Skip to main content

صهاريج المياه بلا رقيب ولا حسيب

22 آب 2025

في ظلّ التراجع في كمّيات المتساقطات وما نتج عنه من شحّ في المياه، ومع ارتفاع الطلب على المياه خلال فصل الصيف، تحوّلت صهاريج المياه إلى مصدر أساسي للمستهلكين، وتجارة موسمية مربحة لأصحابها.

وبعيداً عن الاستغلال والفساد في هذا القطاع، من فرض بدلات خيالية على النقلات، وسرقة مياه الأنهر والينابيع لبيعها، لا بدّ من السؤال: ماذا يشرب سكان لبنان؟

والمقصود جودة مياه الشرب والطبخ والرّي والتنظيف ومطابقتها للمعايير الصحية، ومصادر المياه التي يبيعها أصحاب الصهاريج وصلاحيّتها، إضافةً إلى سلامة المصدر وآليّة الاستخراج والنقل والتخزين، عدا عن مطابقة الصهاريج نفسها لشروط السلامة العامة.

بدءاً، لا يوجد إجابة صريحة واحدة على أي من هذه الأسئلة، لأنه ببساطة لا وجود لجهة متخصّصة تفحص المياه وتطابقها بالمعايير الصحية وشروط السلامة العامة.

ومع ذلك، «لا يمكن تجاهل خطر المياه المتوفرة على صحة الناس وسلامتها، خطر بات ملموساً وخرج من دائرة الاحتمالات»، بحسب النائب وأستاذة الكيمياء التحليلية ومديرة مركز حفظ البيئة في «الجامعة الأمريكية في بيروت»، نجاة صليبا. ولهذا الخطر ثلاثة أوجه: صلاحية صهاريج نقل المياه ودرجة ملوحة المياه ومصدرها مع إمكانية اختلاطها بالصرف الصحي.

أولاً، تروي صليبا كيف وصلت إلى منزلها مياه مشبعة برائحة المازوت، وقول ناطور البناء لها بعد الاستفسار عن مصدرها، إنها مياه صهاريج لأنّ البئر الارتوازي الذي يغذّي البناء قد جفّ. وهو ما دفع صليبا لترجيح أن تكون «صهاريج المازوت قد تحوّلت إلى صهاريج مياه في الموسم الصيفي». وما زاد الطين بلّة، وفقاً لها، هو اقتراح ناطور البناء أن يضع في الخزانات، مادة الكلورين التي تستخدم عادة لقتل البكتيريا، من دون الوعي بمدى خطورة هذه الخطوة لجهة «تفاعل المازوت والكلورين وما ينتج عنه من مواد مسرطنة».

في هذه الحال، يقف المستهلك بين «السندان والمطرقة»: إمّا تقبّل المازوت في المياه لعدم توفّر ترف اختيار الصهاريج المناسبة، وعدم معرفة أي منها تطابق معايير السلامة أصلاً، أو التوجّه إلى طرق غير صحية لتنقية المياه من المازوت وأي مصادر ملوّثة أخرى، لغياب التوعية اللازمة.

ثانياً، تنقل صليبا عدة شكاوى عن المستهلكين، وفي مناطق مختلفة مثل برج حمود وبعبدات وغيرها، حول تخييرهم بين نقلات مياه حلوة وأخرى مالحة، مع اختلاف الأسعار بين الخيارين، (80 دولاراً لنقلة المياه المالحة و120 دولاراً للحلوة)، مع العلم أنّ «استخدام المياه بنسبة ملوحة عالية من أجل الاستحمام مثلاً، يتسبّب بضرر مباشر على الجسم، مثل النشفان».

شرعي... وغير شرعي
وينقسم أصحاب الصهاريج إلى قسمين. الأول يشمل الحائزين على تراخيص بيع المياه، والاستثمار في الآبار الارتوازية، الذين يتمّ ضبط كمية المياه المسموح لهم بسحبها عبر العدّادات. أمّا القسم الثاني فيضمّ العاملين في القطاع بصورة غير شرعية، وعادة يسرقون المياه من جوف الأرض بلا حسيب ولا رقيب وبكميات عالية. ومنهم من يملؤون صهاريجهم من الينابيع، في تعدٍّ على الحق العام وانتهاك مبدأ التوزيع العادل للمياه. وفي الحالتين، يبقى مصدر المياه مجهولاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جودة المياه وصلاحيّتها للشرب والاستخدام، بسبب غياب الرقابة بالمطلق على هذا القطاع.

وفي هذا الإطار، تحذّر صليبا من خطورة مصادر المياه التي يعتمدها أصحاب الصهاريج، لجهة «قرب الآبار والينابيع من مجاري الصرف الصحي، مع غياب محطات التكرير العاملة في البلاد». كذلك، تحذّر من بيع المياه في غالونات معبّئة غير مختومة، والتي تستخدم للشّرب والطّبخ. هذه المخاطر، بحسب صليبا، «باتت أقرب إلى الواقع نظراً للانتشار الواسع لحالات الإسهال المسجّلة في الآونة الأخيرة».

وينتج عن تردّي جودة المياه عدّة أمراض منها «الأمراض المعوية والجلدية، ولا سيّما الكوليرا». ويجدر التذكير في هذا الإطار بموجة الكوليرا التي ضربت لبنان قبل ثلاث سنوات، نتيجة لتردّي البنى التحتية، وسوء معالجة الصرف الصحي، وتلوّث مياه الشرب والاستخدام المنزلي.
من يتحمل المسؤولية؟

لذلك، أرسلت صليبا كتاباً إلى الحكومة عبر الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية، في الأيام الماضية، طالبتها فيه بـ«دقّ ناقوس الخطر والتحرّك العاجل في ما يخصّ ملف المياه وسلامتها»، ووضعه على جدول الأعمال، لأنه «لا يجوز تعريض حياة الناس إلى الخطر بهذا الشكل».

وبينما تنتظر الردّ على كتابها خلال 15 يوماً، لا تبدو صليبا متفائلة بتشكيل لجنة طوارئ تتابع ملف المياه يومياً، كما طلبت، «لأنني منذ شهر نيسان الماضي أرفع الصوت عبر وسائل الإعلام وأحذّر من تراجع كمية المتساقطات عن معدّلاتها الموسمية، من دون تجاوب من المعنيين، سوى عقد اجتماع يتيم لوزراة الطاقة والمياه مع مدراء مصالح المياه، بهدف ترشيد الاستهلاك، وهو عمل بطيء ولا يتناسب مع حجم الأزمة».

ولوضع النقاط على الحروف، تعَدّ وزراة الطاقة والمياه وخلفها مصالح المياه مسؤولة عن ترشيد استهلاك المياه للحدّ من الهدر، وإقفال «مزاريب» الفساد وسرقة المياه. على أنّ فحص جودة المياه لضمان حماية صحة السكان يقع على عاتق وزارتَي البيئة والصحة، من دون إغفال دور وزراة الاقتصاد، تحديداً مديرية حماية المستهلك، في حماية المستهلكين من المياه المضرّة والملوّثة، مثلما تحميهم من السلع المنتهية الصلاحية.

زينب حمود - الاخبار

The post صهاريج المياه بلا رقيب ولا حسيب appeared first on LebanonFiles.

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا