أول 6 أشهر من ولاية ترامب الثانية.. أرقام صادمة وتحولات عميقة

قالت صحيفة فايننشال تايمز إن الأشهر الستة الأولى من الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب مثّلت مرحلة من التحولات العنيفة محليا ودوليا، بعد أن اعتمد بشكل واسع على الأوامر التنفيذية لتجاوز رقابة الكونغرس، وفرض سياسات جمركية هجومية، وشَنّ حملات غير مسبوقة ضد المؤسسات الفدرالية، ومرر تشريعات ضريبية وصفها بأنها "رائعة وكبيرة وجميلة"، وسط انقسام سياسي عميق.
وفي تحليل مدعّم بالبيانات، أوضحت الصحيفة أن إدارة ترامب تمكنت من إعادة رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية الأميركية خلال فترة وجيزة، في ظل تصعيد تجاري مع الحلفاء، وتوسيع حملات الترحيل الجماعي، وقيادة جهد لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة بقيادة إيلون ماسك.
الأسواق والدولار.. مكاسب مؤقتة وانحدار تاريخي
وبحسب فايننشال تايمز، شهدت الأسواق الأميركية في أبريل/نيسان أكبر تراجع يومي في الأسهم خلال 5 سنوات، بعد إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية واسعة على عشرات الدول في ما وصفه بـ"يوم التحرير".

ورغم تعافي الأسواق لاحقا وبلوغها مستويات قياسية، فإن هذه المكاسب تعود، وفق الصحيفة، إلى إستراتيجية ترامب في تأجيل تنفيذ تهديداته الجمركية مرارا، ما أطلق تعبيرا ساخرا متداولا في الأوساط المالية: TACO، أي Trump Always Chickens Out (ترامب يتراجع دائما).
أما الدولار الأميركي، فقد سجل أسوأ أداء له منذ عام 1973، وسط تحذيرات من أن سياسات ترامب الاقتصادية، إلى جانب هجماته المتكررة على استقلالية الاحتياطي الفدرالي، تُقوّض مكانة الدولار كعملة ملاذ آمن لدى المستثمرين الأجانب.
ارتفاع قياسي في الاعتقالات والترحيلات
وأشارت الصحيفة إلى أن وتيرة الاعتقالات التي تنفذها إدارة الهجرة والجمارك الأميركية تضاعفت تقريبا خلال الشهر الأول من تولي ترامب الحكم، بحسب بيانات مشروع بيانات الترحيل في جامعة كاليفورنيا-بيركلي.
ففي عدة أيام من يونيو/حزيران، تجاوز عدد الاعتقالات اليومية 1400 حالة، مقارنة بـ500 حالة يوميا فقط في الفترة نفسها من العام السابق إبان ولاية جو بايدن.
ورغم تعهدات ترامب خلال حملته الانتخابية بالتركيز على ترحيل المهاجرين من أصحاب السوابق، تكشف البيانات الرسمية أن نسبة كبيرة من المعتقلين لا يملكون سجلات جنائية، مما يثير جدلا واسعا بشأن الانتهاكات الحقوقية لعمليات الترحيل الجماعي.
إعلانالرسوم الجمركية
ورصدت فايننشال تايمز ارتفاع متوسط المعدل الجمركي الفعلي في الولايات المتحدة من 2% في بداية 2025 إلى 8.8% بحلول يوليو/تموز، استنادا إلى بيانات فعلية لحركة التجارة.
وبلغت عائدات الرسوم الجمركية 64 مليار دولار في الربع الثاني وحده، بزيادة 47 مليار دولار عن الفترة المماثلة من العام الماضي، معظمها نتيجة فرض ضريبة بنسبة 30% على الواردات من الصين.
وإذا ما تم تطبيق كل السياسات المعلنة حتى 13 يوليو/تموز، بما في ذلك رسوم جديدة على الاتحاد الأوروبي والمكسيك، فإن متوسط المعدل الجمركي الأميركي قد يقفز إلى 20.6%، وهي النسبة الأعلى منذ عام 1910، بحسب تقديرات مختبر الميزانية في جامعة ييل.
التفاف يومي على الكونغرس
وقالت الصحيفة إن ترامب وقّع 170 أمرا تنفيذيا بين 20 يناير/كانون الثاني ومنتصف يوليو/تموز، بمعدل يقارب أمرا واحدا يوميا، متجاوزا أي رئيس أميركي معاصر. هذه الأوامر شملت كل شيء من سياسات "يوم التحرير" التجارية، إلى قرارات تمس المواطنة الدستورية، واستهداف الجهاز القضائي، وفرض رقابة على مكاتب المحاماة.
وتُعد هذه السرعة في إصدار القرارات دليلا على نزعة انفصالية متزايدة عن المؤسسة التشريعية الأميركية، وسط صمت نسبي من الحزب الجمهوري.
"القطاع الفدرالي النحيف"
وسلطت فايننشال تايمز الضوء على برنامج إدارة ترامب لتقليص حجم الحكومة الفدرالية، الذي قادته وزارة أُنشئت خصيصا باسم "وزارة كفاءة الحكومة"، بإشراف إيلون ماسك حتى مايو/أيار الماضي.
تضمن المشروع إغلاق وكالات بكاملها، من بينها هيئة حماية المستهلك وصوت أميركا، وتقليص آلاف الوظائف في مراكز السيطرة على الأمراض، وهيئة الغذاء والدواء، والمعاهد الصحية الوطنية.

وتشير بيانات نشرها الباحث روجر لي إلى أنه تم تسريح أكثر من 67 ألف موظف فدرالي منذ بداية العام، مما يجعل الحكومة الفدرالية القطاع الأول في البلاد من حيث عدد التسريحات، وفق شركة تشالنجر غراي آند كريستماس المتخصصة بالتوظيف.
وفي فبراير/شباط، غرّد ماسك ساخرا: "قضينا عطلة نهاية الأسبوع في إدخال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في فرّامة الخشب".
وفي تقرير حديث نشرته دورية ذي لانسيت الطبية، قدّرت أن الخفض المتواصل في ميزانيات الصحة والمساعدات قد يؤدي إلى وفاة أكثر من 14 مليون شخص بحلول 2030، بينهم 4.5 ملايين طفل.
وفي تطور لافت، أقرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة أمس الاثنين بأن للإدارة الفدرالية الحق في تنفيذ خطة لتسريح 1400 موظف من وزارة التعليم، رغم اعتراضات قانونية شديدة، وصفتها القاضية سونيا سوتومايور في رأي مخالف بأنها: "تهديد جسيم لمبدأ فصل السلطات في الدستور الأميركي."