قتلوا أم انتحروا؟.. الرحيل الغامض لنجوم هوليود

شهدت هوليود في السنوات الأخيرة سلسلة وفيات غامضة أثارت تساؤلات جماهيرية واسعة. فقد رحل ماثيو بيري نجم مسلسل "الأصدقاء" (Friends) في ظروف غامضة مرتبطة بتسمم دوائي، وعُثر على النجم جين هاكمان وزوجته متوفيين في منزلهما دون أي علامات خارجية للصدمة، مما جعل التحقيقات تستبعد الأسباب التقليدية. كما شكّلت وفاة الممثل مالكولم جمال وارنر صدمة لمحبيه بعد إعلان رحيله المفاجئ قبل عرض أحدث أدواره، وسط غياب تفاصيل دقيقة عن سبب الوفاة. وهذه الحوادث، وغيرها من قصص نجوم فقدوا حياتهم بشكل غامض، تجدد النقاش حول تاريخ الرحيل الغامض لنجوم هوليود.
ولا يزال رحيل مارلين مونرو، ناتالي وود، بروس لي، هيث ليدجر، وغيرهم، يطارد خيال الجماهير بأجيالها المتتابعة بعد أن لف موتهم كفن من الغموض، ومئات الأسئلة التي لم تجد من يجيب عليها حتى الآن.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsend of listهل كان هؤلاء ضحايا لثقل الشهرة الساحق أم ضحايا لقوى أكثر شراً؟ فبعد عقود، لا تزال قصصهم معلقة بين الحقيقة والتكهنات، تذكيرًا بأن مصنع الأحلام غالبًا ما يخفي الكوابيس. ولا تتعلق أسرار نجوم هوليود فقط بكيفية عيش هؤلاء، ولكن بالألغاز الدائمة حول كيفية وفاتهم، ولماذا لا يزال رحيلهم يسحر عالمًا لا يمكنه التخلي عنهم.
حياة صاخبة وموت مفاجئ
أشهر وأغرب رحيل، والأكثر غموضا كان للممثلة الأميركية مارلين مونرو التي كانت رمزًا للجاذبية والأنوثة، لكن حياتها كانت مليئة بالهشاشة والمعاناة. وقد وُجدت ميتة في سريرها عام 1962 عن عمر 36 عامًا، وأشار التقرير الرسمي إلى "الانتحار بجرعة زائدة من الحبوب المنومة".
وعاشت مونرو حياتها بمزيج من الضعف والعزيمة، غالبًا ما كانت توازن بين صورتها العامة وصراعاتها الشخصية. فقد تبنّت دور الشقراء الفاتنة والمرحة، وأسرت الجمهور بسحرها وذكائها. أما خلف الكواليس، فقد كانت منضبطة في ممارسة مهنتها، إذ درست التمثيل المنهجي، وعملت على أن تُؤخذ على محمل الجد باعتبارها أكثر من مجرد رمز للجمال.

وغالبًا ما كانت مونرو تُخفي مخاوفها بروح الدعابة، وكانت تتوق إلى التقدير الحقيقي. وكان أداؤها في الحياة مبهرًا وهشًا في آنٍ واحد، لذلك لم تقنع تلك النهاية أحداً. وقد تحولت إلى أيقونة سينمائية بفضل أفلامها الشهيرة التي تركت بصمة كبيرة في تاريخ هوليود. ومن أبرزها أعمالها "الرجال يفضلونها شقراء" (Gentlemen Prefer Blondes) عام 1953، حيث برزت كرمز للجاذبية والمرح، وكذلك "هرشة السنة السابعة " (The Seven Year Itch) عام 1955 الذي قدّم أحد أشهر مشاهد السينما العالمية وهي بفستانها الأبيض الطائر.
إعلانكما أظهرت قدراتها التمثيلية في فيلم "البعض يفضلونها ساخنة" (Some Like It Hot) عام 1959، والذي اعتُبر من أعظم الأفلام الكوميدية.
وشملت ظروف وفاة مونرو اختفاء أدلة، وتضارب أقوال شهود، ووجود نظريات تربطها بشخصيات نافذة مثل عائلة كينيدي، جعلت وفاتها أحد أكبر الألغاز في التاريخ الحديث.
وتحوّلت مونرو بعد موتها إلى أسطورة، ورمزٍ للضحية الجميلة، وتغذى عليها الخيال الجماهيري لتُصنع حولها عشرات الأفلام والكتب التي تحاول فك شيفرة حياتها وموتها، لتعيش في الذاكرة أكثر من أي وقت مضى.
الفيلسوف الذي رحل في صمت
عام 1973، وفي ذروة مجده، توفي أسطورة الفنون القتالية "بروس لي" فجأة في هونغ كونغ عن عمر ناهز 32 عامًا. وكان السبب الرسمي هو جلطة دماغية نتيجة تفاعل مع مسكن للألم، لكنه لم يكن كافيا. وخاصة بعد أن انتشرت الشائعات التي ربطت وفاته بعصابات المافيا، أو بممارسته لفنون قتالية سرية، أو حتى بما أصاب عائلته لاحقًا بوفاة ابنه "براندون لي" في ظروف غامضة أثناء تصوير فيلم. وقد حوّلت الوفاة المفاجئة بروس لي إلى شخصية أسطورية.
ولم يكن بروس لي مجرد ممثل أفلام حركة، وإنما كان رمزا عالميا صنعته مجموعة من الأفلام التي رسخت صورته كبطل أسطوري، وكانت البداية مع فيلم “الرأس الكبير" (The Big Boss) عام 1971 والذي فجّر نجوميته في آسيا، وتلاه "قبضة الغضب" (Fist of Fury) عام 1972 حيث جسّد البطل المتمرد على الاستعمار والظلم. ثم جاء "طريق التنين" (Way of the Dragon) عام 1972 والذي أخرجه بنفسه، وفيه واجه تشاك نوريس في مشهد أسطوري بمدرجات الكولوسيوم في روما. ولكن فيلمه الأشهر كان "دخول التنين" (Enter the Dragon) عام 1973 والذي قدّمه كنجم عالمي وفتح أبواب الشهرة أمام السينما الآسيوية في الغرب.
غرق في بحر من الأسئلة
كانت ناتالي وود نجمة لامعة منذ طفولتها، وعاشت حياة مليئة بالأضواء. ولكن نهايتها كانت مأساوية عندما غَرقت في البحر عام 1981، أثناء رحلة على يختها الخاص مع زوجها روبرت واجنر وزميلها كريستوفر واكن. وعلى الرغم من أن وفاتها صنفت في البداية على أنها "حادثة غرق" فإن الشكوك حامت حول ظروفها: وجود كدمات على جسدها، وتغير أقوال زوجها، مما جعل الشرطة تعيد فتح القضية بعد عقود، وتصنف وفاتها بأنها "غامضة". وتحولت قصة موتها إلى لغز يطرح تساؤلات حول طبيعة علاقات القوة والغيرة في هوليود، وخلدت ذكراها ليس كفنانة فقط بل ضحية محتملة للدراما التي حاولت الفرار منها.
واشتهرت وود بجمالها وحساسيتها وموهبتها الاستثنائية على الشاشة، وقد نالت ثناء النقاد في أفلام كلاسيكية مثل "متمردة بلا قضية" (Rebel Without a Cause) عام 1955 مع الممثل الأسطوري جيمس دين، و"قصة الحي الغربي" (West Side Story) عام1961، و"روعة في العشب" (Splendor in the Grass) عام 1961، وهي أفلام رسخت مكانتها كممثلة جذابة وموهوبة، قادرة على تجسيد المشاعر العميقة والتعقيد.
وكانت حياتها الشخصية جذابة بقدر ما كانت مسيرتها الفنية، فقد تزوجت وود من الممثل روبرت فاغنر عام 1957، ورغم طلاقهما عام 1962 فإن علاقتهما عادت إلى طبيعتها وتزوجا مرة أخرى عام 1972. وكثيرًا ما صُوّر زواجهما على أنه عاطفي ولكنه معقد في الوقت نفسه، إذ اتسم بالحب والتوتر.
إعلانووقعت المأساة عام 1981 عندما توفيت وود عن عمر ناهز 43 عامًا خلال رحلة نهاية أسبوع على متن يخت مع فاغنر والممثل كريستوفر واكن. وقد غرقت بالقرب من جزيرة سانتا كاتالينا في ظروف غامضة. وذكرت التقارير الرسمية أن وفاتها غرق عرضي، إلا أن التساؤلات العالقة حول أحداث تلك الليلة أججت عقودًا من التكهنات. وقد ترك موت وود المبكر وإرثها السينمائي الأيقوني هالة من الغموض تحيط بحياتها ولا تزال قائمة حتى اليوم.
الجوكر الذي ضحك أخيرًا
رحل هيث ليدجر عام 2008 عن عمر لم يتجاوز الـ28 في حدث شكّل صدمة عالمية، خصوصًا أنه جاء بعد تجسيده المذهل لشخصية "الجوكر" في فيلم "فارس الظلام" (The Dark Knight).
ورغم أن التقارير الرسمية نسبت الوفاة إلى "جرعة زائدة عرضية" من الأدوية، فإن كثيرين ربطوا نهايته المأساوية بقدرته الفريدة على التعمق في تفاصيل هذه الشخصية المعقدة.
ومع مرور الوقت، تحولت وفاته إلى جزء من أسطورة "الجوكر" وكأن الدور ابتلعه وألقى به في هاوية مظلمة.
وهكذا أصبح ليدجر في نظر محبيه البطل الذي غاص في أعماق الشخصية حتى فقد القدرة على العودة إلى ذاته. ومنذ ذلك الحين، ظل موته موضوعًا للتحليل النفسي والفني، وبقي حاضرًا في الذاكرة بوصفه الجوكر الذي أتقن دوره حتى النهاية.
وقد وُلد ليدجر في بيرث بأستراليا عام 1979، واكتشف التمثيل في سن مبكرة وسعى إليه بشغف، ثم انتقل إلى سيدني في مراهقته بحثًا عن فرص أكبر. وجاءت انطلاقته مع الفيلم الرومانسي للمراهقين "عشرة أشياء أكرهها فيك" (Ten Things I Hate About You) عام 1999 حيث جعلته طاقته نجما صاعدا في هوليود.
وخلال السنوات التي تلت ذلك، سعى ليدجر جاهدًا لتجنب حصر نفسه في أدوار الممثل الجذاب، وسعى إلى أدوار متنوعة وتحديات، بما في ذلك فيلم المغامرة الذي يعود للعصور الوسطى "حكاية فارس" (A Knight’s Tale) عام 2001، والدراما الجريئة "كرة الوحش" (Monster’s Ball) عام 2001.
وكان أبرز أدواره المبكرة في فيلم "جبل بروكباك" (Brokeback Mountain) عام 2005، حيث جسّد شخصية إينيس ديل مار راعي بقر هادئ ومضطرب. ونال ترشيحًا لجائزة الأوسكار لأفضل ممثل، ورسّخ مكانته كواحد من أكثر ممثلي جيله موهبة.
ويظل أشهر أدوار ليدجر هو الجوكر في فيلم "فارس الظلام" إذ أعاد أداؤه المرعب، وغير المتوقع، تعريف الشخصية. وحاز على إشادة عالمية. وانغمس ليدجر تمامًا في هذا الدور، راسمًا صورةً مؤثرةً للفوضى، مما اعتبره العديد من النقاد أحد أعظم العروض في تاريخ السينما.