
الجدل الذي أثير في الفترة الأخيرة في شأن الاتفاقية التي عقدها مصرف لبنان مع شركة K2 Integrity الأميركية بهدف تقديم الاستشارة في موضوع مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، في ظل الاقتصاد النقدي القائم في البلد منذ الانهيار المالي والاقتصادي أواخر العام 2019، يبدو بمثابة جدل بيزنطي، لا يقع في مكانه الصحيح. فهل يجوز في مواجهة قضايا من هذا العيار، أن ينحصر النقاش بمسألة تشبه أحجية من جاء أولًا، الدجاجة أم البيضة؟
طبعاً، ولأن الأولوية عند البعض هي لتسجيل المواقف، وإيهام الرأي العام بإنجاز البطولات، أُثير موضوع "قانونية" الاتفاقية على أساس أنها لم تمر عبر قناة الشراء العام. ومن البديهي أن هيئة الشراء العام، وهي في هذا الجدل تعتبر طرفًا وليست حكمًا، ذكرت في كتاب وجهته إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، "أنّ استقلاليّة مصرف لبنان ليست سندًا قانونيًا للخروج عن قواعد الشراء العام، فالاستقلاليّة لا تتعارض مع الرقابة. إذ يخضع المصرف المركزي لرقابة وزارة الماليّة، حيث تقوم مفوضيّة الحكومة لديه بمراقبة حسابات المصرف وموجوداته في الحدود المنصوص عنها في القانون. كما أنّ لهذه المفوضيّة صلاحيّة الطلب إلى حاكم مصرف لبنان تعليق كل قرار يتخذه المصرف المركزي. وعليه، إن عدم وجود وزير وصاية على المصرف المركزي لا يبرّر الخروج عن أحكام قانون الشراء العام".
هذا الموقف تصدّى له مصرف لبنان بسرعة، من خلال طلب مشورة قانونية لـ"تفسير المادتين 6 و46 من قانون الشراء العام رقم 244/ 2021"
وجاء التفسير على الشكل التالي:
أولًا- المادة 6 – مبدأ السرّية.
تنصّ هذه المادة على إلزام الجهة المتعاقدة (في حالتنا، مصرف ابنان) بالحفاظ على سرّية المعلومات المتعلقة بأي عقد، خاصة تلك التي تمسّ المصالح الاقتصادية الوطنية للحكومة. وعليه، فإن سرّية العقود واجبة الاحترام سواء تمّت عبر مناقصة عمومية أو شراء مباشر أو اتفاق ثنائي.
ثانيًا- المادة 46 – حالات التعاقد المباشر.
تُجيز هذه المادة للجهة المشتريّة إبرام العقود مباشرةً، من دون المرور بآلية المناقصات العمومية في حالات استثنائية، أبرزها:
• عندما يكون موضوع العقد أو المورّد فريدًا ولا يتوافر إلا من طرف واحد حصري.
• عندما يتمتّع المورّد بحقوق ملكية فكرية أو حقوق نشر أو نماذج مرتبطة بموضوع العقد، بحيث يصبح إيجاد بديل آخر أمرًا صعبًا (وليس مستحيلًا).
ثالثًا- الاستنتاج
انطلاقًا من هذين النصّين القانونيّين، يتبيّن:
•أ- إن مضمون أي عقد، مبرم أو قيد التفاوض من قبل مصرف لبنان، يُعتبر سريًا ويخضع لمبدأ "سرّ الدولة ذي الطابع الاقتصادي" (المادة 6).
• ب- إن مصرف لبنان يتمتّع بحق التعاقد المباشر متى كان المورّد وحيدًا أو يصعب استبداله (المادة 46، الفقرة 1).
رابعًا- تطبيق هذه الأحكام القانونية على عقد K2 Integrity
بتاريخ 1 أيار 2025، أجرى مصرف لبنان مسحًا مقارنًا لسبع شركات دولية متخصّصة. وتبيّن بوضوح أنّ شركة K2 Integrity ليست فقط المزوّد الوحيد القادر على تقديم الخدمات المطلوبة، بل إنّها تتمتّع بفرادة في الأسلوب وبملكية أنظمة خاصة، فضلًا عن خبرتها الميدانية في منطقة الشرق الأوسط وخبرتها السابقة في لبنان في مكافحة تبييض الأموال، تمويل الإرهاب، والاقتصاد النقدي. وبناءً عليه، تنطبق أحكام المادة 46 من القانون المذكور".
إلى هنا ينتهي التفسير الذي قدمه القسم القانوني في مصرف لبنان، ليبدأ جدل أقل ما يُقال فيه إنه سخيف، قياسًا على المهمة التي يُفترض التركيز عليها في الخطة التي ينفذها مصرف لبنان، للخروج من أزمة الانهيار ومخلفاتها.
أنطوان فرح - نداء الوطن
The post المركزي وهيئة الشراء: الدجاجة أم البيضة؟ appeared first on LebanonFiles.
للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا