Skip to main content

اعتقال أم تمهيد لضم الخليل؟

02 أيلول 2025
https://qudsn.co/06122202634158637350503501325838

 

فجر اليوم الثلاثاء 2-9-2025 داهمت قوات الاحتلال منزل رئيس بلدية الخليل، الفدائي الذي لم يُبدِّل تيسير أبو اسنينة، واقتادته إلى الاعتقال. 

يأتي هذا الاعتقال بعد يومين من مناقشة حكومة الاحتلال المصغرة لإمكانية ضم أجزاء من الضفة الغربية على طريق ضمها الكامل، وبعد يوم واحد من تسريبات الإعلام العبري بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ترك إعلان الضم وطريقته لتقدير الحكومة الإسرائيلية، كما أنه يأتي على مسافة أسبوع فقط من إعادة الاحتلال إثارة مشروع "إمارة الخليل"، والذي كشفت عنه لأول مرة جريدة وول ستريت جورنال الأمريكية في 6-7-2025، وهي الصحيفة الناطقة بلسان نتنياهو في الولايات المتحدة.

مشروع إمارة الخليل منذ طرحه استدعى إلى الذاكرة مشروع "روابط القرى" الذي حاول الاحتلال من خلاله تقديم بعض الشخصيات العشائرية وإجراء انتخابات بلدية يهندسها بنفسه لتصعيد قيادة فلسطينية محلية تقبل بوجوده، وتتعاقد معه مقابل منافع خدماتية رخيصة هي أساساً من واجبات أية قوة محتلة... واليوم إذ يسعى الاحتلال إلى إحياء فكرة سلطات مناطقية متعاقدة معه فإن البلديات هي مدخل أساسي نحو ذلك، ومن هنا فإن تحطيم أي بنية وطنية على مستوى البلديات هو ضرورة للتمهيد لإمارة الخليل الموهومة. 

هذا التمهيد لفصل الخليل عن بقية الضفة الغربية والتمهيد لضمها هو االهدف الذي جاء اعتقال رئيس بلدية الخليل كخطوة على طريق تحقيقه، خصوصاً وأنه يشغل هذا الموقع على مدى دورتين ولمدة ثماني سنواتٍ منذ 2017، وأنه يمثل بعداً وطنياً ونضالياً وهو أحد أبطال عملية الدبويا ضد بؤر الاستيطان في الخليل في 1980، والأسير المحرر بصفقة التبادل عام 1983. 

هذا الأساس الخطير للاعتقال يطرح أسئلة مركزية أمام السلطة الفلسطينية، وهي التي تحاصر رئيس بلدية الخليل منذ سنوات، وتفرض حوله طوقاً مُحكماً يمنع تعاون مختلف المؤسسات الرسمية معه، وما تزال تحافظ على صمتٍ مطبق تجاه اعتقاله، وهي التي حاولت منع المجلس الجديد المنتخب في 2022 من أن ينعقد نصابه، حين ضغطت على أعضاء مجلس البلدية المنتخبين من قائمة فتح لمقاطعة جلسات المجلس، ثم واصلت ضغطها حتى فرضت استقالة جماعية للأعضاء الستة في بلدية الخليل من قائمتها، قائمة "البناء والتحرير"، في 21-9-2023 مع مطالبات إعلامية بإعادة الانتخابات التي فازت فيها كتلة "الوفاء للخليل" المستقلة، وهو ما رفضه رئيس البلدية تيسير أبو اسنينة في حينه واعتبرها محاولة لابتزازه ولتغيير نتيجة الانتخابات.

بعد هذه الاستقالة الجماعية المسيّسة، خاطب رئيس بلدية الخليل وزارة الحكم المحلي لتنسيب الأسماء التالية من قائمة فتح، ومن القائمة الفائزة كذلك، عملاً بقانون الانتخابات، إلا أن وزارة الحكم المحلي لم تنسب الأسماء البديلة رغم مرور عامين على الاستقالة، ورغم نشوب حرب غزة والإعلانات الصهيونية المتتالية عن التوجه لضم الضفة الغربية، والإعلان عن مخطط "إمارة الخليل" تحديداً، بقيت المقاعد شاغرة، وبقي التعويل على شلّ عمل مجلس بلدية الخليل مستمراً.

اليوم ومع اعتقال رئيس بلدية الخليل، واستمرار استقالة أعضاء كتلة فتح في المجلس وعدم تنسيب بدائل لهم وفق القانون، فإن مجلس البلدية بات يفتقر النصاب القانوني لانعقاده، ما يعني تعطيله بالكامل، وهو ما يكمل عملياً –وبعيداً عن النوايا- المتطلب الإسرائيلي لإبعاد بلدية الخليل الحالية من المشهد، وإعادة هندستها بما يوافق مشروع الضم.

طريقة استجابة قيادة السلطة الفلسطينية تحدد اليوم موقفها العملي من ضم الضفة الغربية، فواجبها اليوم أن تتجاوز الخلافات السياسية وأن تدرك الحاجة الوجودية لتنسيب بدلاء عن الأعضاء المستقيلين منذ سنتين وفق القانون وبما يحافظ على عمل مجلس البلدية في مواجهة مشروع الضم... أما إن اختارت المحافظة على تعطيله، أو "استثمار" الفرصة الصهيونية للتخلص من تيسير أبو اسنينة كرئيس للبلدية والذهاب إلى التعيين فإنها تكمل المتطلب الصهيوني شاءت أم أبَت.

على مدى أيام قبل اعتقاله كان أبو اسنينة يخاطب مسؤولي السلطة بخطاب وطني صريح وواضح: إن المدخل الأساس لمشروع إمارة الخليل هو ضرب البلدية، وبأن الواجب اليوم هو تجاوز الخلاف السياسي وحماية الخليل وكل فلسطين من هذا المخطط بتعزيز مجلس البلدية وإنهاء إجراءات حصاره ومحاولات شل عمله.

كانت صراحته المعتادة تتجاوز ذلك إلى الشأن الأعم بأن مواجهة المرحلة القادمة تتطلب وحدة الصف، وتجديد شرعية المؤسسات، وهذه الشرعية لها مصدران: شرعية ثورية، أو شرعية انتخابية، والقيادة الحالية باتت فاقدة للشرعيتين ولا تملك مؤهلات الوقوف في وجه الخطر القادم، والخطر الوجودي الداهم اليوم يفرض تجاوز مصلحتها الذاتية والذهاب إلى وحدة وطنية تجمع مختلف الفصائل والمكونات المجتمعية، ويفرض أن أن تترفع عن محاولة تحقيق ثاراتٍ داخلية من تحت سيف الإبادة والضم الذي بات يهدد الجميع.

لقد سبق أن سجلت الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية سابقة خطيرة ومدمِّرة تتجاوز أسوأ ما كان يتصور حين حاصرت مخيم جنين 47 يوماً، وجيّشت ضد كتيبته شعبياً بمظاهرات كانت مدينة الخليل مسرحاً لها، قبل أن تأتي القوات الصهيونية لاستلامه وتدميره وتشريد أهله. هنا نحن لا نتحدث عن تسليم مقاوم واحد –على وَضاعة هذا الفعل- أو عن تسليم خلية، نتحدث عن تسليم مجموعٍ وطني، عن تسليم مخيمٍ كامل لحِـقته مخيمات أخرى وأحياء في جنين وطولكرم، فهل نحن أمام تكرار للمشهد ذاته؟ أم يمكن التعويل على ضميرٍ ما أو إدراكٍ ما للخطر الوجودي؟!

 

للمزيد من التفاصيل: إضغط هنا