Skip to main content

"بالييوود" و"غزة وود".. حملة إسرائيلية تروج روايات مضللة لإنكار المجاعة في غزة

23 تموز 2025

"بالييوود" و"غزة وود".. حملة إسرائيلية تروج روايات مضللة لإنكار المجاعة في غزة

فلسطينيون يصطفون في طابور للحصول على وجبة طعام في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة (أسوشيتد برس)
23/7/2025-|آخر تحديث: 19:37 (توقيت مكة)

في الوقت الذي يشهد فيه قطاع غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في تاريخه، وسط حصار خانق وتجويع ممنهج ضد أكثر من 2.4 مليون إنسان، تشن منصات موالية للاحتلال الإسرائيلي حملة تضليل رقمي منظمة، تهدف إلى قلب الرواية، والتشكيك في حقيقة التجويع، وتصدير صورة معكوسة عن الواقع اليومي في غزة.

في هذا التقرير ترصد وكالة "سند" للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة هذه الحملة، وتعرض طبيعة الشبكات التي تروج لها، ومن يقف خلفها.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2
list 2 of 2
end of list

مشاهد لأطعمة فاخرة

بدأت الحملة مع مطلع يوليو/تموز الجاري، وانطلقت عبر منصة "إكس"، وتقودها حسابات مشبوهة روجت لمقاطع تظهر أطعمة فاخرة، وحلويات ومشروبات وهدايا وأدوات تجميل في مناطق محدودة من قطاع غزة، في محاولة لتعميم صورة زائفة توحي بأن الوضع المعيشي في القطاع طبيعي، وأن لا وجود لمجاعة.

الحسابات ذاتها أعادت نشر المقاطع مرارا، متجاهلة بشكل ممنهج التقارير الموثقة والشهادات الحية التي تؤكد معاناة مئات الآلاف من سكان غزة من الجوع الحاد ونقص الغذاء، لا سيما في المناطق التي تعاني حصارا مزدوجا بين القصف وأوامر الإخلاء.

تزامن ذلك مع تصاعد تفاعل وسوم محددة، وتكرار لافت لسرديات موحدة بين الحسابات ذاتها، مما أثار تساؤلات عن أهداف الحملة، وطبيعة الشبكات الرقمية التي تقف خلفها، ودورها في محاولات التضليل الممنهجة لتشويه الواقع الإنساني في غزة.

إعلان

"بالييوود" و"غزة وود"

في موازاة بث مقاطع الطعام الفاخر، صعّدت منصات موالية للاحتلال الإسرائيلي من حملة التضليل الرقمي، مستخدمة خطابا ساخرا يستهدف تشويه صورة الضحايا الفلسطينيين والتقليل من حجم الكارثة الإنسانية في غزة.

فقد نشطت حسابات إسرائيلية في ترويج مصطلحين ساخرين هما "بالييوود" (دمج بين فلسطين وهوليود) و"غزة وود"، في إشارة إلى مزاعم التمثيل والفبركة، في محاولة لتجريد مشاهد المعاناة من صدقها، والتقليل من حجم الجرائم المرتكبة بحق المدنيين، بهدف تضييق دائرة التعاطف العالمي.

ضمن هذه الحملة، زعم أحد مستخدمي الوسوم أن سيدة فلسطينية ظهرت في مقابلة إعلامية تشتكي من الجوع بينما كانت تحمل هاتفًا من نوع "آيفون" يفوق ثمنه ألف دولار أميركي، في إيحاء ساخر يتنافى مع شكواها. غير أن التدقيق أظهر أن السيدة كانت تحمل هاتفا من طراز "ريدمي A9" المنخفض التكلفة، وليس آيفون كما ادعى الناشر.

كذلك انتشر مقطع مصور يوثق مائدة طعام كبيرة في غزة، قُدم على أنه حديث لتكذيب روايات المجاعة. لكن التحقق أظهر أن الفيديو قديم ونشر قبل أشهر، وأعيد تدويره ضمن الحملة الحالية.

ومع تضاؤل قدرة هذه الحسابات على إيجاد مشاهد حديثة يمكن التلاعب بها، لجأت إلى أساليب سخرية مباشرة، من خلال صور وتعليقات ساخرة تحوّل المجاعة إلى مادة ترفيهية، في تجاهل فجّ للكارثة الإنسانية المتفاقمة.

حملة منظمة

لم تكن حملة التضليل الرقمي التي رافقت الحديث عن المجاعة في غزة عشوائية، بل أظهرت مؤشرات واضحة على التنسيق المسبق، إذ خصصت ما لا يقل عن 5 حسابات عبر منصة "إكس" محتواها اليومي لنشر مقاطع فيديو تظهر أطعمة متنوعة ومشاهد من كافيهات ومطاعم في مدينة دير البلح وسط القطاع، في محاولة لتقديم صورة مغايرة للواقع، توحي بأن الإمدادات الغذائية وفيرة، وأن الحياة المعيشية لم تتأثر بالحرب.

إعلان

ويقف في صدارة هذه الحملة حساب (imshin@) الذي لعب دورا محوريا في تضخيم الرواية التضليلية، مدعوما بشبكة من الحسابات يتابعها عشرات الآلاف، ومن أبرزها حساب (GAZAWOOD1@) الذي نشر مقاطع من داخل مطعم محلي تعرض تقديم عصائر وحلويات، وكتب تحتها: "تم تصوير هذا اليوم في دير البلح"، موجها اتهاما إلى الإعلام الفلسطيني بتجاهل هذه المشاهد و"إسكات" صوت المطاعم.

كما رصدت منشورات من الحساب ذاته تسخر من مشاهد لصحفيين غزيين وهم يشربون الماء والملح، في إشارة مباشرة إلى حالات الجوع والعطش التي وثقتها تقارير محلية ودولية.

لكن التدقيق في ادعاءات هذه الحسابات كشف عن تناقض فاضح، إذ نشر المطعم ذاته عبر حسابه في "إنستغرام" تنويها قبل أيام قال فيه: "في الوقت الذي وقفنا فيه أمام أنفسنا وأمام الله إلى جانب أهلنا وأبناء شعبنا بتوفير كل الأصناف بسعر التكلفة، نعتذر اليوم السبت عن استقبالكم لعدم توفر المواد الخام للأصناف".

وسم مضلل وسردية منسقة

ضمن الحملة الرقمية الممنهجة لتزييف الواقع في قطاع غزة، نشط وسم #TheGazaYouDontSee كأحد أبرز الأدوات التي اعتمدتها الحسابات الموالية للاحتلال الإسرائيلي، لترويج سردية مضادة تنكر وجود المجاعة، وتتهم الفلسطينيين بفبركة المشهد الإنساني.

وقد رصدت "سند" تداول هذا الوسم بلغات متعددة، أبرزها الإنجليزية واليابانية، عبر منشورات ركزت على مهاجمة حركة حماس، والتشكيك في التقارير الحقوقية والإنسانية، مدّعية أن المجاعة "أكذوبة" صاغها الإعلام العربي والإسلامي لتأليب الرأي العام العالمي.

من يقف وراء الحملة؟

وفي إطار رصد موسع، أظهر تحليل شبكي أجرته "سند" لعينة مكونة من ألفي تغريدة، نشرت على الوسم خلال يومي 1 و2 يوليو/تموز 2025، وجود نمط من التنسيق بين مجموعات رقمية متداخلة هدفت إلى تشويه صورة الوضع الإنساني في غزة، عبر بث روايات موحدة تفيد بأن "لا وجود لمجاعة" أو أن "المعاناة مبالغ فيها ومفبركة".

وتكرّر في منشورات تلك الحسابات استهداف وكالة "الأونروا" بشكل لافت، سواء من خلال الردود أو الوسوم أو الإشارات المباشرة (المنشن)، في محاولة لتصويرها كجهة منحازة أو متواطئة في "خداع" المجتمع الدولي.

تحليل شبكي للحملة المنظمة للترويج لروايات مضللة عن المجاعة بعزة (نود إكس إل)

وأظهر التحليل الشبكي الذي أجرته "سند" للبنية الرقمية للحملة أن الحساب الإسرائيلي (imshin) شكّل محور التفاعل الأبرز، حيث تصدّر ما يعرف بـ"العقدة المركزية" (Central Node) التي تدور حولها باقي الحسابات المروجة، في دلالة واضحة على مركزية الخطاب ومصدره.

صورة للحسابات الرئيسية التي تبنت الحملة (نود إكس إل)

ووفق خوارزميات التحليل، تبيّن أن أكثر من 74% من الحسابات المشاركة في الوسم تعود إلى مجموعة مركزية واحدة تدور في فلك هذا الحساب، مما يعكس درجة عالية من الاصطفاف والتنسيق في إنتاج المحتوى وتكرار السرديات.

صورة تظهر ترابط الحسابات المشاركة في الحملة (نود إكس إل)

وفي تحليل تقاطعي أوسع شمل الحسابات الثلاثة (imshin@ – GAZAWOOD1 – osint613)، ظهر ترابط ملموس في التوقيت والمحتوى وحجم التفاعل، فقد شكل كل واحد منها مجتمعا فرعيا متماسكا يرتبط بباقي الحسابات عبر ما يعرف بالحسابات "الجسرية" (Bridge Accounts)، وهي حسابات تسهل انتقال الرواية بين المجموعات وتضمن إعادة تدويرها بشكل منسّق.

إعلان

رواية واحدة و3 أساليب

وبرز حساب (GAZAWOOD1) بين أبرز المشاركين في الحملة، من خلال نشر مقاطع فيديو ساخرة تُنكر المجاعة وتتهكّم على التقارير الحقوقية، مستخدما لغة مزدوجة تجمع بين الطرافة السوداء والنفي المبطن للكارثة.

في السياق ذاته، نشط حساب (TrollAndoVoy) ضمن مجموعة فرعية موازية، تشارك المحتوى ذاته، بينما برز حساب (tantemay) -الذي يزعم انتماءه إلى الدانمارك- كأحد أكثر الحسابات الأوروبية نشاطا في دعم السردية الإسرائيلية، من خلال تكرار منشورات تهاجم منظمات حقوق الإنسان، وتطعن في مصداقية التقارير الدولية عن الوضع في غزة، بلغة ساخرة أو ذات طابع استعلائي تجاه الضحايا.

وإلى جانب هذه الحسابات، أظهر التحليل وجود نمط تكراري في اللغة والتوقيت والأسلوب، مما يرجح أن الحملة ليست مجرد تفاعلات فردية، بل نتاج شبكة منظمة تهدف إلى طمس الرواية الحقوقية، وتشويه المعاناة الفلسطينية، وخلق حالة من الشك الممنهج لدى الرأي العام الدولي.

المصدر: الجزيرة + وكالات

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا