3 شخصيات في الظل صنعت نتنياهو المتطرف
17/8/2025-|آخر تحديث: 10:50 (توقيت مكة)
في مقابلة أجراها رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع قناة i24 العبرية، 12 أغسطس/آب 2025، ونقلها موقع "تايمز أوف إسرائيل"، أعرب عن اعتقاده بأنه في "مهمة تاريخية وروحية"، مؤكدا ارتباطه الشديد بـ"رؤية إسرائيل الكبرى".
هذه الرؤية، وفق التعريف الإسرائيلي بعد حرب يونيو/حزيران 1967، تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأجزاء من الأردن، ولبنان، وسوريا، ومصر.
وعندما سُئل نتنياهو عما إذا كان يرى نفسه في "مهمة نيابة عن الشعب اليهودي"، أجاب بأنها "مهمة أجيال تحمل إرث اليهود الذين حلموا بالعودة إلى أرض إسرائيل، ويواصلون مشروعهم التاريخي جيلا بعد جيل".
"مثلث الأيديولوجيا النتنياهوية"
لفهم أعمق لتصريحات نتنياهو الأخيرة، لا بد من استكشاف الأسس الفكرية التي شكلت رؤيته السياسية.
يسلط الباحثان بن كسبيت وإيلان كفير في كتابهما المرجعي "نتنياهو: الطريق نحو السلطة"، الضوء على ثلاث شخصيات أساسية كانت حاسمة في صياغة أيديولوجية نتنياهو: شقيقه يوني، ووالده بن تسيون نتنياهو، وجده الحاخام ناتان مليكوفسكي، "كل واحد من الثلاثة وثلاثتهم معا يمثلون في نظره تاريخ الصهيونية".
جده الحاخام ناتان مليكوفسكي، كان من أوائل دعاة الصهيونية الدينية، ومقربا من الحاخام أبراهام كوك، وزئيف جابوتنسكي، وديفيد بن غوريون.
عُرف مليكوفسكي برفضه القاطع لـ"خطة أوغندا" التي طُرحت كوطن بديل لليهود، معتبرا ذلك خيانة للشعب اليهودي الذي قدم الكثير من التضحيات من أجل هذه الأرض (فلسطين)، وسفكوا دماءهم من أجلها، وصلوا لألف سنة للعودة إليها، وربطوا أكثر آمالهم الحميمة بإحيائها، وأنها "خيانة أجيال اليهود الذين قاتلوا وماتوا من أجل هذه الغاية".
عند وفاته، دُفن في جبل الزيتون في مدينة القدس، وأبّنه الحاخام الأكبر أبراهام إسحاق كوك؛ باعتباره يمتلك "قلبا مملوءا بحب التوراة، حب شعب إسرائيل، حب أرض إسرائيل".
إعلانيصف نتنياهو جده ناتان مليكوفسكي، في كتابه "مكان تحت الشمس"، على النحو التالي: "كان جدي ناتان مليكوفسكي، الذي تجند للحركة الصهيونية في شبابه، في عقد التسعينيات من القرن الماضي (التاسع عشر)، واحدا من عدد لا يُحصى من المتحمسين لهذه البشرى، وأصبح أحد مبشري هذه الحركة الرئيسيين، ونشر مبادئها بين اليهود في شرق سيبيريا حتى مينيسوتا في الولايات المتحدة الأميركية.
وبعد فترة من الوقت، في عام 1920، أثبت أنه ليس من الذين يقولون ولا يفعلون، إنما يقول ويفعل: حمل عائلته الكبيرة، وأبحر من ترايست إلى حيفا، واستوطن في أرض إسرائيل".
والده بن تسيون نتنياهو، الذي غير اسم العائلة من مليكوفسكي إلى "نتنياهو" في سياق النزعة القومية العبرية، فلم يكن تغيير اسم العائلة مجرد تحول هوياتي، بل كان انعكاسا لتحول أيديولوجي جذري. انخرط بن تسيون بحماس في صفوف الحركة التنقيحية التي قادها زئيف جابوتنسكي، ليرسم معالم رؤية توسعية ستشكل فيما بعد أساس سياسات ابنه نتنياهو.
لاحقا أصبح بن تسيون المساعد الشخصي لزئيف جابوتنسكي في الولايات المتحدة الأميركية. كان بن تسيون يرى في جابوتنسكي منقذا للشعب اليهودي، مؤمنا بثلاثة مبادئ أساسية: "التفوق اليهودي كحقيقة لا تقبل الجدل؛ ضرورة الكفاح المسلح لتحقيق الأهداف الصهيونية؛ الرفض المطلق لأي سلطة غير يهودية على الأرض المقدسة".
تجلت رؤيته التوسعية في إيمانه الراسخ بـ"إسرائيل الكبرى" التي تمتد على ضفتي نهر الأردن، معتمدا على نظرية "الجدار الحديدي" التي تقضي بإجبار العرب على القبول بالوجود اليهودي عبر التفوق العسكري.
في الجانب الاقتصادي، وقف بن تسيون ضد التيار الاشتراكي السائد في بداية تأسيس إسرائيل، مروجا لاقتصاد السوق الحر. وكانت لمعارضته الشرسة لقرار التقسيم عام 1947 دلالة واضحة على تصلبه الأيديولوجي، حيث رأى أن القرار لا يمنح إسرائيل ما يكفي من الأرض لضمان أمنها.
بلغت معارضته ذروتها بنشر إعلان صادم في نيويورك تايمز تحت عنوان "التقسيم لن يحل مشكلة فلسطين"!، في خطوة تعكس تصميمه على رؤيته التوسعية التي سيرثها ابنه لاحقا.
شقيقه الأكبر يوناتان (يوني) نتنياهو، الضابط في وحدة النخبة الإسرائيلية "سايريت متكال"، الذي قُتل في عملية عنتيبي 1976، وتحول إلى رمز بطولي في المخيلة الإسرائيلية. هذا الحدث شكل نقطة تحول في حياة بنيامين نتنياهو، الذي تبنى منذ ذلك الوقت إرث شقيقه كجزء من مشروعه السياسي.
وارتبط مقتل يوني بتطور فلسفة نتنياهو ونظرته إلى العالم. في أعقاب مقتله، قام نتنياهو وأخوه عيدو بتجميع الرسائل التي كتبها يوني منذ الستينيات (وتحديدا منذ 1963) إلى ما قبيل مقتله (1976)، وكتبا له خلاصة تُبين رؤيتهما لمكانة أخيهما في التاريخ اليهودي. و"رسائل يوني" عبارة عن رسائل كان يوني يبعثها إلى عائلته، وخاصة والده. ولم تخلُ من رسائل وجهها إلى بنيامين نتنياهو نفسه.
ففي خاتمة كتاب "رسائل يوني" كتب الشقيقان عيدو وبنيامين (محررا الكتاب) ما يلي: "طبعا فإن خيار يوني لم يكن ممكنا لولا (…..) أنه رأى بعينيه انتماءه للشعب اليهودي ولأرض إسرائيل.
إعلانلقد نظر إلى نفسه على نحو واضح كممثل التاريخ الرائع لشعب إسرائيل، كوريث تراث المكابيم وباركوخبا (مجموعة يهودية عسكرية خُلدت في الذاكرة اليهودية المعاصرة مقرونة بمفاهيم الشجاعة والتضحية)، وكمكمل في نضال البطولة لشعب إسرائيل الذي لا مثيل له بوجوده وخصوصيته".
فقد جسد شقيقه الأكبر يوني مع جده ووالده "القالب الأيديولوجي الذي من خلاله فهم نتنياهو العالم وشكل معتقداته الخاصة حول الصهيونية الحديثة، والعودة إلى أرض إسرائيل، والأيديولوجية اليمينية المناضلة في مقابل الانهزامية اليسارية".
باختصار، يُظهر الاستقراء التاريخي أن شخصية بنيامين نتنياهو السياسية والفكرية تشكلت ضمن إطار يمكن تسميته بـ"مثلث الأيديولوجيا النتنياهوية"، وهو مزيج مركب من ثلاثة روافد أساسية:
- أولها النزعة الدينية القومية المتشددة الموروثة عن الجد، الحاخام ناتان مليكوفسكي، الذي رأى في أرض فلسطين جوهر المشروع الإلهي للشعب اليهودي.
- ثانيها الرؤية التوسعية الصهيونية التنقيحية التي حملها الأب، بن تسيون نتنياهو، المنخرط في تيار جابوتنسكي، والذي تبنى عقيدة "الجدار الحديدي"، واعتبر الاستيطان على ضفتي نهر الأردن حقا غير قابل للتنازل.
- وثالثها الروح العسكرية القتالية التي جسدها الشقيق الأكبر يوني نتنياهو، الضابط في وحدة النخبة "سايريت متكال"، الذي تحول مقتله في عملية عنتيبي إلى رمز بطولي عميق التأثير على وعي بنيامين نتنياهو ومشروعه السياسي.
إن هذا المزيج الأيديولوجي لم يكن مجرد تراكم لخبرات عائلية، بل اندمج في شخصية نتنياهو ليشكل رؤيته الإستراتيجية، التي تقوم على إيمان مطلق بالتفوق العسكري كشرط للبقاء، ورفض التنازلات السياسية، والسعي لفرض وقائع ميدانية تجسد فكرة "إسرائيل الكبرى".
ومن هنا، تصبح تصريحاته الأخيرة ليست مجرد خطاب سياسي ظرفي أو محاولة لكسب دعم اليمين الصهيوني، بل هي امتداد مباشر لجذور أيديولوجية عميقة تعود إلى الإرث العائلي الذي حمله نتنياهو.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.