون يسيرون على نفس المسار أو يتأثرون بتوجهات المدرسة الأولى.

ليس هذا فحسب، بل يمتد تأثير الفكر المغربي إلى العالم العربي أيضًا، حيث يجد قراء وباحثون توجهات قريبة من أفكار مفكرين مغاربة مثل طه عبد الرحمن، محمد عابد الجابري، وعبد الله العروي. هؤلاء هم أسماء كبرى لهم قراء ومتابعون في المشرق العربي وخارجه.

هناك بوادر واضحة لتوجهات فكرية تتبعها مجموعة من الباحثين، حتى خارج السياق العربي. ففي الجامعات الغربية التي تهتم بالدراسات العربية والإسلامية، يعمل باحثون على دراسة هذا الفكر بشكل أو بآخر. هذا يؤهلنا للقول بأن هناك بوادر مهمة لوجود مدرسة فكرية في المغرب. التحدي الأكبر لأي ثقافة أو تقليد علمي هو ضمان الاستمرارية، وهذه الاستمرارية يجب أن يستوعبها أهل الثقافة في البلد نفسه، البلد هنا بمفهومه الجغرافي والثقافي، أي المغرب في السياق العربي الناطق بالعربية.

والفكر المغربي هو في الأساس فكر عربي، بكل التأويلات التي يمكن أن تُعطى لهذا المعنى الأوسع. لذلك، يمكن تقديم توصيفات مختلفة لقراءة هذا المنتوج الفكري، تخرج عن التوصيفات التقليدية مثل "العلماني"، "الليبرالي"، "المحافظ"، أو "الديني". هذه التوصيفات التقليدية لا يمكن تجاوزها كليًّا، لكن يمكن إضافة مصطلحات أخرى توسع منظور قراءة المفكرين.

يمكن إضافة مصطلحات مثل "القريب" و"البعيد" و"المختلف"؛ يشير "القريب" إلى كل منتوج فكري يخص جغرافيا معينة، بحدود ما يتعلق بالشأن المغربي، والأسئلة التي يطرحها المغاربة حول التغيير، الديمقراطية، المجتمع، المستقبل، والتاريخ والهوية. أما "البعيد" فيشير نسبيًّا إلى الحيز الأبعد جغرافيا وثقافيًّا، وهو الحيز العربي الذي تنتمي إليه الأفكار تاريخيًّا، أي الأفكار التي عالجها المفكرون المغاربة ولكنها تهم الشأن العربي عامة.

المصطلح الآخر هو "الفكر المغاير"، وهو مفهوم حديث استُخدم في المغرب من قبل أسماء بارزة مثل عبد الكبير الخطيبي وعبد السلام بن عبد العالي. وخارج السياق المغربي والعربي، استعمله وائل حلاق. هذا الفكر لا يريد أن ينحصر في بوتقة ما هو عربي إسلامي أو أوروبي فحسب، بل يسعى للخروج من هذه التقسيمات الثنائية.

الفكر المغاير يحاول أن يقدم بوادر فكرة إنسانية تتجاوز المركزيات التي تطبع العلاقات الفكرية في الشرق الأوسط، متأثرة بالتاريخ، السياسة، الاقتصاد، والعوامل السياسية. هذا يمثل طموحًا للعالم العربي والإسلامي للخروج من حصر هويته في "عربي" أو "مسلم" فقط، فالعربي بتعريفه يشمل كل من يتحدث العربية أو ساهم في التراث العربي من مختلف الأعراق، لذا المسألة ثقافية وليست عرقية أو لغوية بالأساس.

  • لقد أظهر الكتاب تفاعلًا ملحوظًا بين الأكاديميين الأجانب والفكر المغربي، ومن الأمثلة على ذلك الورقة البحثية التي تناولت فكر العروي الصادرة عن باحث من جامعة بوخوم، هل قدم الباحث الأكاديمي الذي ينطلق من السياق الغربي والمتشبع بالفكر الغربي ومفاهيم الحداثة وما بعد الحداثة والتاريخانية زاوية نظر جديدة لما تم التفاعل معه داخل المغرب؟

إن دراسة الفكر من قبل باحثين لا ينتمون إلى السياق الثقافي والجغرافي الذي صدر منه هذا الفكر غالبًا ما تكشف عن جوانب مهمة. قد يصل هؤلاء الباحثون إلى نفس النتائج التي يتوصل إليها باحث من نفس الجغرافيا، ولكن وصولهم إليها يعد تزكية للجهد البحثي المحلي. بالإضافة إلى ذلك، يحاول الباحث الأجنبي دائمًا أن يدمج في قراءته مخزونه المعرفي الخاص وتكوينه وانتماءه الجغرافي. هذا غالبًا ما يؤدي إلى إضاءات جديدة تثري الدراسة وتغني النقاش، ولا يعني بالضرورة أن هذه الدراسات هي الأهم حول العروي أو أنه يُفهم بشكل أفضل خارج المغرب أو السياق العربي. بل إنها تُسهم في إثراء النقاش وتقريب الاسم؛ فحديث باحث غربي عن مفكر معين يسلط الضوء على ملامح قد تغيب أو تحضر لدى الباحث المحلي.

هذا التفاعل لا يقتصر على البحث العلمي فحسب، بل يمتد ليشمل الثقافة عامة والقارئ العادي. وفي سياق التحيزات الثقافية، من الصعوبات التي يواجهها الباحث العربي أو غير الأوروبي في السياق الأوروبي تقديم أو الاشتغال على ثقافة خاصة بتحيز وبمنهجية. هنا يبرز التحدي؛ وهنا أعتقد أن من مسؤوليات الباحث، عندما يكون خارج سياقه ومهتمًّا بموضوع معين، أن يعمل على الخروج من هيمنة الفكر السائد.

عندما نتحدث عن هيمنة فكر معين، فإن المسؤول لا يقتصر على الفكر المهيمن فحسب، بل يشمل أيضًا القارئ الذي ينتمي إلى السياق المهيمن عليه. فإذا كان القارئ يرى أن الفكر الغربي مهيمن، فإن السبيل للدخول في نقاش فكري معه هو إبراز ما يمتلكه السياق الذي ينتمي إليه، أو السياق الذي يرغب في إبراز ملامح حركيته الفكرية.

ورغم أن الكتاب ليس موجهًا للعامة بشكل أساسي، نتمنى أن يكون له صدى معين في الأوساط غير العلمية كمساهمة فكرية. لقد حظي الكتاب بشكل عام بصدى واسع، خاصة في السياقات العربية والإسلامية، التي تتوق لقراءة ما يُنتج حول فكرها في السياقات التي أسست بعض المفاهيم المرتبطة بالنقد والحداثة وما بعدها والدولة الحديثة، وغيرها، وهذا يعكس تفاعلًا نقديًّا إيجابيًّا مع المحتوى المقدم.

  • من الأمور اللافتة في الكتاب اهتمامك بأسماء فكرية مغربية بارزة لم تحظ بالانتشار الكافي، خاصة في الأوساط العربية، أمثال رائد الشخصانية عز الدين الحبابي مؤسس الدرس الفلسفي في المغرب، وكذلك عبد الكبير الخطيبي صاحب النقد المزدوج، فهل يهدف الكتاب إلى تأريخِ الأفكار ووضع هذه القامات في سياقها التاريخي، أم يسلط الضوء على أهمية أفكارها وحاجتنا إليها اليوم، أم يسعى لتأسيس سلسلة نقدية جديدة مع ما أنتجته هذه الشخصيات من أفكار كالشخصانية والنقد المزدوج؟

فهمت سؤالك جيدًا. عند التفكير في هذا المشروع لأول مرة، كُتبت المسودة في عام 2011. منذ تلك اللحظة، كان البحث عن المساهمين تحديًا كبيرًا، لأنه ليس من السهل إيجاد باحثين يكتبون باللغة الإنجليزية عن المغرب، خاصة فيما يتعلق بالفكر المغربي. فبينما توجد كتابات عن السياسة والتاريخ، يظل الفكر المغربي مجالًا لم يحظَ بالدراسة الكافية. على الرغم من تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة، كان عليّ في البداية تتبع المنشورات ومعرفة من يكتب في هذا الموضوع، ثم طلب منهم تغطية جوانب معينة قد لا تكون ضمن اهتماماتهم الرئيسية، بهدف توسيع نطاق البحث.

من الأهداف الرئيسية لهذا الكتاب هو تأريخ الأفكار. هناك العديد من الجوانب التي لم يُكتب عنها بعد، حتى باللغة العربية. وبالمناسبة، لا يوجد كتاب شامل باللغة العربية يتناول هذا الموضوع بمثل هذا الشمول. توجد كتابات عن الفكر الفلسفي في المغرب، أو الأدب، أو الثقافة العربية، أو الفكر الروائي المغربي، أو المسرح في المغرب، بالإضافة إلى أعداد من المجلات المحترمة والمدعومة مؤسساتيًّا حول موضوعات معينة في المغرب. لكن لا يوجدُ كتاب يجمع كل هذه التخصصات المختلفة ويبرز أهم الأعلام بهذا الشمول، لا أظن أنه موجود حتى باللغة العربية.

كان هناك عاملان أساسيان دفعاني لهذا المشروع، وربما كان يجب أن أذكرهما في مقدمة الكتاب: أولًا، العطاء الأكاديمي للسياق المغربي الثقافي الذي شكلني، حيث كنت أقرأ له منذ أواخر سنوات الثانوية. هذه القراءات المتنوعة ساعدتني على فهم السياق العربي، ضمن سياق إسلامي، وفي إطار حوار فكري عالمي مع الأسماء الكبرى عالميًّا. ثانيًا، الشح العلمي في دراسة الأقطار والأسماء الفكرية.

أما بخصوص لماذا الحبابي؟ لماذا الخطيب؟ لماذا أمليل؟ على الرغم من أهميتهم في السياق المغربي والعربي، لا توجد أوراق بحثية كافية عنهم باللغة الإنجليزية، وكما قلتُ الهدف الأساسي هو تأريخ الأفكار ومشاركة ما هو متاح محليًّا مع سياقات خارج المغرب، وتوضيح حيثيات العلاقات الفكرية بين الباحثين وهذه الأسماء الكبرى.

كل فصل في الكتاب يتحمل مسؤوليته الباحث الذي كتبه، لكنني كمنسق للكتاب حاولت ربط العلاقات الفكرية بين هذه الأسماء. كما حاولت شخصيًّا ربط هذه الأفكار والتوجهات في تقديمي للفصل الأول عن مدرسة الرباط. ولتغطية التعددية الفكرية داخل هذه المدرسة، كان علينا أن نولي الأسماء التي طبعت الساحة دورًا مهمًّا ونخصص لها فصولًا معينة.

  • تقودني إجابتك إلى سؤال آخر يتعلق بوجود رأي، وإن كنت شخصيًّا لا أتفق معه، مفاده أن هناك تحيزًا لبعض المفكرين المغاربة على حساب آخرين في عملك. يرى البعض أنك تميل إلى فكر طه عبد الرحمن، وأن هذا الميل يقودك إلى بناء نموذج مغربي خاص ينطلق من مركزية بعض أفكاره، وهذا قد يكون على حساب أفكار مفكرين آخرين. فهل هذا صحيح، وما هو ردك على من يقول ذلك؟

شكرًا على سؤالك. أولًا، من الطبيعي أن نركز على ما هو مشهور وبارز للإجابة عن مثل هذه التساؤلات. ثانيًا، الاختيارات الشخصية تبقى كذلك، لكن عندما يتعلق الأمر بالكتابة عن تاريخ الأفكار، لا أرى أي تحيز في الأمر على الإطلاق. بل على العكس، أول عمل جماعي أشرفت عليه كان عن محمد عابد الجابري.

الفكرة الأساسية هي أن الفكر عمومًا هو فكر عربي وليس فقط مغربي. أدرس المغرب لأنني أمتلك معرفة أعمق بهذه المنطقة، وهي مسألة معرفية وليست تحيزًا وطنيًّا. معرفتك بمنطقة معينة أو تمكنك منها يسمح لك بدراستها بشكل أوسع وفهمها بعمق أكبر، حتى وإن لم تكن هذه المعرفة بالضرورة تعني فهمك الكامل للمنطقة أو الفكرة.

عملي على طه عبد الرحمن كمشروع ثانٍ جاء بعد أن لاحظت غياب اسمه في أهم الكتب التي تتناول الفكر العربي الإسلامي المعاصر. كتبت أول ورقة بحثية باللغة الإنجليزية حول فكر طه عبد الرحمن في عام 2015، وكانت حوالي أربعين صفحة، وأوضحت فيها أن الهدف هو التعريف بفكره، وليس إثبات انتمائي لتيار فكري محدد.

أما أن يصادف لاحقًا أن طه عبد الرحمن أصبح معروفًا أكثر، وأن هناك اهتمامًا متزايدًا بفكره حاليًّا، فهذا يسعدني. وأؤكد دائمًا في الحوارات التي أجريها، خاصة مع المحاورين الذين يركزون على هذه المسألة، أن السياق العربي أو المغربي غالبًا ما يضعك في خانة معينة بمجرد أن تكتب عن مفكر ما لتصبح محسوبًا عليه، أنا "طهائي" بمجرد أن أكتب عن طه، أو "جابري" بمجرد أن أكتب عن الجابري، أو "عروي" إذا كتبت عن العروي.

أظن أن السياق السياسي في العالم العربي يؤثر على هذه القراءات، ويجب علينا أن نخرج من هذه الولاءات أولًا. ليس عيبًا أن نستفيد من أفكار عميقة قدمها فكر طه عبد الرحمن، فقد استفدت منه كثيرًا عند طرح أسئلة معينة، ووجدت أنه يساهم بفاعلية في الحوار العالمي حول الإنسان والحداثة والمجتمع والمستقبل. وفي الوقت نفسه، أرى أن الجابري يقدم قراءات مهمة لتاريخ الفكر العربي المستقبلي والطريقة الوسطى التي حاول أن يقدم بها أطروحته.

إن الفكر العربي، وتحديدًا الفكر المغربي كنموذج، يتسم بالتعددية وليس بالانغلاق، على عكس ما قد يشاع أحيانًا بأنه "عربي جدًّا". فهل نتوقع من هابرماس أن يكون أفريقيًّا؟ هو أوروبي يتحدث عن الاستعباد الأوروبي والهوية الأوروبية، وهي ذات الاتهامات التي توجه للمفكر العربي. عندما نطبق هذه الاتهامات على المفكر الغربي، نجد أنها غالبًا ما تكون خاطئة عند توجيهها للمفكر العربي. لا يمكن اختزال الفكر العربي في فكر واحد، ولهذا أؤكد في هذا الكتاب على تعددية الفكر العربي في نموذجه المغربي. وقد عبرت عن هذا من خلال تصنيف "الفكر القريب"، و"الفكر البعيد"، و"الفكر المختلف"، وهي تصنيفات جديدة تتجاوز التصنيفات القديمة مثل "الحداثة"، "الليبرالية"، و"المحافظة".

في السياق العربي الراهن، قد تكون إجابات العروي ذات أهمية خاصة، لكونه يقدم قراءة ليبرالية تتجه إليها المجتمعات والسياسات العربية بعد تجارب متنوعة كالتجارب الأوروبية، الاشتراكية، والإسلامية أو الإسلاموية. فالمفكر الذي يقدم جانبًا مهمًّا في فكره يجيب عن أسئلة المجتمعات العربية والمجتمع المغربي يكون له دور بارز. ومع ذلك، لا يوجد جواب واحد يقدمه مفكر واحد يحل جميع المشاكل بشكل مطلق.

لذا، فإنني أتحدث عن "تعددية" (plurality) و"ثراء" (richness) الفكر. أستلهم هنا من مقولة محمد المصباحي حول راهنية الفكر العربي الإسلامي الأندلسي للعالم العربي الحالي، حيث يرى أنَّ مستقبل الثقافة العربية يجب يكون رشديًّا وغزاليًّا وابنَ عربيٍّ؛ وهذا هو جوهر المجتمع العربي عمومًا: مجتمع يضم الليبرالي، الوسطي، واليميني، والمدرسة المغربية هي تجسيد مصغر للمدرسة العربية بهذا المعنى.

لذا لا أرى أن الانتماء لمفكر واحد هو الحل الأمثل. صحيح أن للباحث تعاطفًا أكبر مع مفكر معين، وهذا حقه الطبيعي. أما أنا شخصيًّا، فأنتمي إلى أطياف فكرية كثيرة. يقول محمود درويش في قصيدة "طباق" التي كتبها عند وفاة إدوارد سعيد: "لا أُعرِّفُ نفسي تمامًا لئلّا أُضيِّعها"؛ فبمجرد أن تعرف نفسك تمامًا، قد تفقد أشياء، رغم أننا نحتاج إلى التعريف أحيانًا لأنه يطرح أسئلة مهمة.

الشيخ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (الأناضول)
  • ضم الكتاب أوراقًا بحثية عديدة شملت أعلامًا وتيارات تفاعلت مع الدين والتدين بطرق مختلفة في المغرب؛ حيث نجد تسليطك الضوء على أعلام مثل أحمد الريسوني وعبد السلام ياسين المعروفين بخلفيتهما الحركية رغم الاختلافات، وأحمد الخمليشي الذي ارتبط اسمه بتدين الدولة، وأسماء المرابط التي قدمت لنا "نسوية إسلامية"، كيف كان تفاعلك مع مجال الدين في المغرب؟ وما الذي خلصت إليه انطلاقًا من اشتغالك بهذا الملف؟

شكرًا على هذا السؤال المهم، وبصراحة أي باحث متحيز قد ينفر من الكتاب لمجرد وجود بعض الأسماء الدينية فيه. لكن هذا التحيز لا يمثل موقفًا جادًّا إذا أراد الباحث أن يكون أخلاقيًّا ومسؤولًا في تغطية الحقول والأسماء التي تؤثر في الساحة الثقافية بالمغرب. يتناول هذا الكتاب الحركة الثقافية في المغرب وبعض الأسماء المؤثرة فيها التي كان لها صدى خارج المغرب.

لقد اشتغلنا في الكتاب على أحمد الريسوني الذي شغلَ منصبَ رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقًا، واشتغلنا كذلك على منتوجِ عبد السلام ياسين المؤسس والمرشد العام لجماعة العدل والإحسان لأنهُ اسم حاضر في الحركة المجتمعية، وإن كانت علاقاته متوترة أحيانًا مع الدولة المغربية، إلا أن لها حرية الحركة في عقد جمعياتها وندواتها التي يحضرها أحيانًا مفكرون مغاربة كبار وبارزون. هذه الحركة منفتحة على الحوار حول المسلمات وتتسم بالسلمية. لذا خصصت له فصلًا كاملًا في الكتاب.

تقتضي الموضوعية إبراز كل التيارات الموجودة في المغرب التي تتمتع بوجودِ أتباعٍ وحضورٍ مجتمعي سواء كان كبيرًا أو صغيرًا، وتتفاعلُ بموجبهِ مع سؤال الدين والتدين، لذا سلطتُ الضوء على هذه الأسماء، كما سلطت الضوء كذلك على أسماء أخرى مثل فريد الأنصاري الذي قمنا بتخصيص فصلٍ كاملٍ له سواء لمقاربة نظرته للدين والتدين وكذا تفكيك نقده للحركات الإسلامية في المغرب. كما تضمن الكتاب فصلًا عن تديين الإسلام المغربي من منظور ما قدمه أحمد الخمليشي مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط.

سعى الكتاب إلى تقديم صورة دقيقة للساحة الدينية المغربية، لذا شملَ الاهتمام تقديمَ فصلٍ عن الزاوية البودشيشية حيث تناولنا الصوفية وعلاقتها بالدولة والسلطة. لذا أعتقد أن الكتاب حاول أن يكون صورة مصغرة للحركة الثقافية والدينية في المغرب من خلال تسليط الضوء على روادها، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معهم. فنحن نؤرخ للأفكار التي تفاعلت داخل المجتمع المغربي، وأي مجتمع عربي يمر بتجارب مشابهة، ولا يمكن لأي باحث أن يتجاهل هذا التعدد في عمله، إلا إذا حاول تقديم صورة غير منصفة وواقعية.

  • عند الحديث عن هذه الأسماء القيمة التي تفاعلت مع الدين والتدين في المغرب، هل يجوز لنا اليوم أن نتحدث عن تدين مغربي، أو إسلامٍ مغربي، أو هوية دينية مغربية؟ أم أن الواقع الديني المغربي يؤكد شيئًا آخر مرتبطًا بالثوابت والمتغيرات؟

هذا سؤال وجيه. أولًا، أي مصطلح يُستعمل يحاول أن يكون شاملًا، وهذا يعني أن التعددية فيه أمر واقع لا محالة؛ الحديث عن "إسلام مغربي" يعني أن لكل دولة إسلامها الخاص، ولكل منطقة جغرافية إسلامها. لذا سوف نجد "إسلامًا مغربيًّا"، و "إسلامًا جزائريًّا"، و "إسلامًا سعوديًّا"، و " إسلامًا تركيًّا"، و" إسلامًا إندونيسيًّا"، وحتى " إسلامًا أوروبيًّا". ولكن عندما ننظر إلى المجتمع، وهنا يبرز دور علم الاجتماع والأنثروبولوجيا، فإنهما يقدمان صورة مختلفة لكيفية تفكير المغاربة وتدينهم.

الإسلام المغربي في الأساس له تاريخ عريق وجذور قديمة، وقد تطور ليصبح إسلامًا مؤسساتيًّا بظواهره وثوابته الكبرى الواضحة. ولكن، كل ما هو ثابت هو في الوقت نفسه متغير؛ فثباته يكمن في كونه يتغير، أو يحاول أن يبقى ثابتًا في تغييره، أو يحاول تأويل التغييرات ليرجعها دائمًا إلى ما هو ثابت وأصيل.

الإسلام المغربي كذلك، من الناحية العلمية، والأهم ربما كمفهوم، هو توصيف تحاول كل سلطة في أي دولة أن تقدمه لحالاتها السياسية أو الدينية أو الثقافية. والمغرب شأنه شأن باقي دول العالم، يقدم هذا التوصيف لإسلامه رغم تعدده. حتى السلطة عندما تستخدم هذا الدين، فإنها تدرك أنه متعدد داخليًّا. تلك الفصائل والأسماء التي ذكرناها في الحقيقة كلها تنتمي إلى الإسلام المغربي؛ كلها مجتمعة على الثوابت في المغرب، وكلها تنتمي عقديًّا وسياسيًّا إلى المنظومة المغربية. ولكن في الوقت نفسه، تختلف في بعض تفاصيلها، وهذا ليس عيبًا، بل هو مسألة فكرية طبيعية.

الكاتبة المغربية "فاطمة المرنيسي" تتسلم جائزة أمير أستورياس عام 2003 (رويترز)
  • عند مناقشة النسوية في المغرب يبرز اسم فاطمة المرنيسي التي لم تكتفِ بالتفاعل مع علم الاجتماع والدراسات النسوية، بل سعت إلى ربط السوسيولوجيا بالموروث الديني والتراثي لتقديم رؤى جديدة في سياقها التاريخي. فما تقييمك لإنتاجها الفكري؟ هل هي جزء من مدرسة الرباط؟ وهل ما زال فكرها يحتفظ براهنيته اليوم؟

بالتأكيد، فاطمة المرنيسي لا يمكن حصرها في مدرسة الرباط؛ تميزَ تكوينها العلمي بالتعددية، وإتقانها لعدة لغات مهمة في الساحة الثقافية العالمية: العربية والفرنسية والإنجليزية. كانت تكتب وتتحدث بهذه اللغات بطلاقة، وقد تلقت تعليمها في المغرب وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. هذا التعدد اللغوي كان له أثر بالغ، كما أنَّ كتاباتها تجاوزت السياق العلمي الذي تنتمي إليه المتمثلِ في السوسيولوجيا، لتربطه بدراسات في التراث والتفسير والحديث، بالإضافة إلى كتاباتها الأدبية التي ربما ساهمت في التعريف بها على نطاق أوسع، كما حظيت كتاباتها بترجمات إلى لغات العالم.

كما يجب التذكير بأن صدور كتابات المرنيسي الأولى في فرنسا، وترجمتها لاحقًا إلى الإنجليزية عام 1975، جعلت البعض ينظر إليها كصوت فرنسي أو غربي يتهم التراث. لكن بعد دراساتها المتعمقة للتراث نفسه، غيرت المرنيسي من رؤيتها ووجدت أن المشكلة لا تكمن في النصوص المؤسسة، بل في التأويلات التي صيغت بها في ثقافة ذكورية أو أبوية. لذلك، هي تميز بين رسالة الإسلام والثقافة التي طغت لاحقًا في تأويلاتها. كما تقول إن هذا الأمر لم يخص الثقافة العربية وحدها، بل كل الثقافات قبل العصر الحديث.

لذلك، في مرحلة لاحقة، وتحديدًا منذ التسعينيات وأواخرها، أصبحت المرنيسي –التي لم تتبنَّ مفهوم "النسوية" في البداية– تدافع عن المرأة وعن قراءة إسلامية للمرأة المسلمة. كانت تعتبر نفسها صوفية في آخر ندواتها، وكانت تؤكد أن أي قارئ لأمهات الكتب بشكل سليم، بما في ذلك الكتب الفقهية، سيرى أن التراث الإسلامي وسيرة الرسول كانا منصفين جدًّا للمرأة، على عكس أصول التراث الغربي حسب قراءاتها. فقد أصبحت لاحقًا ناقدة جدًّا للاستشراق.

وكما تعلم، هي ملهمة لما يسمى "النسوية الإسلامية" (Islamic Feminism) التي ظهرت في منتصف الثمانينيات خارج المغرب. كتاباتها تُقرأ على نطاق واسع، وهي مرجع لحركة "مساواة" في كوالالمبور بماليزيا. أفكارها تُطبع وتُنتشر وتُبَسّط للعالم كمرجع للنسوية الإسلامية من هذا المنظور. وأسماء المرابط في المغرب حاليًّا تعتبر نفسها تلميذة أو تنتمي لفكر المرنيسي. لا شك أن المرنيسي لعبت دورًا بشكل مباشر أو غير مباشر في حركة الدفاع عن حقوق المرأة في المغرب في السياق العربي والإسلامي.

ما تشدد عليه المرنيسي وفكرتها العامة هي أن المرأة المسلمة يجب أن تدخل الحداثة وتدافع عن حقوق الإنسان وحقوق المرأة بكل ثقة من داخل تراثها. كانت واثقة جدًّا أن الأصول في التراث الإسلامي تكفل للمرأة المساواة والكرامة، التاريخ الإنساني كان يحتاج لـ"تفجيرات فكرية" لنصل إلى هذه الخلاصات من داخل التراث. هذه كانت خلاصاتها وأعتقد أنها مهمة.

  • اسمح لي أن أفتح قوسًا حول حقل الإبستيمولوجيا بالمغرب، الذي سلطت الضوء عليه في كتابك من خلال بعض الأوراق البحثية، بصفتك مؤرخًا للفكر المغربي ومراقبًا لتطوره، هل طغيان الطابع الفرنسي عليها أثّر في المدرسة الفلسفية المغربية؟ وهل أثر فيها هذا التأثير بالسلب أم الإيجاب؟

شكرًا على هذا السؤال الدقيق، يرى العروي أن التوجه المغربي للفلسفة متمحورٌ حول الإبستيمولوجيا ودراستها وهو تقليدٌ فرنسي. مع ذلك، أعتقد أن المدرسة الإبستيمولوجية لعبت دورًا في تأريخ الأفكار وإعادة تأريخ دراسة تاريخ الفلسفة العلمية بشكل عام، وكذلك دراسة تاريخ الأفكار في العالم العربي. على سبيل المثال، استخدم الجابري بعض المصطلحات الباشلارية في محاولة لتقييم الفكر العربي الكلاسيكي، ورغم وجود العديد من النقاد لطريقته في تقديم الفكر العربي، إلا أن مساهمته كانت مهمة ولعبت دورًا بارزًا. في المقابل، ليس هناك قطيعة تامة في العلم، بل توجد دائمًا ترابطات كونية بين المعارف.

أود أن أشير إلى أنه على الرغم من خصوصية الإبستيمولوجيا في الساحة العربية وكيفية تفاعلها، إلا أن هناك من ينتقد فكرة أن المغاربة درسوا الإبستيمولوجيا وكأنها تمثل كل الفلسفة.

محمد حصحاص: مع احترامي الكبير لوائل حلاق، أرى أن نقده لمشروع الجابري كان قاسيًا جدًّا (الجزيرة)
  • رغم تقاطعات مع ما طرحه وائل حلاق في حوارك معه في الكتاب حول ما أنتجهُ طه عبد الرحمن، فإن وائل حلاق أكثر راديكالية من طه في نظرته إلى الحداثة؛ لا يؤمن حلاق بروح الحداثة والحداثة كما يراها طه عبد الرحمن رغم اتفاقهما على البعد الأخلاقي في النقد، كما أنَّه قدم نقدًا قاسيًا للجابري، كيف ترى هذا الاختلاف الفلسفي وما علاقته بالنظرة المغربية إلى المفاهيم الفلسفية؟

هذا الفارق هو لب القضية؛ مع احترامي الكبير لوائل حلاق، أرى أن نقده لمشروع الجابري كان قاسيًا جدًّا، حتى إن طه عبد الرحمن نفسه تراجع عن بعض هذا النقد قبل عقد من الزمن. لكن في كل الأحوال، كل المفكرين الكبار يبنون رؤيتهم للعالم وتفاصيله على أساس نظرتهم الكونية، وإذا اختلفت هذه النظرة، اختلفت معها قراءة التفاصيل. ولهذا يقال: "إذا اتفق فيلسوفان فأحدهما ليس فيلسوفًا"، بمعنى أن لكل مفكر رؤيته الخاصة للأشياء.

هذا من الناحية النظرية، لكننا نسعى لدراسة التعددية في الفكر العربي والمغربي. لذلك، من الصعب جدًّا أن نقول إن مفكرًا بعينه هو صاحب الصواب، وأظن أن هؤلاء المفكرين أنفسهم يدركون ذلك ويصرحون به أو يكتبونه. فحتى وائل حلاق، ربما كان هدفه من هذا السجال هو وضعه ضمن سياق عالمي أوسع، والتحدث عن مآزق الحداثة وما بعد الحداثة، وكيف يمكن للإنسان أن يستعيد كرامته حين تُنزع منه دوافعها.

أرى أن مقارنة طه عبد الرحمن بالجابري، وادعاء أن الجابري كان قطعيًّا في منهجه أو رؤاه، هو نوع من التحيز. فالجابري كان دائمًا يدعو إلى كمال الدين، ولم يدافع عن العلمانية كمصطلح، بل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكان يفضل هذا التوجه. كما كان يقول إن العلمانية، لا تعني المادية أو الإلحاد، أعتقد أن الجابري لم يكن ماديًّا وقد صرح بذلك.

لذلك، من هذا المنطلق أقول إن توصيف وائل حلاق أو نقده للجابري لم يكن منصفًا. فأطروحات الجابري كانت قريبة نسبيًّا من طه عبد الرحمن، رغم الاختلاف في المناهج والتفاصيل؛ كان الجابري يرى أن للعالم غير المادي مكانة مهمة، لذلك تحدث عن إصلاح الشريعة ووحدانية القرآن الكريم.

أظن أن هناك نقاطًا يمكن البناء عليها للخروج بخلاصات حول الفكر الإسلامي كما يقر به الجابري. أما الأمر فقد تعثر نسبيًّا عند العروي. لو كان نقد وائل حلاق قد وجه للعروي بدلًا من الجابري، لقلت ربما كان النقد منصفًا، لأن منظور العروي يختلف عن منظور طه عبد الرحمن. أما الجابري فمقارب لطه جدًّا. هذا لا يستثني أن للعروي إشارات مهمة؛ فقد أشار في سيرته، التي ترجمها عبد السلام بنعبد العالي إلى أنه لن يترك الدين أبدًا.

والإشارة الثانية في كتاب "السنة والإصلاح"، حيث يرى بما معناه أنه لا يستثني الجانب الديني والوحياني والأخلاقي، ولكن في المجتمع تصبح الأخلاق عنده مادية أو نفعية. أي أن ما يقرره في المجتمع والمتمثل في الإصلاح. بالطبع، إذا نظرنا إلى التفاصيل، يمكننا أن نجد تشابكات وتقاطعات حتى بين العروي وطه عبد الرحمن.

المصدر: الجزيرة

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا