هل تنقذ مبادرة اليونسكو للتعليم في السودان مستقبل ملايين الطلاب؟

الخرطوم- بعدما هددت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين مستقبل ملايين الأطفال بحرمانهم من مقاعد الدراسة، بثت منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (يونسكو) أملا وأطلقت "الخطة الانتقالية للتعليم في السودان"، بميزانية تبلغ 400 مليون دولار.
وحسب بيانات اليونسكو، فمن بين 17 مليون طفل في سن الدراسة داخل السودان لم يعد سوى 3 ملايين إلى مقاعدهم، بينما ظل 14 مليونا خارج المدارس، بينهم 6 ملايين كانوا محرومين من التعليم قبل اندلاع الحرب، كما لم يتمكن 8 ملايين طفل من العودة منذ تفجر الصراع.
وقالت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسف) في وقت سابق إن نحو 10 آلاف و400 مدرسة في المناطق المتضررة من النزاع أغلقت أبوابها، وذكرت أن فقدان الدخل سيؤدي إلى خسارة مدى الحياة تبلغ 26 مليار دولار بالنسبة لجيل الأطفال المتأثر بالحرب.

إنقاذ للحياة
وشارك في حفل تدشين "الخطة الانتقالية للتعليم في السودان"، أمس الخميس، عشرات المنظمات المحلية والدولية، إلى جانب عدد من الجهات المانحة. وتتضمن آلية للرصد والتقييم من خلال مراجعات نصف سنوية وإستراتيجية للاتصال وبرامج للمناصرة وتعبئة الموارد، إضافة إلى برامج جديدة تمتد من 3 إلى 5 سنوات.
كما تهدف إلى إعادة دمج نحو 80% من أصل 17 مليون طفل وشاب سوداني انقطعوا عن الدراسة نتيجة الحرب، من خلال توفير بيئة تعليمية آمنة، وتحسين جودة المناهج الدراسية، وتعزيز البنية التحتية للنظام التعليمي في البلاد.
وخلال حفل التدشين، قالت المديرة العامة المساعدة للتعليم في اليونسكو ستيفانيا جيانيني إن التعليم منقذ للحياة في أوقات الأزمات، حيث يحمي الأطفال من العنف ويوفر لهم الاستقرار.
وأعدّت الخطة الانتقالية المخطط الأساسي لإعادة بناء التعليم والمجتمع في السودان، مع إعطاء الأولوية للفتيات والنازحين والفئات الأكثر هشاشة، لافتة إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 272 مليون دولار تحتاج إلى سد عاجل من المانحين.
إعلانمن جانبه، أوضح مسؤول مكتب التعليم بمكتب اليونسكو في الخرطوم أيمن بدري أن الخطة جاءت نتيجة جهود دؤوبة من الشركاء والمانحين ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني والسلطات المحلية والمعلمين وأولياء الأمور. وأكد التزام المكتب بالعمل على تنفيذ الخطة وضمان استقرار الدعم اللازم، داعيا السودانيين إلى مناصرة جهود التعليم والمساهمة في تعزيز استدامة البرامج، معتبرا ذلك أولوية أساسية للمستقبل.
في المقابل، رأت منسقية مجموعة التعليم العالمية أن السودان يواجه خطر فقدان جيل كامل، مشيرة إلى أن غياب الأطفال عن المدرسة لأكثر من عامين يقلل فرص عودتهم ويؤثر على نموهم الأكاديمي والاجتماعي والعاطفي، كما أن آلاف المعلمين بلا أجور الأمر الذي جعلهم بحاجة عاجلة إلى الدعم والتعافي.
سيناريوهات للتعافي
وتطرح الخطة 3 سيناريوهات رئيسية لإنقاذ التعليم في السودان:
- الأول: الاستقرار، حيث تتم إعادة فتح 80% من المدارس، مع استهداف 10.5 ملايين طفل وشاب، بينهم 7.5 ملايين عبر التعليم الرسمي، و3 ملايين عبر التعليم غير الرسمي.
- الثاني: وهو الوضع الراهن، ويتضمن إعادة فتح 20% من المدارس مع استهداف 7.5 ملايين طفل وشاب، بينهم 1.9 مليون عبر التعليم الرسمي، و5.6 ملايين عبر التعليم غير الرسمي، وتبلغ تكلفته الإجمالية 579 مليون دولار.
- الثالث: مع التدهور، تتم إعادة فتح 10% فقط من المدارس مع استهداف 7 ملايين طفل وشاب، بينهم مليون واحد عبر التعليم الرسمي و6 ملايين عبر التعليم غير الرسمي.
من جهته، يقول مسؤول كبير في وزارة التربية والتعليم -فضّل حجب هويته- إن التعليم في الولايات الآمنة والمحررة بدأ في التعافي بعد طرد قوات الدعم السريع من ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، رغم حجم الدمار والتخريب في المدارس التي استخدمت "القوات المتمردة" بعضها منصات عسكرية.
وأضاف للجزيرة نت أن الدراسة انتظمت في كافة الولايات الآمنة وجلس الطلاب لامتحانات الشهادة الثانوية المؤهلة للجامعة مرتين بعد الحرب، وستعلن نتائج القبول للجامعات قريبا، كما انتهت قبل أسبوعين امتحانات المرحلة المتوسطة.
ويحمّل المصدر نفسه قوات الدعم السريع مسؤولية تعطيل الدراسة في إقليم دارفور وبعض ولايات إقليم كردفان، ويأمل أن يفي المانحون بالتزاماتهم في الخطة الجديدة التي يمكن أن تسهم في النهوض بالتعليم في البلاد.
انهيار كبير
أما لجنة المعلمين السودانيين، فدعت إلى ضمان أكبر استفادة ممكنة من ميزانية اليونسكو لتعم الفائدة على مختلف الولايات، وشددت على ضرورة وضع خطط شاملة تشمل كل مناطق السودان، مع مراعاة الوضع الاقتصادي للمعلمين وتطوير مناهج الدراسة، وحماية منظومة التعليم من الانهيار.
ويقول المتحدث باسم اللجنة سامي الباقر، للجزيرة نت، إن قطاع التعليم في السودان شهد انهيارا كبيرا جراء الحرب، حيث يعاني من التجزئة بين مناطق سيطرة الجيش وقوات الدعم السريع، وتوقف التعليم في 7 ولايات بصورة كلية في ولايات دارفور وأجزاء من كردفان، كما يعاني من عدم الاستقرار وغياب الرؤية.
وحسب الباقر، فإن أجور المعلمين تتوزع بين حرمان كامل في بعض الولايات منذ بداية الحرب، أو حرمان من أجور 14 شهرا في أغلب الولايات، كما صارت بلا قيمة لتآكل القيمة الشرائية للعملة الوطنية "الجنيه"، "حيث يعادل الأجر الأساسي للعامل في بداية خدمته 3 دولارات فقط في الشهر تقريبا، والمعلم في الدرجة الأولى الذي عمل 30 عاما في التدريس يعادل أجره الأساسي 19 دولارا في الشهر".
إعلانويحذر من أن قطاعا مقدرا من المعلمين مشتتين بين النزوح واللجوء وترك المهنة لضعف الأجور، وتحدث عن دمار في البنية التحتية للمدارس بنسب متفاوتة، وتسرب أعداد كبيرة من الطلاب و"بعضهم أصبح وقودا للحرب"، وتراكم دفعات الأطفال في سن الدخول للمدرسة وبعضهم وصل 9 سنوات ولم يدخل مدرسة حتى الآن، وعدم وجود ميزانيات كافية، مما دفع ولايات لفرض رسوم على الطلاب.
وكي تحقق مبادرة اليونسكو أهدافها، يقول الباقر إن ذلك رهين بوقف الحرب والعدالة ومراعاة حقوق المعلمين ووضعهم الاقتصادي، وابتكار حلول خلاقة لمواجهة الأوضاع الحالية عبر توفير سكن جماعي للطلاب، وتصميم مناهج تتناسب مع طبيعة المرحلة.