
لا شيء انتهى، لأن إسرائيل وبغطاء أميركي، لا يمكن أن تترك الجبهة اللبنانية وحدها مفتوحة، فيما الجبهات الأخرى بين التطبيع الرسمي أو الواقعي، أو الإلغاء الصريح على غرار ما هو حاصل في قطاع غزة، حيث يراهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على حسم نهائي يفتح الطريق أمام صيغة جديدة لإدارة القطاع، ولا يهمه إن دفع الأهالي الثمن الأغلى إلى جانب الثمن الباهظ الذي تدفعه "حماس".
ولذلك، وكما يقول دبلوماسي أوروبي بارز في مجالسه، "إن الصراحة تقتضي القول إنه من الصعب تصور استمرار التهديد العسكري الذي يمثله "حزب الله" لإسرائيل، لأن الأخيرة ستعتبر حينها أنه لم يكن للحرب العنيفة التي شنتها على "حزب الله" أي معنى أو نتيجة جدية، مع تقديرنا لأهمية الانسحاب الإسرائيلي الكامل، علمًا أن الدولة العبرية تتصرف على أنها المنتصرة وهي التي تستطيع فرض الشروط، بالرغم من أن لبنان لبى الشروط الأميركية ولكن بشكل مبدئي".
ولا يستبعد الدبلوماسي نفسه أن تعاود إسرائيل في المدى القريب، التصعيد المنهجي وإن لم يبلغ مستوى الحرب الفعلية والشاملة، مستهدفة مواقع ومخازن تابعة لـ "حزب الله"، وصولًا إلى احتمال استهداف شخصيات قيادية فيه.
ويسأل، هل إيران فعلًا مع "حزب الله" في كل ما يعلنه ويقوم به، أو تستمر في التعاطي معه كمتراس متقدم؟ مع إدراكها أن القرار بإنهاء سلاحه حاسم، وذلك لتستغل "الحزب" في مفاوضاتها مع الأميركيين، فيما تشجّعه على رفع السقف ليس بالضرورة للحفاظ على سلاحه بل أكثر لتحصيل مكاسب داخل السلطة اللبنانية بهدف التعويض والترضية. ويلفت الدبلوماسي الأوروبي إلى أن إيران اليوم في موقف ضعيف، وكلام مسؤوليها العالي السقف حول سلاح "الحزب"، هو تهويلي وموجّه بالدرجة الأولى للسلطات اللبنانية علّها تنكفئ أو تلين، باعتبار أن الأميركيين لا يمكنهم اتخاذ أي إجراءات أو خطوات جذرية بحق "الحزب" إلا استنادًا إلى الموقف اللبناني الرسمي.
ويخلص إلى القول، هل تلعب إيران اليوم لعبة التخلي عن "حزب الله" عبر توريطه في مواجهة جديدة ستنتهي بوقف إطلاق نار جديد هو أشبه بصك استسلام يترك لـ "الحزب" بعض المكتسبات، مقابل ثمن تقبضه الجمهورية الإسلامية من الأميركيين؟ ولذلك يتوقع الدبلوماسي نفسه دورًا مضطردًا للرئيس نبيه بري الذي يدرك جيدًا هوامش اللعبة، وسيكون في نهاية المطاف هو من يضع التوقيع الأخير أقله بالمعنى السياسي على الحل الخاص بـ "حزب الله" وسلاحه.
في أي حال، وبحسب معلومات متواترة، فإن تمايزًا بدأ يبرز على صعيد رموز قيادية في "الحزب"، على خلفية نقاشات طويلة وجدية حول الخيارات المتاحة، وكان التوافق المبدئي على ما يشبه الهروب إلى الأمام من خلال تصعيد واضح ولو بشكل موقت، لعله يؤتي ثماره بالضغط على الحكم والحكومة، ولكن يبدو أن النتيجة لم تكن على قدر الرهان، فعاد الجدل بعيدًا من الأضواء حيال آفاق المرحلة المقبلة وكيفية التعاطي مع الضغط الأميركي وطلائع التهويل الإسرائيلي.
وتشير المعلومات إلى أن جدلًا هادئًا يسود بعض الحلقات داخل "الحزب" حول القدرة القيادية للشيخ نعيم قاسم الذي يفتقد الكاريزما التي كان يتمتع بها السيد حسن نصرالله ولا يملك أي هامش لحد أدنى من القرار الذاتي، لأنه يُعتبر عمليًا رجل إيران، ويردد ما يصله من توجيهات من دون كثير حوار وأخذ ورد.
على أن الأهم هو التجاذبات القائمة في طهران، لا سيما في ما خص وراثة المرشد الأعلى السيد علي خامنئي. ففي الظاهر إن الجناح المحافظ له الكلمة العليا، لكن الواقع أن داخل هذا الجناح توجه غالب، وإن كان غير ظاهر، يتماهى مع تطلعات بعض الرموز الإصلاحيين، وعنوانه التعاطي بشكل عملي وواقعي أكثر مع المجتمع الدولي ولا سيما مع الأميركيين، والتمهيد لذلك بهدوء تأسيسًا على ما يمكن أن يتم من اتفاق مع واشنطن.
ويعلم المعنيون الإيرانيون أن فشل الاتفاق سيفضي إلى النتيجة نفسها ولكن بخسائر كبيرة، لأن لا خيار أمام إيران المنهكة والتي تفتقد الدعم القوي من روسيا والصين، إلا التسليم بتطبيع معين مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
والملفت كما تفيد المعلومات، أن الأميركيين لا يطرحون تغيير النظام أو قلبه جذريًا، إذ لا مانع من استمرار التركيبة الراهنة كجمهورية إسلامية ولكن مع تغيير الوجوه وجانب من السياسات والحسابات التي يتّبعها النظام الحالي. وهذا الأمر يعني إمكان التغيير من الداخل، وقد يكون من خلال وراثة مجتبى خامنئي والده في السلطة أو من خلال وصول شخصية وتركيبة مشابهة، يتولى من خلالها النظام الجديد قيادة البلاد إلى الانفتاح والتغيير. وهذا ما يمكن استخلاصه والبناء عليه قياسًا على لتجربة الناجحة والمعبرة للمملكة العربية السعودية مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي سجل نجاحات كبيرة وتمكن من تغيير الكثير من السياسات والنمطيات التقليدية لمصلحة تطوير المملكة وتعزيز انفتاحها تحت العباءة الملكية والثوابت المبدئية.
أنطوان مراد - نداء الوطن
The post تساؤلات حول قيادة قاسم وتجاذبات حول خلافة خامنئي appeared first on LebanonFiles.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا